تشهد الأروقة السياسية العراقية اجتماعات مكثفة بهدف حسم الخلافات حول قانون الانتخابات الجديد، خصوصاً ما يتعلق بفقرتي الدوائر الانتخابية المتعددة، واستخدام البطاقة البيومترية الخاصة بالناخب، التي تعتمد على بصمة الإبهام والعين بدلاً من الطريقة القديمة التي يُبرز فيها الناخب هويته المدنية، وذلك في محالة لتضييق فرص التزوير والتلاعب بالانتخابات.
ودفع الحراك السياسي لإكمال قانون الانتخابات الجديد رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي للسفر إلى إقليم كردستان والاجتماع مع زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني، بغية التوصل إلى اتفاق حول النقطة المتعلقة بالدوائر الانتخابية، وذلك بالتزامن مع عقد قادة كتل سياسية مختلفة في بغداد اجتماعات للغرض نفسه بهدف الاتفاق على واحد من المقترحات المقدمة حول عدد الدوائر وشكلها في كل محافظة. وتخشى القوى السياسية التقليدية خسارة نفوذها من خلال الدوائر المتعددة التي تعتمد الفائز من يحصل على أعلى عدد من الأصوات من دون النظر لما حصل عليه الحزب أو القائمة السياسية المشاركة بالانتخابات.
ويُخشى في الوقت الحالي الالتفاف على القانون بطرق عدة، من بينها التلاعب بالدوائر الانتخابية وجغرافيتها وفقاً لطبيعة السكان وانتماءاتهم، إذ تُظهر وثيقة مسربة حصل عليها “العربي الجديد”، اقتراحاً تناقشه الكتل، يعتمد تقسيماً طائفياً وإثنياً وقومياً للدوائر في صلاح الدين وديالى ونينوى وأجزاء من بغداد من خلال دمج مناطق غير متجاورة جغرافياً لكنها متشابهة دينياً أو قومياً بعضها مع بعض لجعلها دائرة انتخابية واحدة، وهو ما تسعى إليه كتل وأحزاب دينية مهيمنة على المشهد السياسي منذ عام 2003.
تُظهر وثيقة مسربة حصل عليها “العربي الجديد”، اقتراحاً تناقشه الكتل، يعتمد تقسيماً طائفياً وإثنياً وقومياً للدوائر
التقسيم المقترح اعتبره مراقبون وخبراء أنه خطير وسيضعف من فائدة الدوائر المتعددة بل قد يأتي بنتائج عكسية على الجمهور وتصب في صالح زعماء الأحزاب وقادتها، وقد يعزز الخطاب الطائفي على مستوى المحافظة الواحدة وليس العراق ككل.
عضو بارز في البرلمان العراقي تحدث لـ”العربي الجديد” طالباً عدم ذكر اسمه، قال إن النقاشات الحالية تتجه إلى تعدد الدوائر، لكن الخطورة هي في كيفية تحديد تلك الدوائر التي تتجه هي الأخرى لأن تكون حسب ما يريد قادة الأحزاب ومصالحهم، فمثلاً تم وضع قضاء البعاج مع الموصل التي يبعد عنها أكثر من 120 كيلومتراً في دائرة انتخابية واحدة، بينما تم وضع مدينة تلكيف التي تبعد عن الموصل 15 كيلومتراً فقط مع قضاء مخمور الذي يبعد 105 كيلومترات عنها. وهكذا الحال بالنسبة لصلاح الدين، فقد تم جمع مدينتي بلد والدجيل في دائرة واحدة ومدينتي آمرلي والطوز في دائرة واحدة. هذا التقسيم فضلاً عن كونه طائفياً ودينياً وقومياً فهو يقضي على فرص الأقليات الانتخابية في تلك الدوائر بوضعها مع كتل سكانية أكبر منها، وهذا التقسيم يُلاحَظ في بغداد أيضاً. وحتى على مستوى الأنبار القبلية تم وضع المدن الحضرية التي تصنف غير محسومة النتائج في كل انتخابات، مثل الفلوجة، مع مناطق قبلية وعشائرية محسومة سلفاً لكتل سياسية سنّية، وأخرى مثل عانة وآلوس مع قضاء حديثة وهذا التقسيم فيه خبث سياسي.
