شهد الأسبوعان الأخيران من الشهر الجاري ثلاث وقائع خطيرة استخدمت فيها الصواريخ.
الحدث الأول جرى في العراق، حيث استهدف الحرس الثوري الإيراني موقعا في مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان باثني عشر صاروخا في فجر 13 آذار/مارس الحالي، وجرى الثاني بعد خمسة أيام من الأول عندما استهدف الجيش الروسي مناطق في أوكرانيا بصواريخ “كينجال” الأسرع من الصوت، أما الثالث فحصل بعد 6 أيام من القصف الروسي واستخدمت فيه كوريا الشمالية صاروخا باليستيا عابرا للقارات سقط في “المنطقة الاقتصادية الخالصة” لليابان.
على عكس أهداف روسيا وكوريا الشمالية فإن صواريخ إيران وقعت في بلد حليف لها، وهو ما وضع المنظومة السياسية العراقية في مأزق حقيقي، خصوصا إذا قرئ ذلك ضمن الاستعصاء السياسي الكبير الحاصل بين كتلة الصدر الشيعية، المتحالفة مع محمد الحلبوسي، رئيس البرلمان وأحد رموز السنّة، ومسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان، وإلى كونها اعتبرت انتهاكا لسيادة العراق، فقد بدت على انسجام مع إرادة “الإطار التنسيقي” الشيعي، الذي يتصدره رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الذي يرغب في أخذ حصته من الحكومة العراقية المقبلة، والذي شاركت أطرافه، المحسوبة على إيران، بدورها، بطرق عنيفة أو بالتهديد، في استهداف الأطراف المتحالفة مع الصدر، وربما يعني هذا أن الرسالة كانت موجهة إلى النخبة السياسية العراقية أكثر مما كانت موجهة فعلا إلى إسرائيل، وهو ما يفسر الردود الشديدة التي قام بها قادة “التحالف الثلاثي” العراقي على العملية.
استخدام الصواريخ فوق الصوتية (التي تقارب سرعتها 12 ألف كم في الساعة)، في النزاع الأوكراني، كان الأول من نوعه الذي تعلن فيه موسكو زج صواريخ كهذه في نزاع عسكري. اعتبار هذا الاستخدام “سابقة عالمية” يقدّم إضاءة على العقلية التي تدار بها الحرب الروسية في أوكرانيا، حيث لم يعد الأمر يتعلق بكسر مقاومة الأوكرانيين بل بإظهار الإمكانيات المتصاعدة التي يمكن للقوة العسكرية الروسية أن تستخدمها في مواجهة التحالف الغربي الكبير الذي نشأ ضد موسكو.
يسمي المحللون العسكريون صاروخ كوريا الشمالية العابر للقارات بـ”الوحش”، وكان إطلاقه أول تجربة له، ولم تختبر بيونغيانغ صواريخ باليستية عابرة للقارات أو قنبلة نووية منذ عام 2017، ومن الصعب التفكير بأن استخدام هذه التجربة الصاروخية هو لأسباب علمية بحتة، والأغلب أن له علاقة بالأحداث الجارية حاليا في أوكرانيا، في تذكير للعالم بوجود كوريا الشمالية وضرورة التفاوض معها، وخصوصا مع اقتراب اتفاق إيران مع المنظومة الدولية على مشروعها النووي، والضغوط التي تتعرض لها الصين، الراعي الأكبر لكوريا الشمالية، من قبل الغرب للالتزام بالعقوبات على روسيا وعدم تقديم الدعم المالي أو العسكري لها.
تظهر هذه الوقائع في استخدام الصواريخ، في مناطق جغرافية متعددة، التصاعد الكبير في التصدعات العالمية، واستخدامها كـ”رسائل سياسية” يظهر ميلا خطيرا لتسجيل “سوابق” بكسر المحظورات العسكرية.
رغم أن في هذه الرسائل إعلانا لامتلاك القوة والقدرة على استعمالها، فإنها يمكن أيضا أن تقرأ على أنها فقدان للاتزان المنطقي، واستجابة لغرائز الخوف والضعف، فالبلدان الثلاثة التي استخدمتها تشكو الآن من عقوبات هائلة، بحيث صارت الصواريخ بديلا عن الاقتصاد والغذاء والعيش الآمن وكرامة الشعوب.
القدس العربي