يلتقي وزيرا خارجية أرمينيا زوهراب مناتساكيان وأذربيجان جيهون بيراموف الجمعة، 23 أكتوبر (تشرين الأول) في واشنطن، وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في الوقت الذي تسعى أطراف عدة إلى وقف القتال بين باكو ويريفان على إقليم ناغورنو قره باغ.
ووفق مصادر في الإدارة الاميركية، فإن المحادثات المخطط لها بين بومبيو، ووزيري خارجية البلدين، ستختلف في شكلها عن اجتماع موسكو الوزاري، الذي عُقد الشهر الجاري بصيغة ثلاثية، بمشاركة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وبحسب السيناريو الأميركي للمفاوضات المتوقعة، يعتزم بومبيو اللقاء مع الوزيرين، كل على حدا.
على طاولة واحدة
يذكر أن الوزيرين الأرمني والاذربيجاني، قد اجتمعا في موسكو مع وزير الخارجية الروسي قبل التوجه الى الولايات المتحدة، لكن لم ينجح هذه المرة لافروف في جمعهما على طاولة واحدة، كما حدث في العاشر من الشهر الجاري عندما جرى إعلان اتفاق “هدنة انسانية” بعد 10 ساعات محادثات متواصلة، وبقيت مجرد حبر على ورق.
ولا يستبعد أن ينجح بومبيو في عقد لقاء بين الوزيرين، أثناء وجودهما في واشنطن، نظراً إلى أن اتصالاتهم السابقة لم تسفر عن أي نتائج عملية حتى الآن. ويرى الطرفان، ألا بديل عن التسوية السلمية لهذا الصراع على أساس التنازلات المتبادلة.
ومع أنه اتفق على هدنة في وقت سابق من هذا الشهر في موسكو، وأخرى في نهاية هذا الأسبوع، الا أن القتال لم يتوقف منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، وأعربت موسكو وواشنطن عن استيائهما من استمرار المواجهات.
اللافت أنه، لم تكد تمضي ساعات، بعد اعلان الرئيس الاذربيجاني إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان، عن استعدادهما الذهاب والاجتماع في موسكو “إذا ظهر عرض بذلك”، حتى بدأت يريفان وباكو، الحديث عن زيارات مرتقبة لوزيري خارجية البلدين إلى واشنطن.
تفعيل الدبلوماسية الأميركية
والواضح أن تفعيل الدبلوماسية الأميركية على مسار نزاع القوقاز في اقليم ناغورنو قره باغ، يأتي قبل أيام قليلة من الانتخابات الرئاسية الأميركية، وستحاول واشنطن التوفيق بين يريفان وباكو، ودعوة وزيري خارجية أرمينيا وأذربيجان لزيارة واشنطن لم تكن عرضية.
فقد تطرق الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى نزاع القوقاز خلال حديثه أمام تجمع انتخابي حاشد في كارسون سيتي (نيفادا) قبل ايام، من دون توضيح ما ستفعله الولايات المتحدة بالضبط في هذا النزاع القديم الجديد، مع أن تحقيق أي نجاح سيكون صعباً للغاية.
ومع أنه ينظر إلى الاجتماع في الولايات المتحدة كمحاولة بديلة لإطلاق عملية السلام، عشية الانتخابات الرئاسية، الا أن موسكو أوضحت أن مبادرات الرؤساء المشاركين لمجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، لا تتنافس بل تكمل بعضها البعض.
وبحسب باكو ويريفان، من المقرر أيضاً، أن يلتقي كل من وزيري خارجية أذربيجان وأرمينيا جيهون بيراموف وزوهراب مناتساكيان في واشنطن، مع ممثلين عن الدول المشاركة في رئاسة مجموعة “مينسك” التابعة لمنظمة الامن والتعاون في أوروبا (الولايات المتحدة، روسيا وفرنسا).
وتثار تساؤلات منذ فشل الهدنة الأولى برعاية روسية، عن جدوى إعلان هدنة ثانية قبل أيام، حيث أعلنت كل من باكو ويريفان، وفي توقيت واحد عن ذلك، بعد ساعات من اتصال وزير الخارجية الروسي مطالباً فيه نظيريه الأرمني والأذربيجاني، الالتزام بتطبيق الهدنة الانسانية التي اتفق عليها في موسكو.
