يشهد لبنان انهياراً اقتصادياً متسارعاً يُعدّ الأسوأ في البلاد منذ عقود، لم تستثن تداعياته أي طبقة اجتماعية، وخسر معه عشرات الآلاف وظائفهم أو جزءاً من رواتبهم خلال الأشهر الماضية، كما بات نصف اللبنانيين يعيشون تقريباً تحت خط الفقر، وتترافق الأزمة مع تراجع غير مسبوق في قيمة الليرة، وبينما تقترب الكارثة من لبنان، تبدو حكومة حسان دياب الخاضعة لحزب الله عاجزة عن إنقاذ البلاد من براثن أزمة عميقة.
بيروت – ينجرف لبنان بشدة نحو هوة أزمة عميقة، ويلاحقه الفشل في كل خطوة يخطوها لمداواة جروح عملته المنهارة والإفلات من انهيار مالي أوسع، فيما يشعل المخاوف بشأن استقراره. وتبدو أفضل السيناريوهات أمام السلطات اللبنانية، لا تختلف كثيرا عن أسوئها.
وتراجعت آمال الخلاص، عبر اتفاق مع صندوق النقد الدولي، في ظل حكومة إما أنها غير راغبة تحت ضغط حزب الله الذي يختصر حل المشكلة اللبنانية بعلاقات اقتصادية وسياسية أقوى مع إيران وليس مع دول الخليج الغنية مثل السعودية أو الإمارات، أو عاجزة عن سن إصلاحات، تتعارض مع أجندات متضاربة لزعماء طوائف لا يريدون التنازل عن سلطة أو التخلي عن امتياز.
وفي الوقت الذي يعيش فيه لبنان واحدة من أحلك اللحظات منذ الاستقلال عام 1943، ستكون الخيارات التي يتبناها الطرف الأهم بحسابات موازين القوى، وهو حزب الله المدعومة من إيران، حاسمة في رسم خارطة مستقبل الأحداث.
وتتصاعد المطالب باستقالة رئيس الوزراء حسان دياب، لكن حزب الله يرى أن الإبقاء عليه هو أقل الخيارات سوءا، على اعتقاد بأن أي تغيير سيُنظر إليه على أنه هزيمة سياسية ويفتح الطريق أمام فراغ حكومي طويل. لكن دياب ومن خلفه حزب الله عاجزان عن تنفيذ الإصلاحات أو تحقيق التقدم على مسار صندوق النقد الدولي. وهذا ما دفع رئيس الحكومة اللبنانية الخميس إلى إطلاق اتهامات لجهات خارجية بأنها تعمل على إخضاع لبنان.
وأعلن دياب أنه “لن نقبل أن يكون البلد والشعب اللبناني صندوق بريد داخلي لمصالح ومفاوضات وتصفية حسابات خارجية”. في ما يشبه الرد على تصريحات وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الذي طالب الحكومة اللبنانية بإصلاحات حقيقية من أجل أن تحظى بمساعدة دولية، كما أن السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا رفضت أن تخضع الحكومة اللبنانية إلى حزب الله المصنف إرهابيا لدى الولايات المتحدة. مؤكدة أن بلادها مستعدة لدعم لبنان طالما تتخذ الحكومة الخطوات الإصلاحية.
وفي الجانب العربي أوضح تصريح وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، الموقف الخليجي بشكل ما، عندما قال إن لبنان يدفع ثمن تدهور العلاقات مع دول الخليج العربية وهو يكافح لاجتياز أزمة اقتصادية عميقة.
وأضاف قرقاش “ما يشهده لبنان من انهيار اقتصادي مقلق للغاية، لكن الإمارات لن تفكر في تقديم الدعم المالي إلا بالتنسيق مع الدول الأخرى”.
بينما جاء رد رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب على كل ما وصف بالنصائح الثمينة من قبل واشنطن وباريس وأبوظبي، بموقف يمثل الهروب إلى الأمام.
وقال دياب، في جلسة حكومية الخميس، إن هناك جهات محلية وخارجية عملت وتعمل على محاصرة اللبنانيين وإدخال لبنان في صراعات المنطقة.
وأضاف “سكتنا كثيرا عن ممارسات دبلوماسية فيها خروقات كبيرة للأعراف الدولية حرصا على الصداقات والعلاقات، لكن هذا السلوك تجاوز كل مألوف في العلاقات الأخوية والدبلوماسية”.
