ترامب… هل سينفذ الوعد الانتخابي في إنهاء الحروب ؟

ترامب… هل سينفذ الوعد الانتخابي في إنهاء الحروب ؟

 في 20 من كانون الثاني/ يناير 2025، سيعود مجددًا دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وفي أثناء حملته الانتخابية وعد ترامب  بإنهاء الحروب في الشرق الأوسط والحرب الروسية الأوكرانية. ويثير هذا التعهد الطموح، وهو حجر الزاوية في برنامجه للسياسة الخارجية، تساؤلات حاسمة حول جدواه وآثاره المحتملة على العلاقات الدولية. ويستند ترامب في هذا الوعد كما يرى البعض إلى ثقته بنفسه وقدرته في التأثير على الأطراف المتحاربة، وأكد ترامب في أثناء حملته الانتخابية أن سياسته الخارجية لن تهدف إشعال الحروب، ولكن إلى وقفها وإنهائها.

لاشك فيه أن احلال انهاء الحرب في الشرق الأوسط ستواجه بتحديات، فترامب في ولايته الأولى اتخذ مواقف سياسية منحازة بشكل مطلق إلى إسرائيل ضد الحقوق العربية، مواقف لم تجرأ أي إدارة أمريكية سابقة على اتخاذها كاعترافه بالقدس التاريخية” بشقيها الغربي والشرقي” عاصمة لدولة إسرائيل، كما قام بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب،  ولك يكتفي بذلك وإنما أيضًا اعترف دونالد ترامب بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات السورية في الجولان المحتل. هذه الاعترافات المتالية في عهده كانت  كفيلة في تقويض أي فرصة في إحلال السلام في الشرق الأوسط. لذلك لم يكن من المستغرب أن يكون بنيامين نتنياهو أول المهنئين بعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. فكيف لدونالد ترامب أن يوقف حرب وهو منحاز تمًاما لطرف على حساب الآخر؟!

أما فيما يتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية، قال الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، الخميس، إنه سيركز على وقف تلك الحرب : قائلًا: “سنعمل بجدية شديدة على الحرب روسيا وأوكرانيا، يجب أن تتوقف”، بينما أعرب عن أسفه على الوفيات التي تسببت فيها الحرب. وتابع: “سواء كانوا جنودا أو أشخاصا يجلسون في المدن، فسوف نعمل على حل هذه المشكلة”.

ولإيقاف هذه الحرب قد يعتمد ترامب على أسلوب آخر في التعامل مع أوكرانيا فهو لم يقدم مساعدات عسكرية مفتوحة لكييف كما كانت تفعل إدارة بايدن . فمن أجل ايقاف وتشير التقارير أن ترامب المحتملة قد يربط بين تقديم المساعدات العسكرية لأوكرانيا باستعدادها للدخول في مفاوضات سلام جادة مع روسيا مع موسكو.

لكن هناك من يتقدم هذه الرؤية في ايقاف الحرب لأنها قد تجبر أوكرانيا في التخلي الفعلي عن أراضيها لصالح روسيا،  فهي من جانب تعمل على تآكل السيادة الأوكرانية على إقليمها وتزيد من طموحات روسيا التوسعية، هل يفي ترامب في وعده في وقف الحروب الدائرة في الشرق الأوسط والحرب الروسية الأكرانية؟

تنتهي الحروب أحياناً بانتصار أحد طرفيها وتحقيق أهدافه كاملة، واستسلام الطرف الآخر كما حدث في الحربين العالميتين الأولى والثانية. وفي أحيان أخرى، تنتهي عندما يشعر أحد الطرفين بأن تكلفة استمرار الحرب تفوق المكاسب المتوقعة منها؛ ومن ثم يسعى إلى المفاوضات مع الطرف الآخر لإنهاء الحرب. وفي هذه الحالات، من الأرجح أن يكون هناك طرف ثالث يقوم بالتوسط بين الأطراف المتحاربة، وتقريب وجهات النظر بينها، مستخدماً أدوات الترغيب والتهديد، للوصول إلى حلول يتعايش معها الطرفان.