ولا تريد موسكو دخول أطراف أخرى على خط النزاع المجمد منذ أواخر الثمانينات، وبمبادرات جديدة من باريس أو واشنطن، مع أنهما يتشاركان مع روسيا في رئاسة مجموعة “مينسك” التي تقود عملية تسوية النزاع منذ أكثر من 28 عاماً.
روسيا تغيّرت
وصحيح أن المجموعة تكاد تكون الإجماع الوحيد تقريباً بين روسيا والغرب في الفضاء الأورآسيوي الآن، ذلك قد يكون ظاهرياً، بينما الغوص في تفاصيل النزاع وتعقيد علاقات طرفيه مع ثلاثي “مينسك”، يكشف عكس ذلك، لا سيما إذا تم ربط ملفات اخرى مصيرية تتعلق في العلاقات بين موسكو وكل من باريس وواشنطن، مع الأخذ بالاعتبار، أن باكو لم تعد ترى في باريس طرفاً محايداً.
ويظهر ذلك مع عدم إغفال حقيقة أن الظروف التي انطلقت فيها مجموعة “مينسك” أوائل التسعينات، تختلف عنها اليوم، فروسيا تغيرت، وأذربيجان وأرمينيا كذلك، خسرت الأخيرة خلال جولة المواجهات أكثر من منطقة، كانت قد سيطرت عليها خلال حروب التسعينات، من دون الحصول على أي مكاسب سياسية تتعلق بإقليم ناغورنو قره باغ، وأي مفاوضات جديدة ستنطلق من هذه الحقيقة.
في المقابل، لم تتمكن أذربيجان من استعادة كامل أراضيها، ويوجد مليون لاجئ أذري، هم ورقة ضغط داخلية على باكو، ينتظرون العودة إلى أراضيهم، حيث هجروا منها في حرب عام 1991.
تدرك كل من باكو ويريفان، أن التعويل على أي موقف غربي، قد يقضي على أي أمل لكل منهما في الخروج بنصر من هذا النزاع، نظراً إلى تجارب المنطقة مع جورجيا وأوكرانيا، لذلك نرى دوماً الاصرار على التذكير بآلية “مينسك” “الميتة سريرياً” والقادرة فقط على تجميد النزاع من دون حله.
رغبة أذربيجانية أرمنية
المؤكد أن هناك رغبة أذربيجانية أرمنية، بالعودة إلى طاولة التفاوض، لكن مع نظرة مختلفة بينهما لهذا التفاوض، إذ تصر باكو على إشراك تركيا التي هي عضو في مجموعة “مينسك”، في المقابل، يصعب اليوم الاعتقاد أن احداً في يريفان قادر على اتخاذ قرار الموافقة على شيء كهذا، فالأمر مرتبط إلى حد كبير باللوبيات الأرمنية الخارجية، مع أنه جرت مفاوضات مباشرة بين يريفان وأنقرة قبل 10 سنوات، وتم البدء بمسيرة تطبيع تاريخية بين تركيا وأرمينيا “تعرقلت لاحقاً”، ومن بين الشروط كان ربط ملف فتح الحدود البرية بين البلدين، بتسوية ملف ناغورنو قره باغ .
ويبقى القول، بعد “الهدنة الانسانية” الروسية المتعثرة، ليس مستبعداً أن يعلن من واشنطن عن هدنة أميركية جديدة بين أرمينيا وأذربيجان أو مبادرة ما، وفي وقت حرج على من يجلس في البيت الابيض ويحتاج أي ورقة انتخابية قد تسعفه في اللحظات الأخيرة، لكن في ظل تعقيدات، وتشابك المصالح في نزاع القوقاز هذا، يصعب الاعتقاد، بأن واشنطن ستقدم الدعم لاستعداد علييف وباشينيان للمجيء إلى موسكو بدعوة من بوتين، والسؤال المطروح: ماذا يمكن واشنطن تقديمه لأذربيجان وأرمينيا؟
باسم الحاج جاسم
اندبندت عربي