تصاعدَ العنف في الضفة الغربية المحتلة منذ بدأت إسرائيل قصف قطاع غزة والاشتباك مع “حزب الله” على الحدود مع لبنان، ما يثير مخاوف من أن تصبح المنطقة الفلسطينية المضطربة جبهةً ثالثة في حرب أوسع نطاقاً.
وتشن إسرائيل حرباً ضد حركة “حماس” في قطاع غزة. وانسحب الجنود والمستوطنون الإسرائيليون من القطاع عام 2005. إلا أن إسرائيل لا تزال تحتل الضفة الغربية، التي سيطرت عليها، إلى جانب غزة، عام 1967.
تقول “حماس” إن من بين الأسباب التي شنت من أجلها هجوم السابع من أكتوبر الهجمات التي يتعرض لها الفلسطينيون في الضفة الغربية والاعتقالات
وقتلت “حماس” أكثر من 1400 شخص في هجوم مباغت على إسرائيل، في السابع من أكتوبر تشرين الأول، وهو ما ترد عليه إسرائيل بقصف أودى حتى الآن بحياة 3500 في غزة. وتستعد إسرائيل لاجتياح بري واسع النطاق لغزة لتدمير “حماس”.
وتخشى الدول الغربية الداعمة لإسرائيل من حرب أوسع نطاقاً يكون فيها لبنان، حيث “حزب الله” المدعوم من إيران، جبهة ثانية، وتكون فيها الضفة الغربية، وفقاً لوسائل إعلام إسرائيلية، جبهة ثالثة محتملة.
وتسببت الاشتباكات بين الجنود والمستوطنين الإسرائيليين من جهة والفلسطينيين من جهة أخرى بسقوط قتلى بالفعل، إذ استشهد أكثر من 70 فلسطينياً في “أعمال عنف” بالضفة الغربية، منذ السابع من أكتوبر تشرين الأول، واعتقلت إسرائيل أكثر من 800 شخص.
وقال مسؤولون فلسطينيون إن القوات الإسرائيلية داهمت ونفذت ضربة جوية على مخيم للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية، يوم الخميس، ما أسفر عن استشهاد 13 شخصاً على الأقل في العملية. وقالت الشرطة الإسرائيلية إن شرطياً قتل أيضاً.
ويشكل تصاعد العنف تحدياً لكل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه في حالة تأهب قصوى ويستعد لإحباط هجمات، من بينها هجمات قد ينفذها مسلحو “حماس” في الضفة الغربية.
وقال المتحدث العسكري اللفتنانت كولونيل جوناثان كونريكوس إن “حماس” تحاول “إقحام إسرائيل في حرب على جبهتين أو ثلاث جبهات”، بما في ذلك الحدود اللبنانية والضفة الغربية. ووصفَ مستوى التهديد بأنه “مرتفع”.
يعطونا سلاح ويشوفوا شو رح نعمل
أظهرت هتافات نادرة جرى ترديدها خلال احتجاجات خرجت لدعم الجناح العسكري لـ “حماس”، هذا الأسبوع، في رام الله شهية متزايدة للمقاومة المسلحة.
تتباين وجهات النظر بين مقر السلطة في رام الله والمناطق المهمشة الفقيرة بشأن جدوى المقاومة
وقال صلاح، وهو متظاهر يبلغ من العمر 20 عاماً، وذكر اسمه الأول فقط: “الكل يجي هون وندافع عن غزة، اللي بقدر يضرب حجر يضرب، واللي معه سلاح يجي يطخ، لازم السلطة تخلي الناس تواجه، يعطونا سلاح خليهم يشوفوا شو رح نعمل”.
وقال موفق سحويل، القيادي بحركة “فتح”: “مواثيق الأمم المتحدة والشرائع الدولية والإنسانية تعطي الشعب الفلسطيني الحق في الدفاع عن نفسه باستخدام كل الإمكانيات وكل وسائل القتال للتصدي للاحتلال الإسرائيلي، و”فتح” وكل قوى الشعب الفلسطيني تطلق العنان ليد المقاومة للرد على الاحتلال وعلى جرائم الاحتلال”.
وبدا البعض الآخر أقل استعداداً للقتال.
وقال نزار المغربي، صاحب شركة هندسة معمارية، إنه يشعر بالاستياء من الهجوم الإسرائيلي على غزة، لكنه غير مستعد لحمل السلاح.
وقال: “نتنياهو يريد القتال وهنية يريد القتال. اتركوهم في الصحراء بالبنادق ودعوهم يطلقون النار على بعضهم البعض”، في إشارة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ورئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية.
ويقول مسؤولون فلسطينيون ومحللون إسرائيليون إن هناك عدداً من العوامل الكفيلة بإشعال فتيل التوترات، لكنها، وعلى العكس من ذلك، تحدّ من نطاقها في الوقت الراهن.
وأحد هذه العوامل هو قيام إسرائيل باعتقال المئات.
وتقول “حماس” إن من بين الأسباب التي شنت من أجلها هجوم السابع من أكتوبر تشرين الأول الهجمات التي يتعرض لها الفلسطينيون في الضفة الغربية والاعتقالات التي جرت هذا العام.
