تعيد السعودية حساباتها في العراق وتدفع برهانات جديدة وأوراق قوامها الاقتصاد في مواجهة النفوذ الإيراني الذي تصاعد مع سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين عام 2003، وتسعى لإعادة التموقع، عبر استقطاب أطراف فاعلة لعل أبرزها التيار الصدري ورئيس الوزراء حيدر العبادي.
ويأتي البحث عن المعادلة السعودية الجديدة بالعراق في سياق حالة التصعيد غير المسبوقة مع إيران في غير ساحة للمواجهة خصوصا في اليمن ولبنان وبدرجة أقل سوريا، حيث يدرك الساسة السعوديون أن احتواء العراق، أو تحييده وهو مركز الثقل الإيراني الأساسي في المنطقة، مهم إستراتيجيا خاصة مع الحدود الطويلة المفتوحة بين البلدين.
وبعد الثورة الإيرانية عام 1979، والتوتر بين السعودية وإيران، أصبح العراق “حائط الصد” ضد مشروع التوسع الإيراني وتصدير الثورة، وحظي بدعم سعودي كبير خلال الحرب العراقية الإيرانية الطاحنة (1980- 1988) والتي لم تنه النظام في إيران أو نفوذه في المنطقة.
وجاء الغزو العراقي للكويت عام 1990 ثم الحرب الأميركية على العراق انطلاقا من السعودية والحصار وما بعده، وحرب 2003 وإسقاط النظام في بغداد، لتخلط الأوراق، وتعطي إيران اليد الطولى في العراق.
وأدت العديد من الملفات الشائكة والريبة المتبادلة ونفوذ الأطراف المقربة من إيران إلى إبقاء العلاقات الثنائية متوترة، حتى بعد إعادة العلاقات بين البلدين في يوليو/تموز 2006، إثر زيارة قام بها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي إلى الرياض.
وساهم وصول حيدر العبادي لرئاسة الوزراء عام 2014 في ترطيب العلاقات مع الرياض، حيث حاول إعادة علاقات بغداد بمحيطها العربي وخاصة الخليج، ليعود تفعيل البعثات الدبلوماسية وتبادل بعض الزيارات، لعل أهمها زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى بغداد في فبراير/شباط 2017، والتي كانت فاتحة المعادلة السعودية الجديدة تجاه العراق.
معادلة جديدة
وبعد نهاية مرحلة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، تسعى السعودية وبدعم أميركي إلى أن تكون طرفا فاعلا في لعبة التوازنات بالعراق، خاصة وأن الانتخابات على الأبواب، عبر الإغراء الاقتصادي و”احتواء ذكي ومخطط له لسحب شيعة العراق العرب من إيران وإعادتهم إلى الساحة العربية التي ابتعدوا عنها لمدة أربعة عشر عاما” كما يقول الصحفي العراقي زياد العجيلي.
ويمكن فهم زيارة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى الرياض ضمن سياق خطة “استقطاب المد الشيعي العروبي في العراق الذي يمثله الصدر وإحداث توازن معه ومع المد الشيعي الإيراني” وبالتالي محاولة حصار التمدد الإيراني في العراق، كما يؤكد المحلل السياسي العراقي أحمد الأبيض للجزيرة نت.
ويعتقد مراقبون أن العبادي يحاول تحجيم النفوذ الإيراني الكبير في بلاده من خلال تطوير العلاقات مع السعودية وبلدان أخرى بالمنطقة، في حين تعمل واشنطن على تعزيز العلاقات السعودية العراقية باعتبارها أولوية في إستراتيجية الإدارة الأميركية لمواجهة واحتواء طهران.
ودعا وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون السعودية إلى دعم العراق على الصعيدين السياسي والاقتصادي، لتعزيز حظوظ المشروع المعتدل الذي يقوده العبادي، على حد قوله.
ورقة الاقتصاد
وكان لإعلان المجلس التنسيقي السعودي العراقي في الرياض، بحضور الملك سلمان بن عبد العزيز ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وبمشاركة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون دلالات مهمة، حول الرهانات الجديدة التي تتعامل بها الرياض مع بغداد بدعم أميركي، حيث تم الاتفاق على فتح المنافذ الحدودية وخطوط الطيران بين البلدين، إضافة إلى إجراءات أخرى.
وسبق إنشاء المجلس الجديد زيارة أكبر وفد من رجال الأعمال السعوديين إلى العراق على متن الخطوط الجوية السعودية بعد 27 عاما من توقف حركة الطيران السعودي إلى بغداد، ومشاركة أكثر من ستين شركة سعودية في فعاليات معرض بغداد الدولي لأول مرة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وتخطط السعودية لدعم العبادي عبر حزمة من المشاريع والإجراءات الاقتصادية ينفذ معظمها في مناطق الجنوب الفقيرة، ومن بينها تحويل بادية السماوة بين العراق والسعودية إلى منطقة استثمار في مجال الزراعة والثروات الحيوانية، مثلما أشارت وسائل إعلام عراقية.
ومن شأن هذه المشاريع السعودية أن تقدم مساعدة كبيرة للعبادي خاصة على الصعيد الانتخابي خلال المنافسة المنتظرة في انتخابات 2018، خاصة مع التيار الذي يضم المالكي زعيم ائتلاف دولة القانون وقيادات كبيرة في قوات الحشد الشعبي.
وترى واشنطن والرياض أن النجاحات العسكرية للعبادي وحكومته ضد تنظيم الدولة وحسن إدارة ملف الاستفتاء الكردي وتداعياته إذا ما دعمت بنجاح اقتصادي ستكون له نتائج انتخابية مؤثرة ما يمكن أن يمثل نصرا سياسيا مهما في مواجهة النفوذ الإيراني بالعراق.
ويستعد العبادي نفسه لمرحلة ما بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق بفتح ملفات الفساد -التي يصر عليها التيار الصدري وأطراف أخرى- وهذه المعركة المرتقبة يراد لها أن تعصف ببعض الرموز السياسية القريبة من إيران في بغداد وتعضد العبادي في انفتاحه على الرياض.
وهذا الانفتاح الذي قد يوجه لمعالجة المشاكل الاقتصادية للبلاد وإحداث توازن في المشهد السياسي، من غير المرجح أن يوظف ضمن الصراع بين طهران والرياض على المنطقة، بل لتحقيق الاستقرار خارج سياسة المحاور وفق ما يؤكد وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري.
المصدر : الجزيرة,مواقع إلكترونية