جاءت عملية مقتل مستشار الحرس الثوري الإيراني ( سعيد ايبيار) في فجر يوم الثاني من حزيران 2024 باستهداف إسرائيلي على أحد معامل صهر النحاس في محيط قرية الطامورة قرب بلدة حيان الواقعة شمال غرب مدينة حلب السورية، لتلقي الأضواء على استمرار النهج السياق الأمني الإسرائيلي في استهداف مواقع وأماكن واجتماعات القيادات الأمنية والعسكرية الإيرانية داخل الأراضي السورية، وهو الحادث الذي يأتي بعد عدة أيام من عمليات استهدفت مناطق على الساحل السوري قرب مدينة ( بانياس) وفي العمق الميداني عند مدينة (حمص).
ان المكان المستهدف في العملية كان عبارة عن موقع لمعمل صناعي تم اتخاذه مقرًا لإجتماع بعض قيادات الحرس الثوري الإيراني، وأدت العملية إلى مقتل (17) شخصًا منهم (3) عناصر تعمل مع حزب الله اللبناني و(3) أخريين مع المليشيات العراقية و(9) سوريين متعاونين مع الحرس الثوري.
ويمكن الاستدلال على حقيقة واضحة وهي أن عمليات الاستهداف وتبادل العمليات الأمنية والإستخبارية بين إسرائيل والنظام الإيراني مستمرة عبر الميدان السوري دون أي تأثير مباشر داخل العمق الإسرائيلي أو الأراضي الإيرانية عبر عمليات متبادلة بين الطرفين، مع تأكيد تل أبيب على أنها لا زالت معنية بتتبع الممرات البرية والطرق الرئيسية لنقل الأسلحة والمعدات الإيرانية إلى سوريا والأماكن المعدة لتخزينها وضرب البنية التحتية للفصائل المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري والعاملة ضمن تشكيلاته على الأراضي السورية.
تأتي العملية في وقت تعيش فيه إيران أجواء التحضير لانتخاب رئيس جديد بعد مقتل أبراهيم رئيسي بتحطم مروحيته في 19 آيار 2024، وتواجه تحديات كبيرة تتمثل في تثبيت أركان النظام ورسم الآفاق المستقبلية لسياستها الخارجية المرتبطة بالقضايا الدولية والإقليمية ومستقبل البرنامج النووي وإيجاد ركائز مهمة تُفصح عن حقيقة واستمرار السلوك الإيراني في إدارة الأزمات الداخلية والخارجية وفق الرؤية التي يتبناها المرشد الأعلى علي خامنئي والتي تؤكد على ضمان مصالح وبقاء النظام ومستقبل الحكم في إيران.
وهذا ما أوضحه خامنئي بلقائه مع بعض القيادات الأمنية والعسكرية في آيار 2024 برفضه أي مواجهة عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وأن هدفه الرئيسي ( الحفاظ على السلطة وانها تعني له الأولوية القصوى)، وتتأخذ القيادات الإيرانية من سياسية تشديد ( قبضة النظام) مبدأ ثابت في التعامل مع الأحداث الميدانية وتعتبره عنوان لها في الحفاظ على مشروعها السياسي ونفوذها الممتد في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي والتمسك بالمكتسبات التي حققتها واستمرارها في بناء المفاعل النووي الإيراني وسعيها لتصبح قوة نووية إقليمية تمتلك سلاح الردع الذي يحميها ويحافظ على مصالحها وأهدافها في المنطقة من أي تهديد دولي إقليمي والتمسك ببرنامج الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة والحفاظ على القدرات العسكرية والصناعية لها دون أي تدمير، لتبقى ضمن دائرة معادلة التوازنات الدولية واستمرار دورها الميداني والفعلي في التحالفات والمعاهدات الإستراتيجية عبر منظمة ( شنغهاي للتعاون الأمني الاقليمي) ومجموعة ( بريكس) الإقتصادية العالمية.
وهذه الرؤية الإيرانية تتوافق مع توجهات الإدارة الأمريكية وهو أكده (جيك سوليفان) مستشار الأمن القومي الأمريكي بقوله ( أنه يستبعد توجيه أي ضربات أمريكية داخل الأراضي الإيرانية، وانه ليس من الحكمة مناقشة ما ستقوم به أو تستبعده الولايات المتحدة)، وكان له وأن حدد المبدأ الأمني للرئيس جو بايدن نحو الشرق الأوسط وهو ( أن واشنطن ستصعد وترد حينما تتعرض قواتنا للهجوم، وأن الولايات المتحدة لا تتطلع لحرب أوسع في منطقة الشرق الأوسط ولا نريد الإنجرار إلى حرب، مع الإلتزام بنهج لا يدفع إلى التورط في حرب أخرى واستمرار الدفاع عن مصالحنا وقواتنا).
وهذا هو الهدف الإستراتيجي الذي تسعى إليه إيران لتثبيت حالة ( التوازن في الردع المقابل) وهو المبدأ الذي يكتسب مصداقية في التعامل مع الطرفين ويحدد معالم جديدة التوازن القوى بين إيران وأمريكا، في سعي إيران لفرض نفسها كقوة نووية إقليمية وهذا ما يحرص عليه ويؤكده القادة الأمنيون والعسكريون الإيرانيون الملتزمون بالرؤية السياسية للمرشد خامنئي.
ولغرض ابقاء حالة الرد المعنوي ولاظهار قوة النظام الإيراني أمام حلفائه ووكلائه من الفصائل المسلحة فإنه يعمل على تأكيد قوته وقدرته على الرد المقابل، من هنا جاء تصريح الجنرال حسين سلامي قائد الحرس الثوري الإيراني ردًا على عمليه مقتل سعيد ايبيار بأن (على إسرائيل انتظار الرد على مقتل المستشار العسكري سعيد أبيار) .
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتبجة