الأهداف السياسية للانسحاب الأمريكي من سوريا

الأهداف السياسية للانسحاب الأمريكي من سوريا

يتحدث الكثير من المتابعين للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط عن الأهداف الاستراتيجية والملامح الميدانية التي سينطلق منها الرئيس المنتخب دونالد ترامب بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وما ستؤول إليه الأحداث الدولية والإقليمية، وما الدور الرئيسي الذي ستلعبه إدارة الرئيس ترامب؟.
من التوقعات المتداولة هي انسحاب القوات الامريكية من الأراضي السورية والتي تواجدت فيها بعد سيطرة مقاتلي داعش على أراضي ومدن رئيسية في سوريا والعراق سنة 2014،وساهمت في الاعداد لتكوين التحالف الدولي لمواجهة وهزيمة تنظيمات داعش وتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، وعملت على دعم وإسناد قوات سوريا الديمقراطية ( قسد) التي كانت لها مساهمة فاعلة في دحر قوات الإرهاب الدولي.
تواجدت القوات الامريكية في شمال شرق سوريا وبالقرب من مدينتي ( الحسكة والرقة) وأنشأت قاعدة عسكرية في منطقة ( التنف) عند المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني قريبًا من محافطة حمص السورية، وسبق للرئيس ترامب أن وجه بانسحاب عدد من القوات الامريكية سنة 2019 والابقاء على (900) جندي أمريكي لحماية المنشأت النفطية.
وهناك العديد من القواعد الأمريكية في الميدان السوري
تنتشر في المنطقة الممتدة شرق نهر الفرات من جنوب شرقي سوريا بالقرب من معبر التنف الحدودي ، إلى الشمال الشرقي ، وتتوزع في الحسكة ودير الزور .
وقاعدة حقل العمر النفطي، في ريف دير الزور، هي كبرى القواعد الأميركية،
و مزودة بمهبط للطيران المسير والمروحي وتحتوي على مروحياتٍ قتالية، وقاعدة تل بيدر، غرب مدينة الحسكة،
وقاعدة رميلان الواقعة جنوب شرقي مدينة رميلان النفطية في ريف الحسكة الشمالي الشرقي.
أن تحقق التوجه الأمريكي فإنه سيكون عبر العديد من الاعتبارات السياسية والتوافقات والمصالح الدولية، وأهمها ما يعني القيادة العسكرية الروسية وتواجدها في سوريا، والدعوة التي أطلقها الرئيس ترامب في أولى مهامه بعد الفوز الرئاسي بإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، فالإنسحاب الأمريكي من الأراضي السورية سيكون عبر صفقة سياسية توافق فيها روسيا على وقف القتال واحتفاظها بجزيرة القرم ومدن ( دونيتسك ولوهانسك زابوريجيجيا وخيرسون) ، وقبول كييف بتسوية للاوضاع الميدانية حال توقف الدعم المالي والعسكري الكبير الذي كانت تتلقاه أثناء إدارة الرئيس بايدن، وهوما يخشاه الرئيس الأوكراني زيلنيسكي ومن النهج الذي أعلنه الرئيس ترامب بإنهاء الصراع القائم بين روسيا وامريكا عبر القارة الأوربية والتي نقطة الحوار فيها ( أوكرانيا)، كما أن التقارب الروسي الأمريكي سيضعف العلاقة بين بكين وموسكو.
سيكون مقابل هذه الصفقة السياسية التي تخدم القيادة الروسية، إن تساهم موسكو في الحد من التواجد والهيمنة الإيرانية في الميدان السوري وأن تعمل على تحجيم الدور الذي تضطلع به المليشيات والفصائل المسلحة التابعة للحرس الثوري الإيراني.
وتساهم عملية الانسحاب الأمريكي في تعزيز القدرة العسكرية للقوات التركية ودعم تواجدها في المدن
والمناطق التي تسيطر عليها في ( عفرين، تل أبيض، رأس العين، الباب، أعزاز، دابق، جرابلس، جنديرس، راجو وشيخ الحديد) في هدف استراتيجي للمنظمومة العسكرية التركية بإنشاء (منطقة آمنة) في سوريا، وتوسيع مجال العلاقة السياسية التي تعمل عليها روسيا في إنهاء الخلاف السوري التركي والذي يتعارض والمصالح الإيرانية في الميدان السوري، ولكنه يحظى بالدعم الأمريكي القادم لتقويض الدور الإيراني في سوريا، مع عدم تعرض تركيا لقوات سوريا الديمقراطية التي تحظى بعلاقة استراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية.
أن الهدف الأساسي الذي ستكون عليه إدارة الرئيس ترامب هو التصدي لإيران واذرعها من المليشيات العاملة في المنطقة وإيقاف وسائل وأدوات التمويل المالي الذي سمحت به إدارة الرئيس بايدن والذي كان امتدادًا لسياسة الرئيس الأسبق أوباما والذي بموجبه تمكنت إيران من الحصول على (150) مليار دولار وعملت على توسيع دائرةنفوذها وتمددها في المنطقة العربية بدعم الفصائل والمليشيات المسلحة التابعة مشروعها السياسي والمرتبطة بفيلق القدس والحرس الثوري الإيراني.
كما أن انسحاب القوات الامريكية ستكون مدعاة لتغير واضح في السياسة السورية واستمرار نهج الحكومة في النأي بنفسها عن أي تطور في الأحداث القائمة داخل الأراضي الفلسطينية والجنوب اللبناني، وهي السياسة التي تلقى الدعم الدولي والإقليمي في سعي لتقليص التأثير والنفوذ الإيراني على القرار السياسي السوري، والذي يشكل عملية تحول جذري من قبل القيادة السورية للحفاظ على نظامها السياسي ومنع استهداف من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ومن ثم الخروج من العزلة السياسية التي تسبتت من ابعادها عن محورها العربي والإقليمي بقربها وتحالفها مع إيران.
تتجه سياسة الرئيس ترامب نحو الاهتمام بالميدان العراقي واعتباره هدفًا أمنيًا وعسكريًا استراتيجيًا في منع حركة ونشاط الفصائل المسلحة التابعة لإيران والتي تتأخذ من الأراضي العراقية مجالًا رحبًا لتنفيذ أعمالها ونشاطاتها، ولهذا ستكون عملية الانسحاب الأمريكي من سوريا تحديدًا للمهام الجديدة للقوات الأمريكية في المنطقة ومنها العراق.
أن المنطق الأساسي والرؤية الميدانية والمصالح المنافع الأمريكية التي يعمل عليها الرئيس ترامب انه لا يلتزم بتحالفات طويلة وإنما يركز على مدى المنفعة والفائدة التي تتحقق للمصالح الأمريكية.

وحدة الدراسات الإقليمية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية