تتابع الأوساط السياسية والماكنة الاعلامية ومراكز البحوث والدراسات ما ستكون عليه توجهات وأولويات الإدارة الأميركية المقبلة، وما هي الآفاق الاستراتيجية التي يتبعها الرئيس دونالد ترامب، وما هي أبعاد الرؤى الاقتصادية والأمنية التي ستحكم المصالح والأهداف الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي.
معلوم للجميع أن السنوات الاربع السابقة التي قضاها الرئيس ترامب في البيت الأبيض قد اكسبته بعدًا سياسياً ونظرة ثاقبة وخطوات نحو معالجة الأزمات التي يمر بها العالم، لاختلاف المراحل الزمنية وما عاشته شعوب العالم من مصاعب ومآسي صراعات اختلفت فيها الاحداث مابين المدة الزمنية الرئاسة السابقة والمقبلة.
رغم أن ثوابت السياسية الأمريكية قائمة على مراعاة الأهداف والمصالح التي تهتم بها المؤسسات الرئيسية من وزارتي الدفاع والخارجية والمخابرات المركزية والأمن الوطني الفيدرالي، وترسم ملامحها في أولويات اهتمامها طبيعة المسارات التي تتبعها للحفاظ على المكانة الدولية للولايات المتحدة الأمريكية. إلا أن منطقة الشرق الأوسط تبقى أهميتها في انها تحظى باهتمام بالغ من أي إدارة تحكم البيت الأبيض حيث القرار السياسي والمنفعة الاقتصادية والدور الأمني الاستراتيجي الذي تضطلع به تجاه دول المنطقة.
وهنا يمكن تحديد الهدف المرحلي الأول في رؤية الرئيس ترامب المتمثل بالمشروع السياسي الإيراني وأفاق تمدده ونفوذه في العديد من العواصم العربية بل تخطى ذلك إلى العمق الافريقي والاسيوي، ولإدارة الرئيس المقبل تجربة سياسية واقتصادية صاغها عندما توجه إلى تغيير المعايير الأساسية التي أتى بها الرئيس أوباما في علاقته مع إيران وبدأ بمواجهة المليشيات والفصائل المسلحة التابعة للحرس الثوري وإيقاف التمدد والتوجه الإستخباري والأمني الإيراني في المنطقة العربية بعد الدعم الذي قدمته إدارة الرئيس أوباما بتوقيعها الاتفاق النووي مع القيادة الإيرانية وباتفاق أوربي وإطلاق يدها في التصرف بالاموال المجمدة التي بلغت (150) مليار دولار والتي استخدمتها في الدعم المالي والعسكري لاذرعها وحلفائها مما ساعدها على التوسع في برنامجها السياسي والأمني.
اتخذ الرئيس ترامب عدة قرارات مهمة تجاه السلوك الإيراني منها الانسحاب من الاتفاق النووي وفرض عقوبات اقتصادية لوقف مصادر التمويل المالي لإيران، مما أدى إلى حدوث أزمة اجتماعية واقتصادية وشكلت عبئًا كبيرًا على مؤسسات النظام، رافقتها ارتفاع نسبة التضخم المالي وتدهور قيمة العملة الإيرانية وارتفاع نسبة البطالة وتفشي الفساد الاقتصادي وسوء الأوضاع المعاشية والتي لم يتمكن النظام من إيجاد حلول جذربة لها، فاتسعت مساحة الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية المطالبة بتحسين الأوضاع العامة في البلاد.
ساهمت الإجراءات الأمريكية في تقويض الدور الإيراني بوضع مؤسسة الحرس الثوري على لائحة الإرهاب مما اربك طبيعة العمل الميداني لها وعلاقتها مع فصائلها وشركائها.
وبغية مواجهة التمدد والنفوذ الإيراني، دعت واشنطن إلى تحالف عربي أمريكي في القمة العربية الأمريكية التي عقدت في شهر آيار 2017، يعيد للمنطقة استقرارها وأمنها .
وسيكون الشأن اللبناني على الطاولة السياسية للفريق الرئاسي الذي شكله ترامب بالعمل على تثبيت القرار الاممي 1701 وإعادة انتشار الجيش اللبناني في الجنوب ومواجهة حزب الله عبر استمرار عزله عسكرياً وسياسيًا ومنع انتشاره ووقف عملياته والعودة إلى فواصل نهر الليطاني ودعم المؤسسة الشرعية اللبنانية والنظر نحو معالجة الأخطار التي لحقت بالاقتصاد اللبناني.
وكذلك للجانب الاستثماري والمالي أهمية كبيرة وركيزة أساسية في التحالفات الاقتصادية مع اقطار الخليج العربي بدعم المبادرات الميدانية لتحسين الجانب التنموي والمجتمعي في المنطقة والتركيز على المصالح الأميركية المباشرة.
ستعتمد إدارة الرئيس ترامب حلول سياسية لمواجهة وانهاء الأزمات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي وتجنب أي صراعات عسكرية مماثلة لما تشهده الأراضي الفلسطينية والجنوب اللبناني والدفع بأساليب وأدوات مختلفة، ويبقى الصراع الأهم ما يعانيه قطاع غزة، وتتجه الأنظار إلى كيفية معالجة الأوضاع من قبل الإدارة الأمريكية القادمة وطبيعة التحديات التي ستواجهها .
أما المشهد العام في العراق، فإن التعامل الأمريكي معه سيكون عبر اعتماد صيغ وأدوات فعالة لكبح التواجد الإيراني فيه ومنع استغلال أراضيه لأي فعاليات أمنية مواجهات عسكرية تجاه مواقع ومقرات وقواعد تابعة للولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الدولي، وعدم الانسحاب العسكري الأمريكي من العراق وتأمين المصالح الاستراتيجية والمنافع الاقتصادية التي تدعم السياسة الأمريكية في المنطقة، وبتسخير جميع الإمكانيات في معالجة الأخطار التي تبديها المليشيات والفصائل المسلحة العراقية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني ومواجهتها، والتي ستكون الفيصل المهم في طبيعة العلاقة التي تربط الإدارة الأمريكية القادمة والحكومة العراقية والعنوان الرئيسي لاستمراها أو تعثرها بين الطرفين.
وحدة الدراسات الدولية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتجية