بغداد – انتشرت القوات العراقية الثلاثاء في أحد المعابر البرية الرئيسية مع تركيا لتضع بذلك موطئ قدم لها على الحدود التي يسيطر عليها الأكراد للمرة الأولى منذ عقود ولتفرض أيضا أحد مطالب بغداد الأساسية من قيادة إقليم كردستان.
وفي ما كانت حكومة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي تروّج للخطوة باعتبارها إنجازا جديدا ضمن عملية بسط الدولة العراقية لسيادتها على مختلف مناطقها وخصوصا على المعابر والحدود، كانت أنقرة التي تعاونت بشكل عضوي مع بغداد وطهران لإحباط مساعي استقلال كردستان العراق تروّج لعملية تسليم المعبر للقوات العراقية وإبراز الخطوة كـ”منحة” من تركيا للعراق لا كحقّ أصيل للأخير قام باستعادته.
وقال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم إنه تم الثلاثاء تسليم معبر إبراهيم الخليل الحدودي إلى الحكومة المركزية في بغداد، بعد أن كان خاضعا لإدارة “إقليم شمال العراق” وهو المصطلح المعتمد تركيّا لتفادي توصيف الإقليم على أنّه كردي.
وأضاف يلدريم في كلمة ألقاها أمام الكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية أن “الحكومة العراقية ستتولى كافة الإجراءات المتعلقة بعمليات العبور من المعبر المقابل لبوابة خابور في الجانب التركي”.
وأوضح أنه “مع استلام الحكومة المركزية معبر إبراهيم الخليل لن تكون هناك بعد اليوم حواجز تفتيش وضرائب غير شرعية وأتاوات في كل خطوة”.
ولفت إلى أن “موظفين قادمين من بغداد سيتولون إدارة شؤون المعبر الذي كانت تشرف عليه إدارة إقليم شمال العراق”، مشير إلى “وجود مخطط لتفعيل مسار آخر على المدى القريب، يمر من زمار وتلعفر بالتعاون مع الحكومة العراقية”.
ومثّل استفتاء الاستقلال الذي أصرّ رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني على إجرائه نقطة التقاء كبيرة بين أنقرة وبغداد بتشجيع من طهران، وذلك بعد العلاقة المتوتّرة التي جمعت الطرفين طيلة سنوات ماضية والخطاب السياسي والإعلامي الذي تبادلاه وتضمّن من الجانب العراقي اتهامات لتركيا بدعم الإرهاب والتدخل في الشأن الداخلي العراقي من خلال دعم أطراف سنية وتركمانية وإرسال قوات إلى قاعدة بعشيقة في الشمال العراقي دون موافقة بغداد، فيما حمل الخطاب التركي تجاه العراق مخاوف من تمدّد الميليشيات الشيعية الموالية لإيران وإيواء مسلّحي حزب العمال الكردستاني المصنّف إرهابيا من قبل أنقرة وإثارة قلاقل أمنية على مقربة من الحدود التركية.
وبدا من خلال الاندفاع التركي للتعاون مع بغداد بشأن الملف الكردي أنّ القيادة التركية التي باتت معروفة بسياسة زعيمها رجب طيّب أردوغان الهجومية والاندفاعية تستغلّ الظرف للحصول على موطئ قدم في العراق وتدارك ما فاتها أثناء الحرب على تنظيم داعش والتي ساهمت إلى حدّ كبير في مزيد توطيد نفوذ إيران في البلد.
تعاون تركيا وإيران في الملف الكردي سينتهي إلى تنافس ثم صدام حين تطمئن الدولتان إلى تجاوز خطر قيام دولة كردية
وشدّد يلدريم على أنّ الطرق بين بلاده والعراق ستكون مفتوحة قائلا “شاحناتنا ستواصل طريقها حتى بغداد والبصرة وهذا من شأنه توفير فرصة كبيرة لزيادة التبادل التجاري بين تركيا والعراق”.
ويرجّح مراقبون أن ينتهي التعاون التركي الإيراني العراقي في الملف الكردي إلى تنافس ثمّ إلى صدام، حين تطمئن كلّ من أنقرة وطهران إلى تجاوز خطر قيام دولة كردية.
وتقع حدود العراق البرية مع تركيا بالكامل داخل المنطقة الكردية شبه المستقلة ويسيطر عليها الأكراد منذ ما قبل سقوط نظام صدام حسين عام 2003.
لكن الحكومة المركزية العراقية تطالب بوجود لها في كل نقاط العبور الحدودية منذ أن أجرى الأكراد استفتاء على الانفصال الشهر الماضي اعتبرته بغداد غير قانوني.
وقال مصدر أمني في بغداد إن العراقيين أنشأوا مواقع بين نقاط التفتيش التركية وتلك التابعة لكردستان العراق عند المعبر الحدودي بين بلدة الخابور التركية وبلدة فيش خابور في الإقليم. وبذلك سيتعين على السيارات التي تريد عبور الحدود اجتياز ثلاث نقاط تفتيش تركية وعراقية وكردية.
ومسألة السيطرة على المعبر الحدودي ذات أهمية حيوية للمنطقة الكردية. ويعبر الحدود عند معبر فيش خابور خط الأنابيب الرئيسي الذي ينقل نفط شمال العراق وتعد صادرات الخام منه المصدر الرئيسي للمال بالنسبة إلى الأكراد.
وتغير ميزان القوى بين قوات الحكومة العراقية المركزية والمنطقة الكردية شبه المستقلة منذ أن أجرى الأكراد الاستفتاء في 25 سبتمبر الماضي.
وأمر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قواته باستعادة السيطرة على كل الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد خارج حدود منطقتهم شبه المستقلة، وجرت السيطرة على معظم هذه الأراضي في غضون أيام.
وتطالب بغداد أيضا بالسيطرة على كل المعابر الحدودية مع تركيا وإيران. وحصل العبادي على تأييد طهران وأنقرة لخطواته ضد الأكراد. ومثل الشقاق بين الأكراد والحكومة العراقية تحديا كبيرا بالنسبة إلى واشنطن المتحالفة مع الجانبين.
وحثت الولايات المتحدة القيادة الكردية على عدم إجراء الاستفتاء خشية أن يؤدي إلى رد فعل.
وكشف الاستفتاء والخلاف مع بغداد في أعقابه عن صدوع غائرة داخل القيادة الكردية. وأعلن رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني الأحد الماضي أنه سيتنحى واتهم قوات الأمن الموالية للحزب الوطني الكردستاني المنافس لحزبه بالخيانة العظمى لأنها سلمت السيطرة على أراض للحكومة المركزية دون قتال.
العرب اللندنية