مصطفى الكاظمي/الأناضول
تقارير عربية
4 أشهر على تشكيل الحكومة العراقية: مطالبات بمواقف واضحة
من جهته، قال النائب عن ائتلاف “دولة القانون” علي الغانمي، لـ”العربي الجديد”، إن حراكاً سياسياً مكثفاً واجتماعات مطولة تجري بهدف حسم كل الخلافات حول فقرة الدوائر المتعددة والإسراع في التصويت عليها، بغية إرسال القانون إلى رئاسة الجمهورية، من أجل المصادقة عليه، حتى يعتبر نافذاً. ولفت الغانمي إلى أن “الخلافات السياسية حول قضية الدوائر المتعددة وحتى البطاقة البيومترية، عميقة، وخصوصاً بين القوى السياسية الشيعية والسنّية، فهناك انقسام كبير داخل حتى التحالف الواحد، وفقاً لما تراه كل كتلة أو حزب بالتوزيع والتقسيم للدوائر، والخلافات تشمل القوى الكردية أيضاً”، مضيفاً “اعتماد الدوائر الانتخابية في الانتخابات المقبلة بصورة علمية وعادلة، يجب أن يتطلب تعداداً سكانياً جديداً ودقيقاً، فهناك الكثير من الأقضية والنواحي متداخلة من الناحية الجغرافية والسكانية، ولا يوجد تعداد سكاني لها، بالإضافة إلى وجود أقضية مستحدثة غير مسجلة حتى الساعة، وهذه المشاكل الفنية يجب حسمها قبل التوجه إلى اعتماد الدوائر المتعددة، وهذا العمل من اختصاص الحكومة وليس البرلمان”. وشدد على “ضرورة اعتماد البطاقة البيومترية في الانتخابات المقبلة، لمنع أي عمليات تزوير أو تلاعب قد تحصل من قبل أطراف متنفذة”.
أما النائب عن تحالف “سائرون” رعد المكصوصي، فقال إن “بعض القوى السياسية انقلبت على قانون الانتخابات على الرغم من أنها صوّتت عليه ضمن مبدأ الدوائر المتعددة، لكنها وبعدما شاهدت انخفاض حدة التظاهرات بسبب وباء كورونا، تعمل حالياً على حرف القانون وفق مقاسها، بشكل يضمن لها بقاء نفوذها في المرحلة المقبلة”، مؤكداً في حديث لـ”العربي الجديد”، أن أي محاولة التفاف على القانون ستفجر الاحتجاجات مجدداً في العراق.
وصوّت مجلس النواب بأغلبية مريحة، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، على قانون الانتخابات الجديد انصياعاً لطلب المتظاهرين، ولغاية الآن لم يصادق رئيس الجمهورية برهم صالح على القانون حتى يصبح نافذاً بسبب عدم إكمال جدول الدوائر الانتخابية وجغرافيتها في كل محافظة وعددها. وقسّم القانون الجديد للانتخابات المحافظات إلى دوائر انتخابية على أساس الأقضية والمدن، ولكل 100 ألف نسمة في تلك المدن مقعد برلماني، وفي حال قل عدد سكان القضاء عن 100 ألف يدمج مع قضاء مجاور لتلافي تلك المشكلة. يُشار إلى أن العراق كان يُصنِف كل محافظة دائرة انتخابية في التجارب الانتخابية التي جرت بين عامي 2005 و2018، إلا أن قانون الانتخابات الجديد الذي جرى التصويت عليه في ديسمبر الماضي اشترط تقسيم المحافظات (وعددها 18) إلى دوائر انتخابية صغيرة لم يحدد حجمها وحدودها، بسبب الخلافات على ذلك.
نائب عن “سائرون”: بعض القوى انقلبت على قانون الانتخابات على الرغم من أنها صوّتت عليه ضمن مبدأ الدوائر المتعددة
وعن ذلك، قال القيادي في جبهة “الإنقاذ والتنمية” أثيل النجيفي، لـ”العربي الجديد”، إن “كل جهة سياسية تريد تقسيم الدوائر الانتخابية بما يخدم مصلحتها، وهذا يناقض الأساس الذي تم اعتماده عندما تم إقرار تعدد الدوائر الانتخابية، حتى تكون هناك إمكانية لمرور طبقة جديدة من القوى والشخصيات المقبولة شعبياً، خصوصاً أنه كلما زادت الدوائر الانتخابية، كلما كانت هناك إمكانية لحصول تغيير في الانتخابات، لأن القوى السياسية المتنفذة لا تستطيع التحكم بكل الدوائر الانتخابية، والعكس عندما تكون هناك دائرة انتخابية واحدة أو حتى دوائر انتخابية قليلة”.
ورأى أن عدم اعتماد النظام البيومتري في الانتخابات المقبلة سيدفع إلى عودة عمليات التزوير والتلاعب في نتائج الانتخابات، خصوصاً أن هناك قوى سياسية تعتمد كلياً على هذه العمليات، ولهذا تسعى إلى عدم اعتماد البطاقة البيومترية، لكن هذا الأمر خطير، فسوف يدفع الشارع العراقي إلى مقاطعة الانتخابات بشكل كبير، وربما يدفع قوى سياسية إلى عدم المشاركة في الانتخابات من الأساس، فلا يمكن المشاركة في انتخابات بلا ضمان لعدم تزوير نتائجها.
في المقابل، قال النشاط المدني في بغداد سجاد حسين، لـ”العربي الجديد”، إن “مطالب المتظاهرين في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كانت واضحة، وهي تشريع قانون انتخابات جديد، يضمن نزاهة الانتخابات وعدم تحكّم القوى السياسية المتنفذة بالمشهد الانتخابي والسياسي، وهذا يكون من خلال اعتماد الدوائر المتعددة، وبطاقة بيومترية”. وأضاف أنه “في حال تم استشعار أي محاولة التفاف على القانون أو التلاعب به بشكل يخدم الأحزاب الحالية، فإن هناك اتفاقاً على تصعيد جديد في ساحات التظاهر لرفض القانون”.
عادل النواب
العربي الجديد