النظام يصعّد في إدلب: الجيش التركي والمعارضة مستعدان

النظام يصعّد في إدلب: الجيش التركي والمعارضة مستعدان

عاد التصعيد إلى جبهات “منطقة خفض التصعيد الرابعة” (إدلب ومحيطها) شمال غربي سورية، مع تجدد محاولات النظام ومليشيات مدعومة من إيران وروسيا التقدم باتجاه تحصينات المعارضة على خطوط الاشتباك. يأتي هذا في الوقت الذي تزايدت فيه وتيرة القصف على الكثير من القرى الخاضعة لسيطرة المعارضة عند خطوط التماس.
ومع بروز نوايا النظام وروسيا بالوصول إلى طريق حلب – اللاذقية الدولي “أم 4” المار من إدلب، تتجدد احتمالية تنفيذ قوات النظام، بدعم روسي وإيراني، لعمل عسكري في إدلب، لقضم مزيد من المساحات في المحافظة ومحيطها، خصوصاً ما تبقى من قرى جبل الزاوية وصولاً إلى مدينتي أريحا وجسر الشغور. بيد أن التجهيزات الأخيرة للجيش التركي وفصائل المعارضة السورية تشير إلى الاستعداد لهذا الاحتمال. وعزز الجيش التركي من وجوده في مواجهة قوات النظام في إدلب، وتحديداً في جبل الزاوية، من خلال حزام تشكل عبر عدد من نقاط التمركز الجديدة التي باتت وجهاً لوجه مع قوات النظام، مع الدفع بالكثير من التعزيزات إليها.

أخضعت فصائل المعارضة عناصرها لمعسكرات تدريب متطورة

وكانت قوات النظام حاولت، أول من أمس، التسلل إلى المواقع الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة في ريف اللاذقية الشمالي، للمرة الأولى منذ نحو خمسة أشهر. وأعلنت “هيئة تحرير الشام” أنها تصدت، مع الفصائل الأخرى المنتشرة في ريف اللاذقية الشمالي، لمحاولة تسلل لقوات النظام باتجاه تلة المرصد في جبل التركمان، حيث تكبدت في هذه المحاولة خسائر بالعتاد والأرواح. وتشرف التلة على قرى شحرورة وسلور واليمضية الخاضعة لسيطرة المعارضة، وعلى مواقع النظام في جبل الزيارة وبرج الحياة وتلة البيضاء، وتعتبر بوابة لباقي محاور وقرى جبل التركمان. وسبقت محاولة التسلل غارات جوية روسية على تلال الكبينة بريف اللاذقية، إضافة إلى قصف من مدفعية النظام، الأمر الذي استوجب رد المعارضة باستهداف مواقعه وإلحاق خسائر في صفوف قواته. وشهدت جبهات ريف اللاذقية الشمالي هدوءًا نسبيا خلال الأشهر الخمسة الماضية، سبقتها محاولات من قوات النظام للتقدم وكسر دفاعات المعارضة في منطقة تعتبر من الأبرز استراتيجياً شمال غربي سورية، إذ تطل على إدلب وحماة واللاذقية.

في موازاة ذلك، تشهد جبهات إدلب وحماة، خصوصاً الريف الجنوبي من إدلب في جبل الزاوية، تصعيداً مماثلاً من جانب قوات النظام. وقد قتل خمسة مدنيين باستهداف سيارة وجرار زراعي على طريق الزقوم في ريف حماة الغربي التابع لمنطقة خفض التصعيد أمس السبت. وشهد اليومان الماضيان عمليات استهداف مماثلة لمزارعين في القرى والطرقات القريبة من خطوط التماس، باستخدام صواريخ حرارية، نتج عنها أضرار بشرية ومادية.
على الجهة المقابلة، نقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية عمن وصفته بمصدر ميداني رفيع المستوى قوله إن قوات النظام “تعاملت مع تحركات معادية، خلال اليومين الماضيين، على محوري بنين وكفربطيخ جنوب إدلب. حيث سعت المجموعات المسلحة إلى تنفيذ محاولة تسلل، إلا أن وحدات الرصد والاستطلاع أحبطت هذه المحاولات، عبر ضربات استباقية أسفرت عن مقتل وإصابة عدد من المسلحين”. وبموجب هذه المعطيات، فإن احتمال انهيار وقف إطلاق النار، المبرم بين روسيا وتركيا، بشأن إدلب، في 5 مارس/آذار الماضي في موسكو، بات أمراً وارداً، خصوصاً مع تكرار النظام تسريب أخبار عن نيته التقدم باتجاه طريق حلب ـ اللاذقية الدولي “أم 4″، بهدف فتح الطريق أمام الحركة التجارية لتخفيف الأعباء الاقتصادية عن النظام.

استبعد عودة أوغلو شن روسيا عملية عسكرية كبيرة في إدلب

وأشار النقيب ناجي المصطفى، المتحدث باسم “الجبهة الوطنية للتحرير”، إحدى أهم تشكيلات المعارضة المقاتلة في إدلب والمدعومة من أنقرة، إلى أن “خروقات قوات النظام والمليشيات التي تسانده على جميع الجبهات في إدلب ومحيطها لا تزال مستمرة منذ اتفاق وقف إطلاق النار”. وأضاف المصطفى، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن “هذه الخروقات كانت تأخذ طابع القصف من قبل مدفعية النظام، وأحياناً من قبل الطيران الروسي. ولهذا نحن لا نثق بالتزام قوات النظام وحليفه الروسي والمليشيات الطائفية، ونستعد دائماً لكافة السيناريوهات المحتملة”. وعن تلك الاستعدادات، أشار المصطفى إلى أنهم في فصائل المعارضة، أخضعوا العناصر لمعسكرات تدريب عالية المستوى، بالإضافة للقيام بعمليات تحصين هندسي على الجبهات، وتعزيزها بالقوى والوسائط، لتمكين الفصائل من التصدي لأي محاولات تقدم أو تسلل.
ورأى الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية طه عودة أوغلو، أن “تكثيف القوات الروسية وقوات النظام قصفها للشمال السوري بشكل غير مسبوق خلال الأيام الأخيرة إشارة واضحة على أن هناك إصرارا كبيرا من قبل النظام وحليفه الروسي لشن عملية عسكرية في محافظة إدلب شمال غربي البلاد”.
وأضاف، في حديث مع “العربي الجديد، أن “هذه الخطوة تأتي متزامنة مع تزايد المؤشرات حول قيام الجيش التركي بعملية عسكرية شمال غربي سورية، بعدما أخذت الأحداث في بلدة عين عيسى، خلال الأيام الأخيرة، منحى تصاعدياً بسبب الخطر الذي يمثله تنظيم قسد للأمن القومي التركي”. لكنه أشار إلى أنه “بموازاة هذه التطورات، فإنه من المستبعد قيام روسيا بشن عملية عسكرية كبيرة في إدلب. ولكن يمكن قراءة التحركات الروسية في سياق زيادة الضغوط على تركيا لتقديم تنازلات في ملفات شرق الفرات واللجنة الدستورية السورية. ولا يغفل علينا أيضاً وسط هذه التحركات اتساع فجوة الخلافات في ملفات عديدة وساحات مختلفة بين روسيا وتركيا، والتي تجسدت بتعليق روسيا العمل في الدوريات المشتركة على طريق حلب- اللاذقية الدولي”. وقال “يجب الأخذ بعين الاعتبار تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي كان أعلن مراراً وتكراراً بأن زمن العمليات العسكرية الكبرى قد انتهى”.
ورغم أن تركيا عمدت أخيراً إلى سحب العديد من نقاطها المحاصرة من قبل قوات النظام والمليشيات المساندة لها، في المواقع التي تقدم إليها النظام خلال المعارك الأخيرة قبل إبرام وقف إطلاق النار، إلا أنها عززت وجودها في مواقع جديدة، بهدف إنشاء حزام دفاعي بمواجهة قوات النظام جنوبي إدلب. وعلمت “العربي الجديد” من مصدر عسكري في المعارضة السورية، فضل الكشف عن اسمه، أن تركيا أدخلت الجمعة الماضي ذخائر مختلفة، أمدت بها كافة نقاطها المتقدمة على خطوط التماس في جبل الزاوية.
وكانت تركيا سحبت نقاط المراقبة العسكرية في الشيخ عقيل، وقبتان الجبل، والراشدين (نقطتان)، وخان طومان، والزربة، وعندان، والشيخ علي، والصرمان، ومعرحطاط، ونقطة من أربع محاصرة في سراقب بريف إدلب، بالإضافة لنقطتي مورك وشير مغار بريف حماة الغربي. في المقابل، قام بتعزيز جبل الزاوية بنقاط جديدة، وتحديداً في قرى بليون والرويحة وقوقفين ودير سنبل وتل بدران وغيرها، ما يشير إلى استعداد تركيا والفصائل للتصدي لأي هجوم أو عملية تقدم لقوات النظام، واسعة أو محدودة، لقضم مزيد من المساحات.

عماد كركص

العربي الجديد