قال ضابطان عراقيان لوكالة “رويترز” إنه قبل ثماني ساعات تقريباً من الهجوم الصاروخي الذي شنته إيران في الثامن من يناير/ كانون الثاني على قوات أميركية داخل قواعد عسكرية بالعراق، سارع الجنود الأميركيون والعراقيون في قاعدة عين الأسد الجوية لنقل الأفراد والسلاح إلى مخابئ حصينة.
وقال أحد المصادر، وهو ضابط بالمخابرات، إنه بحلول منتصف الليل لم تكن هناك أي طائرة مقاتلة أو طائرة هليكوبتر في العراء. وذكر مصدر آخر بالمخابرات العراقية أن القوات الأميركية بدت وكأنها على علم بتوقيت الهجوم قائلاً إنهم كانوا على “دراية تامة” على الأرجح بأن القاعدة ستتعرض للهجوم “بعد منتصف الليل”.
وأضاف المصدر أنه عندما سقطت الصواريخ في نهاية الأمر في حوالي الساعة 1:30 صباحاً أصابت “مواقع كان قد تم إخلاؤها قبل ساعات”. ولم يسقط أي قتيل أو مصاب جراء الهجوم.
وتضيف هذه الروايات إلى الشواهد على أن الهجوم الإيراني كان من بين أسوأ الأسرار التي تسربت في الحروب الحديثة، لكن الأسباب لا تزال محل غموض وذلك بعد أيام من تصريحات متضاربة من مسؤولين في إيران والعراق والولايات المتحدة.
وبعد سقوط الصواريخ نقلت وسائل إعلام أميركية كبيرة عن مسؤولين أميركيين قولهم إن الهجوم لم يكن أكثر من مجرد طلقات تحذيرية، مما أتاح لإيران تهدئة نداءات في الداخل تطالب بالثأر، بعد مقتل قائد عسكري إيراني في ضربة جوية أميركية في الثالث من يناير/كانون الثاني، ومن دون مخاطرة كبيرة من رد فعل أميركي على نطاق واسع.
ونسبت وسائل إعلام أخرى إلى مصادر أميركية وعربية القول إن إيران أخطرت العراق قبل تنفيذ الهجمات وإن العراق نقل تلك المعلومات إلى الولايات المتحدة. لكن بحلول يوم الجمعة رفض عدد من كبار المسؤولين الأمريكيين تلك الرواية. وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو للصحفيين في ذلك اليوم إنه لم يكن هناك “أدنى شك” في أن إيران لديها “تصميم كامل” على قتل أميركيين.
ويتوافق ذلك مع تصريحات سابقة لمارك ميلي رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة والذي أثنى على المخابرات الأميركية، وليس تحذيرات أو تسريبات من طهران، فيما يتعلق بالمعلومات المسبقة التي أتاحت للقوات الأميركية تجنب الخسائر في الأرواح.
والتشوش الراهن بشأن نوايا طهران يجعل من الصعب الحكم على عزمها الحقيقي على شن هجمات أخرى على القوات الأميركية أو على خوض حرب شاملة. ولم تزد سلسلة من التصريحات المتضاربة من المسؤولين الإيرانيين الأمر إلا غموضاً. وفي حين ادعى التلفزيون الرسمي الإيراني كذباً أن الهجوم أدى إلى مقتل عشرات الجنود الأميركيين، وأعلن الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي أن الهجوم عقاب “ليس كافياً”، سارع وزير الخارجية محمد جواد ظريف ليقول على تويتر إن إيران “أنهت ردها” وإنها “لا تسعى للتصعيد أو الحرب”.
ونقلت وسائل الإعلام الرسمية لاحقاً عن أمير علي حاجي زادة قائد القوة الجو فضائية بالحرس الثوري الإيراني قوله “لم نكن ننوي القتل. كنا ننوي إصابة الآلة العسكرية للعدو”. وقال مستشار لرئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي لـ”رويترز” إن إيران لم تخطر العراق مباشرة إلا قبل الضربة الصاروخية بفترة وجيزة لكنه قال إن إيران نقلت تحذيرات من خلال دول أخرى.
وأضاف المستشار أنه جرى تحذير العراق والولايات المتحدة من ضربة وشيكة من جانب دولة عربية وأخرى أوروبية، لكنه أحجم عن الإشارة إليهما بالاسم. ومن الذي حذر تلك الدولتين؟ قال المستشار “إيران بكل وضوح.. إيران كانت حريصة على أن يكون الأميركيون والعراقيون على علم بأمر الضربات قبل وقوعها”.
ولم يتسن لـ”رويترز” التحقق من رواية المستشار. وأحجمت وزارة الخارجية الإيرانية عن التعليق ولم يرد وفدها لدى الأمم المتحدة في نيويورك على طلب للتعليق. ولم يرد مكتب رئيس الوزراء العراقي أو متحدث باسم الجيش على طلبين للتعليق. وامتنع البيت الأبيض عن التعليق.
وقال الجيش العراقي إن إيران أطلقت 22 صاروخاً على الأقل على قاعدة عين الأسد وقاعدة أخرى تستضيف قوات أميركية قرب مدينة أربيل بإقليم كردستان بشمال العراق. وبرهنت التحذيرات المسبقة على أنها حيوية بالنسبة لاتخاذ الاستعداد اللازم لإنقاذ أرواح.
وفي قاعدة عين الأسد المترامية الأطراف في صحراء الأنبار بغرب العراق قامت فرق من الجيش والقوات الجوية الأميركية اليوم الاثنين بإزالة أكوام من المعادن والحطام الخرسانية من القاعدة الجوية وحول الغرف الحصينة باستخدام جرافات وشاحنات.
وأدى صاروخ من طراز كروز إلى هدم أكثر من 12 جداراً من الخرسانة الثقيلة المصممة للحماية من تأثير الانفجارات كما تسبب في إشعال النار في حاويات شحن يستخدمها الجنود الأميركيون للإقامة. وقال جنود أميركيون إن صاروخاً آخر تسبب في تدمير حظيرتين لطائرات الهليكوبتر من طراز بلاك هوك وأطاح بمكاتب قريبة وتسبب في حريق وقود استمر لساعات.
وقال السارجنت تومي كالدويل من القوات الجوية الأميركية “كنت على مسافة 60 متراً من الانفجار عندما أصاب هذه الطائرة المتوقفة هنا… هذه هي المرة الأولى التي نتعرض فيها لضربة صاروخية حقيقية… الأضرار كانت أكبر بكثير”. وقال ضباط في القاعدة إنه بات واضحاً أنهم سيتعرضون لهجوم بحلول منتصف المساء في الليلة التي سقطت فيها الصواريخ. وكان قد تم نقل معظم الجنود إلى غرف حصينة كما جرى نقل الطائرات بعيداً عن أماكن توقفها ومواقع الصيانة.
وقالت اللفتنانت كولونيل أنتونيت تشيس من الجيش الأميركي “تلقيت معلومات عن هجوم صاروخي وشيك سوف يستهدف قاعدة عين الأسد.. اتخذنا الاستعدادات اللازمة على نحو جيد… كنا قد تدربنا قبل عشرة أيام على كيفية الاستعداد لهجوم مماثل”. لكن قوات التحالف قالت إن الهجمات لم يكن الهدف منها إظهار ضبط النفس من جانب إيران. وقال ضباط بالقوات الجوية الأميركية “إذا أطلقت صواريخ على قاعدة جوية يحتفظ فيها أشخاص بطائرات فأنت تنوي على الأرجح قتل أشخاص”.
رويترز