وسط حالة من الشلل السياسي، والفشل في اختيار رئيس وزراء ورئيس جمهورية جديدين للبلاد، يرى عراقيون أن الحل قد يكمن في إجراء انتخابات مبكرة لتجنب تحول الخلافات السياسية إلى حالة صدام مباشر.
وسجل العراق رقما قياسيا جديدا بمرور 291 يوما على عدم اختيار مرشحين لرئاسة البلاد أو الحكومة، ناهيك عن تفاقم الخلافات خاصة بين أطراف “شيعية”، وكان من نتائجها اقتحام آلاف من أنصار الزعيم الشيعي، مقتدى الصدر، مبنى البرلمان، وهم يرددون هتافات مناهضة لأطراف سياسية شيعية أخرى.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي أثار إعلاميون وناشطون فكرة إجراء انتخابات مبكرة. وقال الأكاديمي زيد عبدالوهاب الأعظمي، في تغريدة على تويتر إن “تظاهرات التيار ليست ضد مرشح الإطار، مضمون الرسالة (جرة الأذن) هي لا تفرضوا حكومة أمر واقع وتعالوا نتفق على موعد انتخابات مبكرة تديرها حكومة تصريف أعمال”.
ويرى محللون تحدثوا لموقع “الحرة” أن إجراء انتخابات مبكرة قد يعني إعادة إنتاج الأزمة السياسية، وتكرار الظروف السياسية الحالية.
“ليست أولوية”
ويرفض عادل المانع، عضو ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، فكرة إجراء انتخابات مبكرة، ويؤكد أن “الحل يكمن في تمهيد الطريق لتوافق سياسي على حكومة جديدة”.
يقول المانع لموقع “الحرة” إن “حكومة تصريف الأعمال الحالية، عليها عدم توافق سياسي، ولهذا البلاد تحتاج في أسرع وقت لحكومة جديدة، قد تمضي مع البرلمان لتعديل قانون الانتخاب”.
وتواصل حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي المنتهية ولايتها تصريف الأعمال. وإذا لم تتفق الأحزاب على حكومة جديدة قد تستمر هذه الحكومة لمرحلة انتقالية لحين إجراء انتخابات جديدة.
وتحتفظ الأحزاب الشيعية التي تمثل الأغلبية السكانية في العراق بمنصب رئيس الوزراء ويتولى الأكراد رئاسة البلاد والسنة رئاسة البرلمان.
وعادة ما يستغرق تشكيل حكومة في العراق شهورا ويستلزم كسب تأييد جميع الأحزاب السياسية الرئيسية.
ويؤكد رحيم العبودي، عضو الهيئة العامة لتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، أن “الانتخابات المبكرة ليست أولوية، ولكنها قد تكون آخر الدواء والملاذ الأخير لحلحلة المأزق السياسي”.
وقال العبودي في تصريح لموقع “الحرة” إننا قد نحتاج إلى “مبادرات وحلول وسطى، بتشكيل حكومة لفترة مؤقتة”، مؤكدا أن أي خيار سيتخذ يجب أن توافق “عليه جميع الأطراف”.
ويشدد العبودي على أن محاولات الإطار التنسيقي، “تلبي الطموحات، ولكننا نشهد تعقيدا في المشهد السياسي، في الوقت الذي نحتاج فيه إلى وجود تنازلات من بعض الأطراف، خاصة من الكتلة الصدرية، التي أصبحت اللاعب الأبرز في تشكيل الحكومة”.
“زيادة الأعباء”
ويرجح الباحث المحلل السياسي، هيثم الهيتي أن يؤدي “إجراء انتخابات مبكرة، إلى إنتاج سيناريوهين، من شأنهما زيادة أعباء الأزمة السياسية في العراق”.
ويشرح الهيتي في اتصال هاتفي مع موقع “الحرة” أن السيناريو الأول “بإعادة إجراء الانتخابات، قد يعني تكرار النتائج ودخول البلاد في أزمة جديدة خاصة وسط الإقبال الضعيف على الانتخاب من قبل الشعب”.
وأضاف أن “نسبة المشاركة التي أعلن عنها سابقا، بمشاركة 40-45 في المئة، كانت تمثل من حدثوا معلوماتهم وسجلوا للمشاركة في الانتخابات، وهي تمثل حوالي 25 في المئة من أبناء الشعب العراقي الذين يحق لهم المشاركة في الانتخابات”، أي أن حوالي 75 في المئة ممن يحق لهم الانتخاب غير ممثلين في البرلمان.
