على الرغم من مرور سبع سنوات على المحاولة الانقلابية الفاشلة في ليلة الخامس عشر من يوليو/ تموز عام 2016، إلا أن هذا اليوم شكل تاريخاً فاصلاً في حاضر الجمهورية التركية ومستقبلها. لقد سجل الشعب التركي ملحمة بدمائه وتضحياته، حين تصدّى بكل بسالة لدبابات الخونة، ما جعل هذه الليلة علامة فارقة وسياجاً آمناً للحفاظ علي الحرية والديمقراطية وسيادة الأمة.
نبارك للشعب التركي وأحرار العالم انتصار الإرادة القوية والمبادئ الصلبة واستمرار مسيرة الشرعية التي اختارها الشعب، وإنقاذ الجمهورية وتاريخها من حفنة المنقلبين من منظمة “فيتو” (FETÖ) بقيادة فتح الله غولن، الذين خطّطوا لاختطاف السلطة عبر البنادق وإراقة الدماء. ونحن نحتفل بالانتصارالعظيم، لا بد أن نستذكر 251 شهيداً وأكثر من ألفي جريح، سالت دماؤهم على جسر الخامس عشر من تموز وفي شوارع إسطنبول وأنقرة وباقي المحافظات. إننا نفخر بهؤلاء الأبطال الذين سطّروا أروع المعاني في الدفاع عن إرادتهم ووطنهم بكلّ إيمان وصمود، ونحيي المصابين الذين وقفوا بلا خوف أو تردّد في وجه الآلة العسكرية الغاشمة.
كما نشكر حلفاءنا الذين كانت لهم مواقف داعمة للشعب التركي وللشرعية والإرادة الوطنية، وفي مقدّمتهم دولة قطر الشقيقة بمواقفها المشرفة قيادة وشعبا، حيث بادر صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، منذ اللحظات الأولى، إلى دعم القيادة التركية، وإعلان موقف شجاع في دعم الشرعية والديمقراطية وإدانة الانقلاب.
تضافرت في هذه الليلة جهود الأمة التركية مع قيادة صلبة شجاعة تمثلت في الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي تصدّى بكل حزم وعزيمة لأعداء الحرية والديمقراطية، ولم يتردّد في تصدر الجماهير في مواجهة الانقلابيين.
مثلت هزيمة الانقلاب صفعة قوية لأعداء الشعب التركي في الداخل والخارج
لقد مثلت هزيمة الانقلاب صفعة قوية لأعداء الشعب التركي في الداخل والخارج، بعدما حاول تنظيم “فيتو” (FETÖ) الذي يترأسه فتح الله غولن، القابع في بنسلفانيا الأميركية منذ أكثر من 20 سنة، بشتى الوسائل خداع الشباب والجنرالات عبر ضخ أموال وأفكار سامة، وعاشوا بأوهام السيطرة على مؤسّسات الدولة، ولكنهم سقطوا أمام مقاومة الشعب التركي الذي خرج بالآلاف للدفاع عن الوطن. ومنذ ذلك اليوم، انطلقت القيادة التركية بقيادة الرئيس أردوغان في مرحلة جديدة من تعزيز الاستقلال السياسي وحفظ إرادة الشعب وتهيئة المؤسّسات نحو عهد جديد لا يقبل بالانقلابات ولا يخضع للمجرمين ويواجه بكل حزم من يتلاعب بمصير الشعب والدولة.
واستكمالا لاستقلال القرار الوطني، جرت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية أخيراً في أجواء ديموقراطية شهد بها العالم، ومنح مواطنونا الثقة مجدّداً لقيادتهم السياسية، ووضعت الحكومة التركية الجديدة عدة قضايا على سلّم أولويات العمل، خصوصاً في مجال إدارة الاقتصاد للسنوات الخمس المقبلة، أبرزها النمو المستدام وتقليص عجز الحساب الجاري، وزيادة الاستثمارات، إلى جانب الرفاه الاجتماعي، ومكافحة التضخّم.
إلى جانب التعافي السريع من تداعيات أكبر زلزال ضرب البلاد في السنوات المائة أخيرا، وخلف آثارا اقتصادية واجتماعية صعبة، والتزمت حكومة البلاد بإعادة بناء المنازل المهدّمة وإعمار المدن المنكوبة في مدة أقصاها عام، كما بدأت بتسليم بعض البيوت الجديدة إلى مستحقّيها. كما تولي تركيا أولوية قصوى لمعالجة التحدّيات الجيوسياسية، وحفظ الأمن القومي من المخاطر والتهديدات. وفي هذا الإطار، يأتي بناء مناطق آمنة علي الحدود مع سورية، بحيث تضمن الأمن للأراضي التركية وتوفر بيئة مناسبة لعودة اللاجئين بصورة كريمة. وتواصل الحكومة برنامج الصناعات الدفاعية والعسكرية، التي باتت تركيا بسببها رقما صعبا في هذا المجال، واستطاعت أن توطن 80% من احتياجاتها الدفاعية والأمنية.
تولي تركيا أولوية قصوى لمعالجة التحدّيات الجيوسياسية، وحفظ الأمن القومي من المخاطر والتهديدات
وفي الإطار ذاته، تحرص حكومتنا على صياغة سياسة خارجية متوازنة في بيئة دولية شديدة التعقيد، تهدف إلى الحفاظ على علاقات دولية مستقرة ومراعاة مصلحة تركيا وحلفائها، خاصة في ظل الصراعات المحيطة بالدولة، والنجاح في لعب دور محوري في محاولات خفض التوتر بعد إندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. كما أنها لا تغفل الاهتمام بقضايا العالم الإسلامي، وعلى رأسها فلسطين، مع الحرص على بناء علاقات جيدة مع العمق الإسلامي والدول العربية، والتي تجلت في توطيد الشراكة الإستراتيجية مع دولة قطر، والانطلاق في تعزيز العلاقات مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ومصر، وباقي الدول الفاعلة بالمنطقة.
وكلنا ثقة بأنه كما نجحت تركيا في الانتصار على الخونة والانقلابيين، وتمكّنت من تجاوز كل هذه الصعاب والتحديات، سوف تنجح في تجاوز الموجة الحالية من التضخّم والتقلبات الإقتصادية التي تعاني منها دول العالم، فالحكومة التركية حريصة على وضع التدابير التي تحفظ للمواطن التركي حياة كريمة مستقرّة، وصولاً إلى تحقيق النمو والرفاه الدائمين للشعب التركي العظيم.
ستواصل تركيا مسيرة الحرية والاستقلال التي بدأت في 15 يوليو/ تموز بفضل الإيمان والتضحية وعزيمة الشعب، وسوف تنجح في استكمالها، والانطلاق نحو قرن تركيا الجديد الذي يحقّق تطلعات شعبنا ويؤسس لنهضته الشاملة بأقدامٍ راسخة.
العربي الجديد