لكن صلاح الخواجا، الناشط في مجال مقاومة الاستيطان، والبالغ من العمر 52 عاماً، قال إن الاعتقالات حدّت أيضاً من “تصاعد المقاومة” في الضفة الغربية.
وقال: “في الضفة هناك تراجع بسبب محاولات الاحتلال المستمرة لضرب كل القوى المنظمة، إضافة إلى غياب القدرة على عملية البناء المنظم لأجهزة متكاملة سياسياً وعسكرياً في داخل مناطق الضفة الغربية، بسبب كل سياسات الاحتلال المالية والعسكرية، وعمليات الملاحقة الأمنية، على عكس قطاع غزة الذي لديه الوقت الكافي لذلك”.
الضفة الغربية خليط معقد
بينما تسيطر “حماس” بإحكام على قطاع غزة المحاصر، فإن الضفة الغربية خليط معقد من المدن الواقعة على سفوح التلال والمستوطنات الإسرائيلية ونقاط التفتيش العسكرية التي تقطع أواصر المجتمعات الفلسطينية.
واحتلت إسرائيل المنطقة عام 1967، وقسمتها إلى مناطق واسعة تسيطر عليها، وأخرى صغيرة يكون للفلسطينيين فيها السيطرة الكاملة، ومناطق يتقاسم فيها الفلسطينيون والقوات الإسرائيلية المهام المدنية والأمنية.
وتتباين وجهات النظر بين مقر السلطة في رام الله والمناطق المهمشة الفقيرة بشأن جدوى “المقاومة”.
فالشباب اليائسون في مخيمات اللجوء أكثر استعداداً للقتال من أولئك الذين يعيشون في رام الله، حيث من المتوقع أن يتحمّل رجال الأعمال وكبار المسؤولين الفلسطينيين خسارة في حال اندلاع دوامة من العنف.
وقال المغربي: “شركتي تعاني بالفعل بسبب الاضطرابات”.
المصري: السلطة تقمع المسيرات لمنع حدوث تداعيات، لأن المظاهرات التي تخرج بالآلاف حالياً ممكن أن تتحول إلى مظاهرات بعشرات الآلاف… هدف السلطة الحفاظ على الهدوء
ومن الأسباب الرئيسية الأخرى التي تحد من العنف الاتفاقيات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس.
ويندد عباس بالهجوم الإسرائيلي على غزة، بينما تقوم قوات الأمن التابعة له بقمع المظاهرات. ولم تصدر “فتح” دعوات علنية للمقاومة المسلحة.
وقال المحلل السياسي الفلسطيني هاني المصري إن “السلطة تقمع المسيرات لمنع حدوث تداعيات، لأن المظاهرات التي تخرج بالآلاف حالياً ممكن أن تتحول إلى مظاهرات بعشرات الآلاف… هدف السلطة الحفاظ على الهدوء”.
وأضاف: “اليوم هناك في السلطة منظومة لديها مصالح شخصية تريد الحفاظ عليها”.
وتابع أنه إذا اهتزت قبضة عباس فإن الوضع قد يتدهور.
ذئاب منفردة
يقول ليور أكرمان، المسؤول السابق بجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت)، إن المخاوف من اضطرابات واسعة في الضفة الغربية قائمة من قبل حرب “حماس”.
وأضاف أن “حماس” تحاول منذ سنوات “بذل كل ما في وسعها لتحفيز الإرهابيين في الضفة الغربية”.
ومع ذلك، أقر أكرمان بأنه تم تشديد الإجراءات الأمنية منذ بدء القصف على غزة، وقال إن حملة الاعتقالات الأخيرة ربما لم تكن لتحدث في ظل الظروف العادية.
وأضاف: “الليلة الماضية.. ألقى الجيش القبض على نحو 100 إرهابي في الضفة الغربية. في الأيام العادية… كان الشين بيت يعتقل فقط من لديه معلومات بأنهم يستعدون لهجمات إرهابية”.
محللون: أحد مباعث قلق إسرائيل في الضفة الهجمات التي تنفذها “الذئاب المنفردة” من الفلسطينيين الذين لديهم ولاءات متباينة
ويقول محللون إن أحد مباعث قلق إسرائيل في الضفة الغربية هو الهجمات التي تنفذها “الذئاب المنفردة” من الفلسطينيين الذين لديهم ولاءات متباينة ولكن يجمع بينهم الازدراء العام من الاحتلال الإسرائيلي.
وأظهرت استطلاعات رأي، جرت في الآونة الأخيرة، وجود دعم شعبي هائل بين الفلسطينيين للفصائل المسلحة، بما في ذلك المجموعات المحلية التي تضم عناصر من فصائل هي تقليدياً منفصلة.
وحتى قبل الأزمة الحالية في غزة، كانت الضفة الغربية تشهد تصاعداً في أعمال العنف.
وكثفت إسرائيل مداهماتها العسكرية، كما نفذ فلسطينيون هجمات تستهدف إسرائيليين.
ووفقاً لسجلات الأمم المتحدة فإن عدد الفلسطينيين الذين استشهدوا منذ بداية العام وحتى السابع من أكتوبر تشرين الأول تجاوز 220، فيما قتل 29 شخصاً على الأقل في إسرائيل.
(رويترز)