ووصل حسّان دياب إلى موقع رئيس مجلس الوزراء، لأنّ حزب الله أراده في هذا الموقع. ويرى مراقبون سياسيون لبنانيون أنه ليست هناك شخصية سنّية ذات قدر وقيمة ووزن وتمتلك حدّا أدنى من الاحترام للذات تقبل أن تكون في موقع رئيس مجلس الوزراء وفق شروط حزب الله، أي أن يكون الرئيس الفعلي للحكومة جبران باسيل، صهر رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي يترأّس في الوقت ذاته “التيّار الوطني الحر”.
Thumbnail
ويقول الكاتب اللبناني خيرالله خيرالله إنه من المفيد التذكير بأنّ رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب عاجز عن الإقدام على أيّ خطوة في الاتجاه الصحيح؛ الثقة بينه وبين اللبنانيين مفقودة.
وعزا خيرالله، الكاتب في صحيفة “العرب” اللندنية، ذلك إلى أنّه صار أسير الموقع الذي يشغله. هذا الموقع وضعه فيه حزب الله. صار بكل بساطة أسير حزب الله. كلّ كلام آخر لا معنى له.
في ظل غياب الدعم الخارجي، تتعمق جروح الليرة، لتفقد 80 في المئة من قيمتها منذ أكتوبر. ولا يزال نزيف احتياطيات مصرف لبنان المركزي مستمرا. وبدأ تضخم جامح على غرار ما حدث في فنزويلا. وزادت الاضطرابات الاجتماعية وانتشرت الجريمة.
ويدفع التدهور التدريجي في الأوضاع الأمنية الأحزاب الطائفية إلى تطبيق القانون وفرض النظام بنفسها، في ردة إلى زمن الحرب الأهلية التي درات من 1975 حتى 1990 وقسمت لبنان إلى دويلات طائفية.
وقال مهند الحاج علي من مركز كارنيغي للشرق الأوسط، في إشارة إلى احتمال قيام جماعات بتسيير دوريات في الأحياء، “إذا استمرت اتجاهات انخفاض العملة الحالية فستظهر في غضون أسابيع العلامات الأولى على الحماية الذاتية”.
ويؤدي تدني قيم الأجور والمرتبات العامة إلى تقويض قدرة قوات الأمن التابعة للدولة على توفير الأمن.
نبعد أن تجاهله الغرب، يتطلع دياب نحو الشرق وهو النهج الذي يدعو إليه حزب الله.
ويسعى دياب لاستثمارات صينية، إلا أن بكين لم تقدم أي شكل من أشكال الإنقاذ المالي. وفي مسعاه لتعزيز التجارة، ربما يقدم على تطبيع العلاقات مع سوريا والعراق المأزومين أصلا، ليقرب لبنان أكثر من فلك إيران ويعمق عزلته.
في إطار هذا التصور، تعطي النخبة الطائفية المتطلعة بشدة إلى وقف انهيار العملة الضوء الأخضر للحكومة، غير الفعالة حتى الآن، لتنفيذ بعض الإصلاحات. وتكثف الدول الغربية بقيادة فرنسا الضغوط من أجل التغيير.
وقد تدرّ أي مؤشرات على الإصلاح بعض المساعدات، خاصة من أوروبا، التي يساورها القلق من احتمال انهيار دولة عربية أخرى على أعتاب القارة وتوافد موجات جديدة من اللاجئين على شواطئها الجنوبية.
لكن استمرار نفوذ حزب الله سيحد من حجم الدعم القادم. وستبتعد بوضوح عن المشهد دول الخليج العربي إذ ترغب في تقليم أظافر حزب الله في ضوء بواعث قلق ذاتية ونصائح من الولايات المتحدة.
وقال نبيل بومنصف، نائب رئيس تحرير صحيفة “النهار”، “إذا في قرار دولي إنه ما يسمحوا للبنان أن يروح على الكارثة الكبرى الآن بدأ اختباره”.
وفي مواجهة كلفة الانهيار، تتفق النخبة السياسية بما فيها حزب الله على نهج جديد لحكومة تقدم على إصلاحات وتتخذ خطوات تبدد مخاوف الولايات المتحدة ودول الخليج العربي من حزب الله. لكن هذا السيناريو مستبعد في الوقت الراهن.
وقال بومنصف “يجب أن يكون هناك تنازل.. إذا حزب الله رأى أن الحريق الكبير سيؤذيه كثيرا وسيجوع ناسه وجمهوره مثلما سيجوع الآخرون.. وهذا سيدخل البلد إلى واقع لا يريده… ربما إلى أماكن لم يعمل لها حسابا، عندئذ ممكن يقتنع بالتنازل ولكن حتى الآن لا أرى أنه وصل إلى هذا المستوى من رؤية الأخطار”.
العرب