سمات خاصة: كيف تختلف الذئاب المنفردة عن المجموعات الإرهابية؟

سمات خاصة: كيف تختلف الذئاب المنفردة عن المجموعات الإرهابية؟

31082016larg

بعد وقوع بعض العمليات الإرهابية في عدد من الدول الأوروبية والآسيوية على غرار فرنسا وبلجيكا وبنجلاديش، انتشر مصطلح “الذئاب المنفردة” بشكل واسع، حيث استخدمته اتجاهات عديدة للإشارة إلى العناصر الإرهابية التي تقوم بتنفيذ هذه العمليات، وتنتمي فكريًّا – في الغالب- إلى أحد التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود، مثل تنظيم “داعش” أو تنظيم “القاعدة”، سواء كانوا قد نفذوا العملية في شكل مجموعات أو بطريقة فردية.

ومن دون شك، فإن ذلك يضفي أهمية خاصة على ضبط مصطلح “الذئاب المنفردة” ووضعه في إطاره الصحيح، خاصةً في ظل تكرار العمليات الإرهابية التي يعلن تنظيم “داعش” مسؤوليته عنها في مناطق خارج الشرق الأوسط، حيث أصبح يعتمد بشكل كبير على الأفراد الذين يقتنعون بأفكاره، ويقومون بتنفيذ عمليات إرهابية للرد على الضربات العسكرية التي يتعرض لها، والذين أصبح يطلق عليهم “الذئاب المنفردة”.

أنماط متعددة

تتنوع العمليات الإرهابية التي يطلق على منفذيها- بشكل عام- “الذئاب المنفردة”، فهناك العمليات التي تقوم بها مجموعة من الأفراد، ومنها، على سبيل المثال، تفجيرات باريس التي وقعت في 13 نوفمير 2015، وتضمنت عمليات إطلاق نار جماعي وتنفيذ تفجيرات انتحارية واحتجاز رهائن، وتفجيرات بروكسل التي تم تنفيذها في 22 مارس 2016 واستهدفت مطار بروكسل الدولي ومحطة مترو مالبيك، وكذلك الهجوم على منطقة “الرقبان” في الأردن في 21 يونيو 2016، والهجوم على مقهى في الحي الدبلوماسي بالعاصمة البنغالية “دكا” في بداية يوليو 2016.

لكن اللافت في هذا السياق هو أنه رغم أن العمل الجماعي كان السمة الرئيسية لتلك العمليات، ورغم بروز مؤشرات عديدة على وجود روابط تنظيمية بين منفذي تلك العمليات والتنظيمات الإرهابية، وخاصة تنظيم “داعش”، إلا أن ذلك لم يمنع اتجاهات عديدة من مواصلة إطلاق مصطلح “الذئاب المنفردة” على منفذيها.

عمليات فردية

أما النمط الآخر للعمليات الإرهابية التي يطلق على منفذيها “الذئاب المنفردة”، فيتمثل في العمليات الإرهابية التي يقوم بها شخص واحد معتمدًا على قدراته الذاتية دون ظهور مؤشرات تكشف عن وجود علاقة تنظيمية له مع التنظيمات الإرهابية، ودون الحصول على دعم منها، ومن أبرزها عملية مدينة نيس الفرنسية التي قام فيها مواطن فرنسي من أصل تونسي بقيادة شاحنة لدهس حشود من المحتفلين بالعيد الوطني الفرنسي “يوم الباستيل” في 14 يوليو 2016، والهجوم على بعض المسافرين في أحد القطارات بمدينة فورتسبورج الألمانية، والذي قام به لاجئ أفغاني عمره 17 عامًا مسلح بفأس وسكين، في 19 يوليو 2016.

لكن ذلك لا ينفي أن هناك حالات استثنائية في هذا السياق، حيث باتت اتجاهات عديدة تشير إلى أنه لا يمكن استبعاد حصول ما يسمى بـ”الذئب المنفرد” على توجيهات مباشرة من أحد التنظيمات الإرهابية لتنفيذ عملية إرهابية، وهو ما يبدو جليًا في عملية طعن شرطي ألماني قامت بها فتاة ألمانية من أصل مغربي في مدينة هانوفر، في فبراير 2016، حيث أعلن الادعاء الألماني أن الفتاة التقت، في يناير 2016، أفرادًا من تنظيم “داعش” حاولوا مساعدتها لدخول الأراضي التي يسيطر عليها في سوريا، وأنها أجرت اتصالات عبر الإنترنت مع التنظيم بهدف التخطيط للعملية.

وبالطبع، فإن هذا الخلط الملحوظ بين العمليات التي يتم تنفيذها بشكل جماعي وبين تلك التي يتم تنفيذها بشكل فردي، يفرض ضرورة تحديد معايير واضحة لمصطلح “الذئاب المنفردة”، الذي انتشر بشكل واسع خلال الفترة الأخيرة، ويبدو أنه سوف يكون سمة لعمليات محتملة قد تقوم بتنفيذها بعض التنظيمات الإرهابية للرد على الضربات العسكرية التي تتعرض لها.

ملامح متعددة

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إنه في ظل حالة السيولة في استخدام مصطلح “الذئاب المنفردة”، وإطلاقه بشكل عام على العمليات الإرهابية التي يقوم بها الأفراد والمجموعات التابعة للتنظيمات الإرهابية، دون تحديد أو تمييز؛ يُمكن وضع مجموعة من المحددات التي ربما تساهم في ضبط هذا المصطلح، ومن أهمها:

1- العمل بطريقة فردية: تتمثل أهم سمات الإرهابي الذي يطلق عليه “ذئب منفرد” في أنه يعمل بشكل فردي تمامًا، من حيث اختيار الهدف والتخطيط والتنفيذ، ودون وجود مؤشرات تكشف عن حصوله على أى مساندة أو دعم من أى طرف إلا في حدود ضيقة.

كما أن العملية الإرهابية التي يقوم بتنفيذها ما يطلق عليه “الذئب المنفرد” توصف عادةً بأنها عملية “الضربة الواحدة” أو “المرحلة الواحدة”، وهو ما يعني أنها لا تتضمن مراحل أخرى، فغالبًا ما يتم القضاء على منفذها من جانب أجهزة الأمن، على غرار ما حدث في عمليتي نيس وفورتسبورج.

2- الارتباط “الفكري” غير التنظيمي: يرتبط “الذئب المنفرد”، في الغالب، بالتنظيم الذي ينتمي إليه فكريًّا وليس تنظيميًّا؛ حيث يقتنع بأفكار هذا التنظيم بشكل يجعله يقدم على تنفيذ عملية إرهابية دون وجود أى رابط تنظيمي، أو حتى دون تلقي تعليمات مباشرة من التنظيم بتنفيذ العملية، حيث يقوم بها انطلاقًا مما تسميه التنظيمات الإرهابية بـ”تلبية النداء”، كما جاء في إعلان تنظيم “داعش” عن مسئوليته عن الهجوم الإرهابي على ركاب أحد القطارات في ألمانيا، والذي قام به شاب أفغاني.

3- الاعتماد على الإمكانيات المتاحة: دائمًا ما يتم الاعتماد في عمليات “الذئاب المنفردة” على الإمكانيات البسيطة المتاحة التي يسهل الحصول عليها واستخدامها، خاصة وأن منفذي هذا النمط من العمليات يسعون -وفقًا لاتجاهات عديدة- إلى تنفيذ جريمة القتل في المقام الأول، وليس القيام بعمليات كبيرة ونوعية نظرًا لضعف الإمكانيات والعمل بشكل فردي، حيث تحتاج العمليات الكبيرة إلى عمل جماعي وإمكانيات أكبر.

4- التمويل الذاتي: غالبًا ما يقوم الشخص الذي يمكن أن يطلق عليه مصطلح “الذئب المنفرد”، بتمويل العملية التي ينفذها بصورة ذاتية بحتة، معتمدًا على موارده الذاتية، ودون أى مساعدة من التنظيم الذي ينتمي إليه فكريًّا، لذا فإنه في كثير من الأحيان تكون عمليات “الذئاب المنفردة” محدودة الإمكانيات والتكاليف، لأنها تعتمد على شخص واحد وموارد ذاتية محدودة.

5- صعوبة الرصد: في كثير من الأحيان، لا تكون للشخص الذي يقوم بعملية فردية ويطلق عليه مصطلح “الذئب المنفرد” أية سوابق جنائية، بشكل يجعله غير معروف على نطاق واسع لدى الأجهزة الأمنية المختصة، وهو ما يسهل عليه التخطيط والتنفيذ للعملية دون أن تتمكن الأجهزة المختصة من منع العملية الإرهابية قبل وقوعها.

لكن هذه السمة تحديدًا لا تبدو عامة، حيث كان لمنفذي بعض العمليات الفردية سوابق جنائية، على غرار عملية نيس في فرنسا التي قام بها شخص كان معروفًا لدى الأجهزة الأمنية، حيث أشارت تقارير عديدة إلى أنه ارتكب خمسة جرائم جنائية سابقة من بينها العنف المسلح.

6- الإقامة في البلد المستهدف: يُقيم الإرهابي الذي يطلق عليه “الذئب المنفرد”، في كثير من الأحيان، في الدولة التي ينفذ فيها عمليته الإرهابية، بشكل يساعده على اختيار الهدف والوسيلة التي يستخدمها في العملية.

خلاصة القول، يبدو أن هناك التباسًا واضحًا في تحديد سمات مصطلح “الذئب المنفرد” الذي أصبح يستخدم على نطاق واسع خلال السنوات الماضية، حيث بات يُطلق على كل من ينفذ عملية إرهابية حتى ولو كانت هذه العملية قد تمت بشكل جماعي منظم، وعبر تكليف محدد من التنظيم الإرهابي الذي ينتمي إليه منفذوها، وهو ما لا يتوافق مع المعطيات الموجودة على الأرض، التي تُشير إلى أن “الذئب المنفرد” هو الشخص الذي يُنفذ عملية إرهابية دون تكليف من أى طرف معتمد على قدراته الشخصية، ويبدو أن ذلك هو ما دفع اتجاهات عديدة، خلال الفترة الأخيرة، إلى الدعوة لضرورة الفصل بين ما يُسمى بـ”الذئاب المنفردة” و”المجموعات الإرهابية” التي تقوم بتنفيذ عمليات إرهابية نوعية بتكليف مباشر من التنظيم الإرهابي الذي تنتمي إليه.
لقراءة النص كاملاَ رجاءً الضغط هنا