رغم الضربات المتلاحقة… الدولار يدعم عرش الإمبرطورية الأميركية

رغم الضربات المتلاحقة… الدولار يدعم عرش الإمبرطورية الأميركية

يعد الدولار إلى جانب الصناعة المصرفية والقوة العسكرية من أهم ركائز الهيمنة الأميركية في العالم التي بدأت في الصعود منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وغياب شمس الإمبراطورية البريطانية.

لكن الدولار تحديداً، يعد الركيزة الرئيسية في صناعة عرش الهيمنة الأميركية، بما يملكه من قوة ناعمة في شراء ولاء الدول عبر المساعدات السخية وكسب قرار الأمم المتحدة والعديد من المؤسسات الأممية من خلال تمويل ميزانياتها، كما أن الدولار في ذات الوقت هو”القوة الخشنة” التي تستخدمها واشنطن في تمويل ميزانية الدفاع الأميركية الضخمة والحروب وحظر الدول التي ترفض الانصياع لمصالح القرار الأميركي، وبالتالي، فإن الدولار هو الذي يصنع دولاً ويحطم أخرى في العالم حسب مراقبين.

وهذه الورقة الخضراء التي لا تكلف طباعتها سوى سنتات قليلة، تشتري بضائع وخدمات بمائة سنت في أنحاء العالم، وتحتاجها جميع دول العالم في تسوية الصفقات التجارية والحوالات المالية وشراء النفط والذهب، كما تتيح لواشنطن تمويل الميزانيات الضخمة دون قلق من تزايد العجز أو تراكم الدين العام.

وحسب بيانات مجلس الاحتياط الفدرالي “البنك المركزي الأميركي” التي نشرها في ميزانيته السنوية للعام الجاري 2019، تبلغ كلفة طباعة ورقة الدولار من فئة مائة دولار 14.2 سنت، بينما تكلف الورقة من فئة 50 دولاراً، 11 سنتاً فقط، وهما الورقتان الأكثر تداولاً في العالم.

وتستطيع أميركا أن تطبع من أوراق الدولار ما تريد خلافاً لدول العالم، وبالتالي تستطيع هز عروش الدول وتثبيت حكومات وأسقاط أخرى، كما حدث في العديد من دول العالم التي مرت بأزمات مالية في العقود الأخيرة. ويعد الدولار الورقة الوحيدة التي لا يرتبط سعر صرفها كثيراً بقوة الاقتصاد الأميركي، حيث ارتفع الطلب عليه إبان أزمة المال العالمية الأخيرة في العام 2008، رغم أن الاقتصاد الأميركي كان على حافة الانهيار.

ويرى صندوق النقد الدولي في دراسة صدرت في يوليو/تموز الماضي، أن الدولار مقيم بأعلى من سعر صرفه بنسبة تراوح بين 6 إلى 12%.

لكن مجلة الإيكونومست البريطانية تقول في تحليل، إن ارتفاع سعر الدولار في السوق عن قيمته الفعلية لا يعود إلى “تلاعب أميركا بسعر الصرف” لكنه يعود إلى الطلب على الدولار من قبل البنوك المركزية العالمية التي تعتمد عليه كـ” عملة احتياط” وإلى ارتفاع الطلب عليه من البنوك التجارية والشركات في التسويات المالية وتجارة العملات.

في هذا الشأن، يقول رئيس القسم الاقتصادي بمصرف “جي بي مورغان”، جيم غلاسمان، في تحليل على موقع البنك، إن الدولار له فوائد هائلة على الاقتصاد الأميركي وعلى رسم خارطة تفوقه على اقتصادات العالم.

من بين الفوائد التي يذكرها غلاسمان التدفقات الاستثمارية العالمية على أسواق المال والسندات والمصارف التجارية الأميركية التي تنعش الاقتصاد وتمنح المواطن ميزة مالية مقارنة بنظرائه في دول العالم.

وحسب بيانات المصرفي الأميركي، يملك المستثمرون الأجانب أصولاً في أميركا تقدر بنحو 28 ترليون دولار، ومعظم الأصول أو حوالى 80% منها مستثمرة في أدوات مالية مثل سندات الشركات والأسهم في سوق “وول ستريت”. وترفع هذه الاستثمارات من مؤشرات سوق المال الأميركي، ويقود ذلك تلقائياً إلى زيادة ثروة المواطن الأميركي المستثمر في الأسهم.

إضافة إلى التدفقات على الأسهم والسندات، هنالك استثمارات أجنبية مباشرة تقدر بنحو 1.6 ترليون دولار.

وهذه الاستثمارات تنعش الشركات الأميركية وتتيح لها دفع مرتبات مرتفعة لموظفيها وتمنحها القدرة على تمويل أبحاث التقنيات الحديثة، كما أن المتاجرة في أسواق المال وحصول المصارف التجارية الأميركية على تمويلات منخفضة من بنك الاحتياط الفدرالي، تتيح للقطاع البنكي الأميركي تحقيق أرباح ضخمة مقارنة مع منافسيه في الدول الغربية الأخرى، كما تمنحه كذلك الهيمنة على الصناعة المصرفية العالمية.

وعادة ما تتبنى العديد من المصارف العالمية قرارات السياسة النقدية الأميركية في زيادة أو خفض معدل الفائدة.

وعلى صعيد سندات الخزانة الأميركية التي تعد الأداة المالية الأسهل في التسييل أو تحويلها إلى نقد، ولا يترتب عليها تأمين مثل السندات الأخرى، فإن الدول ذات الفوائض المالية تضخ مئات المليارات في هذه السندات كأداة مالية مضمونة، وهو ما يساهم بدرجة رئيسية في تمويل عجز الميزانية الأميركية.

وبشأن الفوائد الشخصية للمواطن الأميركي يقول غلاسمان، إن هذا المواطن يستطيع الاقتراض بنسبة فائدة منخفضة لتمويل المشاريع الجديدة مقارنة بنظرائه في دول العالم.

ورغم الحرب التجارية التي يخوضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على عدة جبهات، فإن العجز التجاري الأميركي ليس مهماً لبلاده حسب محللين، لأن الدولة صاحبة “عملة الاحتياط”، لا تحتاج إلى عملات الدول الأخرى في شراء وارداتها، إذ إنها تستطيع شراء ما تريد بالدولار المصنوع في مطابعها، خلافاً للدول الأخرى التي تحتاج لبيع منتجاتها أو مواردها لشراء سلع استراتيجية مثل النفط والمعادن والمنتجات الزراعية والغذائية.

ورغم الحملات العالمية للتقليل من دور الدولار في صناعة المال، فلا يزال يأخذ حصة تفوق 62% من احتياطات البنوك المركزية العالمية، حسب البيانات الأخيرة لصندوق النقد.

العربي الجديد