العراقيون اليوم في مخاضِ ثورةٍ شعبيةٍ واسعةٍ من أجل تحقيق أهداف وطنية عليا افتقدها العراق منذ سنوات طوال، وظهر أنّ المسؤولين جميعهم لم يستجيبوا لنداء الثورة، كونهم يدورون في حلقة منظومة واحدة، ولهم شبكاتهم ومصالحهم، مهما كانت انتماءاتهم السياسية. وهي حالة غريبة جداً أن يبقى الكلّ في طرف والشعب في طرفٍ آخر. ولكي يهرب النظام من جرمهِ، ابتدع تسمية الطرف الثالث! ولكن ثمّة من يلعب على الحبال كطابور خفي، يعلن تأييده الثورة ويخفي ولاءه للنظام. وعليه، ينقسم المجتمع العراقي على نفسه بين ثائرين ومناصرين، وبين متسلّطين وموالين. وهناك ملايين مع الثوّار الصامدين مع آخرين صامتين. ولكن هناك من لا يُستهان بهم من رجال دين طائفيين تافهين ومنتفعين ومرتزقة وفاسدين من عموم المجتمع، يتسمون بشخصياتهم المهزوزة وسايكولوجياتهم المريضة.
في كل مجتمع أخيار وأشرار، فإن كان المتسلطون من الأشرار الفاسدين ومرتزقتهم والمتحزبين لهم، فإن العراق لم يعدم من ملايين الأخيار الذين تحرّك وعيهم اليوم، وثاروا ضدّ كلّ الممارسات التي زاولها نظام الحكم بكلّ رؤسائه ووزرائه ونوابه، وكل أساليب المسؤولين القذرة التي عرفها كلّ العالم، أن العراقيين لم يحسبوا أنّ الطبقة السياسية الحاكمة شريرة ومجرمة إلى هذا الحدّ، وأنها بلا شخصية ولا أخلاق ولا تعرف إلا الخسّة والنذالة في قتل المعارضين السلميين المسالمين، واستخدام أبشع الوسائل في القهر والاضطهاد أو في القتل والإعدامات بالجملة في سلسلة مذابح ومجازر في بغداد ومدن أخرى. وهناك من يأتي ليمتدح
“العراق لم يعدم من ملايين الأخيار الذين تحرّك وعيهم اليوم”هؤلاء القتلة، ويبرّر لهم جرائمهم. هل هناك عراقي شريف يقبل بهؤلاء حكاماً بعد اليوم؟ سيسدل الستار عليهم قريباً، وقد سجّلوا أسوأ صفحات التاريخ على مدى 16 سنة مضت.
لا يلام بعد اليوم من يستخدم أقسى الكلمات الجارحة بحقّ الأشرار ومرتزقة المليشيات القذرة، وكلّ من يؤيدهم من الإعلاميين والكتاب المأجورين.. هؤلاء ليسوا عراقيين أصلاء، وليست لهم نخوتهم وأخلاقهم وقيمهم. هم من سقط المتاع، وقد استخدموا التزوير والغش والتضليل، واشتروا الذمم الرخيصة، كي يحكموا العراق من خلال عصاباتهم وأحزابهم وتكتلاتهم وحشودهم ومليشياتهم، وهم نسيج من المخزيات، واحدهم يحمل صفات الآخر. يكرهون العراق وأهله الكرام كراهية عمياء، بل ويكرهون العرب والعروبة حتى النخاع، إذ يحملون سمات الشعوبية المقيتة، وستتم إزاحتهم، فقد فقدوا ورقة التوت وبانت عوراتهم، فهل من منتصر لهم بعد اليوم؟ وهل من مؤيد لهم بعد اليوم؟ وهل سينتخبهم أحد..
يبدو أن السنة الجديدة المقبلة حبلى بالأحداث والوقائع التي ستغيّر مجرى تاريخ صعب. ويدرك العقلاء أنّ كلّ من يقف ضد الثورة العراقية اليوم إنما يدرك أن جدار العراق إن سقط، فسوف
“لا يلام بعد اليوم من يستخدم أقسى الكلمات الجارحة بحقّ الأشرار ومرتزقة المليشيات القذرة”يسقط النظام السوري من بعده لا محالة، وتتحول خريطة الأنظمة السياسية، لأن إيران سوف تفتقد معبرها نحو المتوسط.
كلّ من يقف ضدّ أهله الثوار ويصفهم بالمخرّبين والمندسين، ويوزّع أوصافه البذيئة من دون لغة مهذّبة، أو نقده الموقف نقداً نزيهاً وعقلانياً فيه قليل من الرجولة والحجج والبراهين، فهو مارق ووصولي، وقد سقطت كلّ أوراقه. وعليه، فالمشكلة الحقيقية ليست في منظومة من الساسة ورجال الدين التافهين الذين فهم العالم ديدنهم اليوم في حكمهم للعراق، ولكن المشكلة في من يؤيدهم من الطوابير الخامسة الخفيّة التي تظهر وتختفي، والتي توارثت الخيانة والأحقاد منذ مئات السنين.
بات العراقيون بأمسّ الحاجة لأن ينسوا خلافاتهم، وأن يتحدوا الآن باصطفاف وطني واحد، وباتجاه هدفٍ واحد، لاستعادة وطن عزيز ذبحه الأشقياء والعملاء والأغبياء والملالي، وكلّ الفاسدين والطفيليين الطارئين والمارقين والمرتزقة الذين عاثوا بالعراق فساداً، ووصل طغيانهم إلى قتل العراقيين وخطف النسوة في الشوارع، فليكن كلّ العراق كتلة واحدة متراصّة ضدّ هذه الطغمة الباغية الحاكمة، وكل من يناصرها زورا وبهتانا..
العالم يسألكم: كيف تحكمون والشعب يرفضكم؟ كيف تقتلون الشباب بدم بارد؟ كيف ترفضون الحلّ الأمني، وأنتم تستخدمون كلّ وسائل العنف المحرّمة؟ أنتم بلا حياء، عندما تسمعون كلّ ما يسيء إليكم، وإلى وجودكم ومستقبلكم؟ كيف تواجهون شعبكم، وأنتم تحتكرون السلطة احتكاراً؟ هل من الأخلاق أن تبقوا في السلطة، وأنتم قد مارستم الجريمة والمجازر بأقنعة متعدّدة؟ هل من الأخلاق أن تعدوا العالم بأنكم ستكشفون عن أسماء القتلة وأنتم تكذبون؟ لو لم تكونوا جبناء لنزلتم إلى الشوارع معلنين استقالاتكم؟ لقد نزعتم بأنفسكم الأستار وبانت عوراتكم جميعاً .
تصطف جوقات من العراقيين المتحزبين اليوم مع النظام الحالي، وهؤلاء ضدّ الثورة والثوّار،
“تصطف جوقات من العراقيين المتحزبين اليوم مع النظام الحالي، وهؤلاء ضدّ الثورة والثوّار”ولم يزل قمعهم بكلّ الوسائل غير الأخلاقية وبكلّ الأسلحة. أية دولة هذه التي تريد أن تذهب إلى اللادولة؟ أيّة مشروعية بقيت لكم، يا قتلة المواطنين العراقيين الأبرار الأحرار، وأنتم ما زلتم في الحكم وتريدونه بأية وسيلة قذرة؟ أية فتنة تتخوفون منها لتدمير (المنجزات)؟ ما هي منجزاتكم في مؤسسات فاسدة وانقسام الناس، وحلت به النكبات، وسرقت منه الموارد بالمليارات؟ أية لعبة تتحدّثون عنها، وأنتم تستهجنون إرادة جيل كامل سحقه فساد النظام؟ كونوا أصحاب ضمير حيّ عندما تتكلمون وتنشرون، فالشعب العراقي ذكي، ويدرك ما يريده، وأنّ كلّ من يحاول التشكيك فيه، وكلّ من يحاول زرع التخوّف من الفتنة والحرب الأهلية، فهو يبغي إبقاء هذا النظام الفاسد، وكأنّ العراقيين لم ينتقلوا من فتنة إلى أخرى منذ 16 سنة؟ لا تدافعوا عن نظام سياسي وهو في طريقه إلى الهلاك، طال الزمن أم قصُر.
العربي الجديد