لكن نجاح الطرف الثالث في تحقيق مهمته يتوقف على أدوات الترغيب (الحوافز)، والضغط أو التهديد (الكوابح) التي يملكها إزاء أطراف الصراع، ومدى تأثيرها فيهم، فكلما ازدادت قيمة الحوافز أو قسوة الضغوط، فإن احتمال نجاح دور الطرف الثالث يكون أكبر. يتوقف الأمر أيضاً على طبيعة الصراع، وعما إذا كان يدور حول خلافات دبلوماسية أو تجارية يمكن المساومة والوصول إلى حلول وسط بشأنها، أم أنها صراعات سياسية واجتماعية ممتدة تتعلق بالهوية ولها جذورها التاريخية والثقافية والدينية، أو أنها تستند إلى مظالم تاريخية يتناقلها الناس جيلاً بعد جيل، ففي هذه الحالة يصبح دور الطرف الثالث أكثر صعوبة، وإن لم يكن مستحيلاً.

إن وقف الحرب لا يعني بالضرورة أن الجماعة الدولية مقبلة على سلم عالمي اذ ان للسلم العالمي مبادىء رئيسية لابد من الالتزام بها. وفي حال عدم الالتزام بها سسيبقى الصراع هو الأساس في العلاقات الدولية.

أن وعد الرئيس المنتخب ترامب في وقف الحروب ليس إلا وعدًا انتخابيًا، دون ان يتجاوزه وهو رئيس سابق ويعرف عن العالم الذي سوف يتعامل معه الشيئ الكثير، الي الاعلان عن خطة ادارته الجديدة التي تنوي تنفيذها بشان ما سيكون عليه اسلوب تعاملها مع كل تلك الحروب والصراعات والازمات الدولية والاقليمية الساخنة التي تسحق العالم وتدمر للكثير من دوله كل مقومات حياتها، وهي الحروب والصراعات التي تتحمل الادارات الامريكية المتعاقبة علي البيت الابيض من ديموقراطية وجمهورية النصيب الاكبر من المسئولية عن تفجيرها وتصعيدها وتعقيدها وسد كل منافذ الحلول السلمية في وجهها، لانها تجد مصلحتها اكثر في عدم حلها منه في حلها وتسويتها..ولانها تجد نفسها اكثر في عالم منقسم على نفسه، وغارق في أزماته ومشكلاته وحروبه وصراعاته…

ما يجب ان يعلمه الرئيس ترامب هو ان السلم العالمي الحقيقي لا يتحقق بوقف الحروب فقط، وانما بالتعامل مع مشكلات العالم الحقيقية في العمق، من فقر وتخلف ومجاعات واخطار بيئية وهجرات بشرية عابرة للحدود تهيم علي وجهها ولا تعرف الي أين تذهب.

فالمهام المطلوبة كثيرة وكبيرة، والأدوار هائلة، والولايات المتحدة الأمريكية هي القوة العظمى في الجماعة الدولية التي تؤهلها في معالجة القضايا الدولية والإقليمة بما تمتلكه من قوة دبلوماسية” نفوذ وتأثير” وإقتصادية وعسكرية التي تواجدت في معظم القضايا الدولية المتعددة الأشكال في العالم وتركت بصمتها عليها.

إذا نجح ترامب في تنفيذ وعوده الانتخابية، فقد يؤدي نهج ترامب إلى إعادة تنظيم كبيرة لديناميكيات القوة العالمية، وقد يؤدي خفض التدخلات العسكرية الأمريكية في الخارج إلى تغيير المشهد الأمني الدولي، مما قد يخلق فرصا للقوى الأخرى لتوسيع نفوذها.إن تعهد دونالد ترامب “بإنهاء الحروب” يمثل نهجا جريئا وربما تحويليا للسياسة الخارجية الأمريكية، وفي حين أن الوعد بالسلام جذاب عالميا، فإن التنفيذ العملي لهذه الرؤية يواجه العديد من العقبات والمزالق المحتملة.

وبينما يستعد ترامب للعودة إلى البيت الأبيض، تراقب الجماعة الدولية عن كثب ليرى كيف سيترجم خطابه إلى أفعال. وستكشف الأشهر والسنوات المقبلة ما إذا كان نهج ترامب غير التقليدي يمكن أن يؤدي بالفعل إلى القرارات السريعة التي وعد بها، أو ما إذا كانت تعقيدات الصراعات العالمية ستقاوم الحلول السريعة.

وحدة الدراسات الدولية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية