مهما حاولت إيران أن تبدي غاياتها في الحفاظ على حالة الاستقرار في المنطقة، فإن أهدافها تفضحها بل تجعلها في مواجهة الحقائق على الميدان، كون مشروعها قائم على تحقيق منافعها ومصالحها السياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي ولا يمكن لها أن تبتعد أو تتخلى عنه.
وتبين من الزيارة التي انطلق فيها وزير الخارجية الإيراني ( عباس عراقجي) من طهران إلى العديد من الأقطار العربية والدول الإقليمية أنه يعمل على توطئة الأحداث وتبيان المساعي التي تبحث عنها قيادته في منع الضربة الإسرائيلية على إيران أو التقليل من تأثيراتها ونوعية الأهداف التي تحددها اسرائيل بما يتلائم وحالة التصعيد والردع بين الطرفين.
ولكن حقيقة الأمر أتضح بأن العمليات العسكرية لحزب الله اللبناني قد أخذت مديات أكبر ومساحات أوسع لأهداف متعددة داخل العمق الإسرائيلي بتوجيه من القيادات الميدانية للحرس الثوري الإيراني التي تشرف عليها في منطقة الجنوب اللبناني بعد استهداف معظم القيادات السياسية والعسكرية والأمنية لحزب الله من قبل القوات الإسرائيلية، وتهدف إيران من توسيع دائرة المواجهة ليس من أجل غزة وأهلها والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني ومساندته أو إيقاف المد والتوغل الإسرائيلي داخل الأراضي اللبنانية وإنما تأجيج حالة الحرب لتأجيل الضربة الإسرائيلية ضدها واستخدامها حالة ميدانية ومنفعة سياسية للتفاوض حول مديات تأثير الضربة القادمة إليها وتحسين وادواتها ووسائلها في أي مفاوضات إقليمية ، وهي بذلك تسعى لأهدافها بغض النظر على التضحيات البشرية والخسائر المادية التي تلحق بالشعب اللبناني وسيادته على أرضه، حتى وإن وصلت الحالة للأخلال بميزان المواجهة بين حزب الله وإسرائيل رغم أنها تعتبره انه يمثل لها درة التاج الإيراني في مشروعها السياسي والحليف الاستراتيجي لها في المنطقة.
كما دأب وزير الخارجية عراقجي على التدخل الواضح في عرقلة المبادرة السياسية للحكومة اللبنانية بتنفيذ القرار الأممي 1701 والذي يضمن انسحاب إسرائيل من الجنوب ومنع الوجود المسلح كتائب مقاتلي حزب الله، وطلب الموافقة الميدانية لقيادة حزب الله وهو يعلم جيدًا انها تعاني الآن من أزمة ميدانية في المفهوم القيادي وأن من يدير الشؤون العسكرية للحزب قيادات تعمل في الحرس الثوري الإيراني.
شعرت القيادة الإيرانية أنها فقدت ما كانت ابحث عنه في توسيع نفوذها وامتداده داخل الأراضي الفلسطينية أو استمرار المواجهة المباشرة لحزب الله للعمق الإسرائيلي واعتماده جدار الصد عن إيران والعمل لمشروعها الإقليمي، وهي التي بذلت الجهود الكبيرة بالدعم المادي والتسليحي لحزب الله لجعله الحامي الأساسي للثغور الإيرانية على سواحل البحر الأبيض المتوسط.
أن توسع نطاق الجبهة اللبنانية لا يخدم إلا المصالح والأهداف الإيرانية التي تبحث عن غاياتها في تعزيز قدرتها على البقاء في الحكم وعدم الأضرار بمصالحها في المنطقة ومنع استهداف وجودها والتأثير على جبهتها الداخلية التي تعاني من اضطراب واحتجاجات شعبية ضد النظام واجهزته الأمنية ومؤسساته الحكومية، ولا يهمها ما يعانيه أبناء الجنوب اللبناني من حالة نزوح جماعي وهجرة واسعة وتهديم لدورهم وأسواقهم ميادين عملهم.
وما حديث رئيس البرلمان الإيراني ( محمد باقر قاليباف) في زيارته الأخيرة للبنان ولقاءاته مع عدد من المسؤولين فيها بأن ( المرشد والمسؤولين والشعب الإيراني هم الركيزة الأساسية للبنانيين)، وتصريحه السياسي الخاص بقوله
باستعداد طهران للتفاوض مع فرنسا بشأن تطبيق القرار الأممي 1701 إلا دليل واضح على التدخل الإيراني في تحديد مستقبل الحياة للشعب البناني الذي يعاني من أزمة سياسية واقتصادية تهدد مستقبل بلاده وحياة أبنائه.
أن المشروع الإيراني والعقيدة الأمنية العسكرية الإيرانية قائمة على أهداف محددة وغايات عديدة تسعى إليها القيادة الإيرانية في التمدد والنفوذ والسيطرة وتعزيز دورها الإقليمي على حساب حياة ومستقبل أبناء الشعب العربي في كافة بقاع الأرض العربية.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية