استيقظ الإسرائيليون صباح الجمعة 3 كانون الثاني/يناير على خبر مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني، فتبادر إلى أذهانهم على الفور السؤال التالي: هل نحن المسؤولون؟ وما إن اتضح أن الولايات المتحدة، وليس إسرائيل، هي التي تقف وراء الضربة بطائرة بدون طيار في بغداد التي أودت بحياة قائد «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني، ، تحوّل الخوف إلى غبطة. ولا يحتاج الإسرائيليون إلى تمهيد لمعرفة ما تعنيه الأسماء المذكورة – فقد كان «الحرس الثوري الإسلامي» ووحدة «فيلق القدس» التي تُنفذ عمليات خارج الحدود الإقليمية والجنرال سليماني على رأسها، يحاربون إسرائيل لسنوات. وأعرب المحلل المحلي البارز أنشيل فايفر عن الغبطة التي شعر بها الإسرائيليون قائلاً، “لن يذرف أحد الدموع في إسرائيل على رحيله عن هذا العالم”. مع ذلك، بقيت بعض المخاوف سائدة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، كيف ستنتقم إيران وقواتها المقاتلة بالوكالة المنتشرة في أرجاء المنطقة؟
إن لائحة الجماعات المقاتلة المدعومة من إيران المنتشرة على حدود إسرائيل، والمسلّحة بآلاف الصواريخ والقذائف، تضمّ «حزب الله» في لبنان، وميليشيات شيعية متمركزة في سوريا، وحركة «حماس» و «الجهاد الإسلامي» في غزة. وساهم سليماني في تمويلها وتدريبها وتسليحها جميعاً. وفي مقابلات مع كبار مسؤولي الدفاع الإسرائيليين في السنوات الأخيرة، غالباً ما تردّد اسم سليماني – بعبارات شخصية ومحترمة عموماً؛ فقد وصفه أحد ضباط الاستخبارات بأنه خصم حذر، ولو أن طموحاته مبالغ فيها بعض الشيء.
وفي العام الماضي ، طرحت “القناة العاشرة” التلفزيونية الإسرائيلية على رئيس أركان الجيش الإسرائيلي المنتهية ولايته غادي آيزنكوت السؤال التالي: لماذا لا يزال الجنرال سليماني على قيد الحياة؟
وردّ الجنرال آيزنكوت بلا مبالاة قائلاً: “هذا سؤال مطروح”.
غير أن الأمر لم يصدر عن إسرائيل بل عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – وهذا فرق مهم. بطبيعة الحال، عبّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن دعم مطلق لهذه الخطوة قائلاً، إن السيد ترامب اتخذ إجراءات ضدّ “إرهابي كبير كان العقل المدبّر وراء … حملة القتل والإرهاب التي نفذتها إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط والعالم”. ومع ذلك، حافظ السيد نتنياهو شخصياً وغيره من كبار المسؤولين الإسرائيليين على تكتمهم نسبياً، إذ حاولوا بحذر إبقاء إسرائيل خارج الأزمة الأوسع نطاقاً التي تتجلى للعيان في المنطقة.
وفي الأسبوع الماضي، أفاد اللواء هرتسي هاليفي من “جيش الدفاع الإسرائيلي” أن مقتل سليماني “يندرج في إطار حملة بين الولايات المتحدة وإيران حول هيكلية العراق. هذا جل ما في الأمر. وهذه المسألة تؤثر علينا كإسرائيليين، ولذلك علينا متابعتها عن كثب، ولكننا لسنا محور القضية وأنه لأمر جيد أنها حصلت بعيداً عنا”.
لكن إسرائيل تشكّل جزءاً من قضية سليماني – سواء من حيث التداعيات المحتملة الناتجة عن أي تصعيد مستقبلي أمريكي-إيراني، أو في المقابل، من حيث تأثير التوترات الإقليمية المتصاعدة داخل إسرائيل نفسها.
يُذكر أن الضربات الصاروخية الإيرانية التي استهدفت قاعدتين أمريكيتين في العراق في 8 كنون الثاني/يناير، وشكّلت الردّ الأول على اغتيال أحد كبار جنرالاتها، لم تسفر عن أي إصابات. حتى أن السيد ترامب نفسه قلّل من أهمية الضربات وقال إن “طهران تتراجع على ما يبدو”. غير أن الأيام والأسابيع المقبلة كفيلة بأن تبرهن صحة هذه الفرضية.
وكان القادة الإيرانيون وحلفاؤهم الإقليميون قد توعّدوا الولايات المتحدة “بردّ قاسٍ”، مع التركيز على القوات الأمريكية المتمركزة في بعض أنحاء المنطقة. ووفقاً لتقييم مسؤولين محليين، لا تشكّل إسرائيل في الوقت الحالي الهدف الرئيسي. صحيح أن الجيش الإسرائيلي في حالة تأهب، ولكن هذه الخطوة بحد ذاتها ليست خارجة عن المألوف. وتعرّضت الحكومتان الفرنسية والأمريكية لبعض الانتقادات عندما أصدرتا تحذيرات سفر إلى إسرائيل خلال الأسبوع الماضي؛ فالكثير من السكان المحليين كانوا أكثر انشغالاً بالأمطار الغزيرة (بما في ذلك بعض الوفيات) من العوامل الجيوسياسية.
ولكن إذا استهدفت إيران أو وكلاؤها الولايات المتحدة مجدداً وقرر السيد ترامب الانتقام – كما تعهّد – من إيران على وجه التحديد، فإن إسرائيل يمكن أن تصبح بسرعة جزءاً من المسألة.
ولم يقضِ الجنرال سليماني عقوداً من الزمن ويصرف عدة مليارات من الدولارات على الجماعات التابعة لإيران في المنطقة لتبقى على الحياد إذا ما تعرضت العاصمة للهجوم. ولطالما اعتُبر أن «حزب الله» اللبناني بشكل خاص هو الرادع الرئيسي ضد أي اعتداء أمريكي (أو إسرائيلي) على إيران. وفي هذه الحالة، سيقصف أكثر من 100 ألف صاروخ وقذيفة من ترسانته على إسرائيل، مما يستدعي رداً إسرائيلياً عسكرياً شرساً. ومن المنطقي أن يتوقّع معظم المحللين أن يكون الصدام الكبير القادم بين هذين العدوين القديمين أسوأ حرب عربية-إسرائيلية منذ حوالى 50 عاماً.
وصحيح أن المسؤولين الإسرائيليين لم يكونوا بحاجة إلى أن يذكّرهم استخدام السيد ترامب المفاجئ للقوة العسكرية ومقتل الجنرال سليماني بهذه المخاطر، لكن ربما غابت هذه المخاطر عن بال الشعب الإسرائيلي.
إن نشر صور اليد المقطوعة للجنرال الإيراني على الصفحات الأولى وفي نشرات الأخبار التي استُهلت بأخبار العراق و”عودة” ترامب بقوة إلى الشرق الأوسط – ساهمت في صرف الانتباه عن المزيد من الأمور الداخلية اليومية في إسرائيل، مثل إجراء انتخابات ثالثة على التوالي بعد سبعة أسابيع فقط.
فالسيد نتنياهو، كما هو معلوم، يكافح من أجل حياته السياسية. ففي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، صدرت بحقه مجموعة كبيرة من لوائح الاتهام بالفساد – بما في ذلك الرشوة، الأمر الذي يهدّد مستقبله القانوني. إن خوض حرب فعلية أمر سيئ وفوضوي وغير سهل أبداً. لكن زيادة التوتر، والتركيز على الشؤون العسكرية (على عكس لوائح الاتهام) قد يعودان بالفائدة على أي رئيس وزراء مقبل ذو خبرة.
تجدر الإشارة إلى أن نتنياهو أمضى معظم مسيرته المهنية في مواجهة إيران، ولم ينفك خلال العام الماضي يحذّر الشعب من أن ما يحصل هو “لحظة أمنية حساسة للغاية”. ولطالما كرر أن إسرائيل تقف عند مفترق تاريخي – في وقت تلوح فيه “تهديدات هائلة” في الأفق. ووفقاً للقرارات التي تُتخذ في واشنطن وطهران، قد يتضح أنه على حق.
نيري زيبلر
معهد واشنطن