أما السيناريو الثاني وفق الهيتي بـ”إفشال فكرة الديمقراطية في العراق، خاصة إذا وجدنا البلاد أمام مواجهة مسلحة بين قوى سياسية ضعيفة”.
وسحب مقتدى الصدر، الفائز بأكبر عدد من الأصوات في انتخابات أكتوبر، نوابه البالغ عددهم 74 نائبا من البرلمان الشهر الماضي بعدما فشل في تشكيل حكومة تستبعد منافسيه الشيعة وأغلبهم مدعوم من إيران ولديه أجنحة مسلحة تسليحا كثيفا.
وبعد أشهر من المفاوضات، ترك الصدر لخصومه في الإطار التنسيقي، تحالف قوى شيعية، مهمة تشكيل الحكومة بعدما قام بخطوة مفاجئة بسحب نوابه من البرلمان. ويضم الإطار خصوصا كتلة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وكتلة الفتح الممثلة للحشد الشعبي، وكتل لم تحقق نتائج كبيرة في الانتخابات مثل تيار الحكمة.
وحال الصدر فعليا هذا الشهر دون ترشيح منافسه اللدود المالكي، متهما رئيس الوزراء الأسبق بالفساد في تغريدة على تويتر.
وطرح منافسو الصدر مرشحا آخر هو محمد شياع السوداني لرئاسة الوزراء لكن الصدر يعارض ترشحه كذلك لأنه من حلفاء المالكي.
عقد اجتماعي جديد
ويذهب المحلل السياسي، رعد هاشم، إلى أن “الشعب العراقي محجم عن العملية السياسية، خاصة وأن الانتخابات المبكرة الأخيرة، لم تكن نتائجها متناغمة مع تطلعات المتظاهرين في الشارع العراقي”.
ويؤكد هاشم أن حل الأزمة السياسية في العراق يحتاج “لعقد اجتماعي سياسي جديد، معززا بتدخل دولي، ليبعد شبح الحرب الداخلية التي تلوح في الأفق، حتى لا نشهد صدامات شيعية – شيعية”.
ويقترح هاشم في حديث لموقع “الحرة” التوافق على “الاستمرار على عمل الحكومة الحالية، والتي لديها قبول نسبي داخل البلاد وخارجها، وتحديد فترة انتقالية، تضمن حدوث إصلاح سياسي حقيقي، يدفع بالعراقيين للمشاركة في انتخاب تمثل جميع الشعب، وليست ممثلة للفصائل المسلحة فقط”.
ولا يستبعد المحلل هيثم الهيتي أن تكون “الانتخابات حلا أخيرا” للأزمة السياسية، “ولكن يجب أن يسبقها مؤتمر وطني عراقي برعاية دولية غير متحيزة، تساهم في مشاركة جميع العراقيين خاصة الـ 75 في المئة الذين لم يشاركوا في الانتخابات الأخيرة”.
ويعتقد أن المشكلة “ليست بقانون الانتخابات الحالي، بقدر ما تتمثل في وجود قوى سياسية طائفية في الوقت الذي يحتاج فيه العراق لقوى تضع في أولويتها الهوية العراقية على جميع الصعد”.
ويشير عادل المانع، عضو ائتلاف دولة القانون، إلى إمكانية التوصل لتوافق حول الحكومة في العراق “بتحديد زمن محدد لوجودها، على أن تسير بخطوات وخارطة طريق قد تفضي لانتخابات برلمانية في مراحل لاحقة، ولكنها ليست أولوية”.
وفي 2019 ثارت احتجاجات حاشدة في بغداد ومدن جنوب العراق، وطالب المتظاهرون برحيل الأحزاب التي كانت في السلطة منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 وأطاح بنظام صدام حسين، واتهموها بالفساد الذي أدى إلى تراجع البلاد في مجالات عدة.
وقتلت قوات الأمن ورجال فصائل مسلحة مئات المتظاهرين وأصابوا آلافا بجراح، وانتهت الاحتجاجات تدريجيا في 2020، بتولي مصطفى الكاظمي رئاسة الوزراء كمرشح توافقي إثر الاحتجاجات، ووعد بانتخابات مبكرة أجراها في العاشر من أكتوبر.
الحرة