علاقة إيران و”طالبان”: قصة طويلة من الخدمات المتبادلة

علاقة إيران و”طالبان”: قصة طويلة من الخدمات المتبادلة

لم تمرّ تصريحات وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، قبل أيام، حول التطورات في أفغانستان، بما في ذلك اعتباره أن “طالبان” جماعة “إرهابية”، من دون موقف اعتراضي من الحركة، التي رأت في موقفه تدخلاً في شؤون أفغانستان، خصوصاً بعد نصحه الحكومة بأن تستفيد من المقاتلين الأفغان في مليشيا “فاطميون”، التي أسستها إيران في سورية، لمواجهة تنظيم “داعش”.
وأكدت الحركة أن تصريحات ظريف الأخيرة تدخل سافر في شؤون أفغانستان، وهي تثبت قلة معرفة الرجل. وقال المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد، في بيان، إن تصريحات ظريف قد تضر بمصلحة أفغانستان وايران، والحركة ليست جماعة إرهابية، كما تتصور طهران.

نصح ظريف الحكومة الأفغانية بالاستعانة بعناصر “فاطميون”

وكان ظريف أكد، في حوار مع قناة “طلوع” الأفغانية المحلية الإثنين الماضي، أن طهران تعتبر حركة “طالبان” جماعة إرهابية لأنها قامت بأعمال عنف في أفغانستان، ولأن مجلس الأمن الدولي يعتبرها جماعة إرهابية محظورة. ونوه إلى أن “طالبان” قتلت دبلوماسيين إيرانيين في العام 1998، وطهران لم تنس ذلك الحادث، غير أنها لا تعتزم الانتقام منها. وحول مستقبل المقاتلين الأفغان الذين شاركوا في حرب سورية لصالح النظام بدعم وتجنيد ايراني، وهم المعروفون بـ”الفاطميين”، نصح ظريف الحكومة الأفغانية بأن تستعين بهؤلاء في مواجهة تنظيم “داعش” كونهم من المدربين في الحرب، وهم قوة منظمة، معترفاً بوجود خمسة آلاف مقاتل. وقد أثار هذا الأمر، بالإضافة إلى رد “طالبان”، ردود فعل مناهضة في الأوساط الإعلامية والشعبية الأفغانية.
وقال الأكاديمي لطف الله حفيظ، لـ”العربي الجديد”، إن إيران، التي استغلت الوضع المأساوي للاجئين الأفغان وجندتهم إلى سورية من أجل الحرب إلى جانب نظام بشار الأسد، هي الآن تنصح الحكومة الأفغانية بأن تستعين بهؤلاء، وهو تدخل في شؤون أفغانستان. واعتبر أن الأمر يشكل خطراً على مستقبل أفغانستان، إذ إن “الفاطميين” قوة لا يستهان بها، وقد تستخدمها إيران للحفاظ على عمقها الاستراتيجي في أفغانستان.
وكان تدهور العلاقات بين طهران و”طالبان” بدأ مع توقيع اتفاقية الدوحة بين الحركة وواشنطن في 29 فبراير/شباط الماضي. وأثار التوافق التاريخي، وقتها، ردود أفعال مختلفة في المنطقة، بينها استياء طهران، لأن التوافق بين “طالبان” وواشنطن كان بمثابة المصالحة بينهما، كما أنه يتيح للحركة فرصة لأن تكون شريكة استراتيجية لأميركا على المدى البعيد.
وقال المحلل الأمني أحمد زبير عصمت، لـ”العربي الجديد”، إن التوافق بين واشنطن و”طالبان” كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير في ما يتعلق بالعلاقات بين الأخيرة وطهران، إذ إن التعاون بين الحركة وطهران كان من أجل مجابهة المد الغربي وقتال القوات الأجنبية. واعتبر أن توافق الدوحة يتيح فرصة لحركة “طالبان” للوصول إلى سدة الحكم، أو على الأقل لكي يكون لها وزن كبير في مستقبل أفغانستان، وطهران لن تتحمل الحركة السنية المتشددة المقربة أو المتصالحة مع واشنطن. وأكد أن إيران لم تعتمد منذ البداية كلياً على الحركة من أجل الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية، لكن صداقتها كانت على أساس محاربة القوات الغربية.وتغيرت العلاقات الإيرانية مع “طالبان” من العداء الكامل نحو الصداقة الكاملة، والتعاون متعدد الأطراف والجوانب، خلال فترة رئاسة محمود أحمدي نجاد (2005-2013) كان أساسها محاربة القوات الأميركية والمد الغربي. كما عززت قوة تنظيم “داعش” في مناطق مختلفة من أفغانستان العلاقات بين “طالبان” وإيران، إلى جانب اعتماد طهران على القوى السياسية وبعض أمراء الحرب، وتحديداً في المناطق التي تقطنها أقلية هزارة الشيعية في شمال ووسط أفغانستان.
وأشار عصمت إلى أن إيران لها نفوذ كبير في أفغانستان، وهي تعتمد بشكل مستقل ودائم على الأحزاب الشيعية، مثل “الوحدة” و”الفاطميون”. أما اعتمادها على “طالبان” فقد كان بشكل مؤقت، لأن العداء بينهما أيديولوجي، فـ”طالبان” حركة سنية متشددة والعداء بينهما كان بادياً منذ ظهورها. وبالتالي علاقتها مع طهران ليس على أساس الأيديولوجيا، إنما على أساس المصالح. وبينما تدعي طهران أن علاقتها بحركة “طالبان” هدفها إحلال الأمن في أفغانستان، فإن ثمة من يتهمها بتقديم دعم لوجستي وعسكري وإنشاء مراكز تدريب لمسلحي “طالبان” في عدة مدن إيرانية. وكان الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني اعترف رسمياً، أواخر العام 2018، بعلاقات طهران مع “طالبان”، وكأنه يحذر الغربيين من وجود صلة بين بلاده وبين الحركة التي كانت تقاتلهم في أفغانستان. ورأى مراقبون أن العلاقات بين طهران و”طالبان” لم تكن وليدة العام 2018، بل سبقت ذلك. وقال المحلل الأمني عبيد الله وزيري، لـ”العربي الجديد”، إن العلاقة بين “طالبان” وطهران قويت في آخر أيام أحمدي نجاد، وهي كشفت عمداً عن هذه العلاقة في 2018، وأن قياديين في الحركة زاروا طهران، غير أن تلك العلاقة الآن على وشك الاضمحلال.

اعتماد إيران على حركة “طالبان” كان بشكل مؤقت

ومع أن إيران نفت أن يكون زعيم “طالبان” السابق الملا أختر منصور قد قتل بطائرة من دون طيار أميركية في باكستان في مايو/أيار 2016 وهو عائد من إيران، مرحبة بأي خطوة تهدف لإحلال الأمن والاستقرار في المنطقة، إلا أن الكثير من المراقبين، وبعض المسؤولين الأفغان والأميركيين أكدوا أن منصور زار ايران أكثر من مرة، وأن أسرته كانت تعيش هناك مع قياديين آخرين في الحركة.
ورغم كل الغيوم السوداء التي خيمت على العلاقات بين “طالبان” وطهران بسبب تقارب الأولى مع واشنطن، إلا أن العلاقات لم تنقطع بشكل كامل، حيث أكد ظريف، أخيراً، أن “طالبان”، رغم كل ما قاله حيالها، قوة في أفغانستان ولا بد وأن يكون لها دور في مستقبل هذه البلاد. وكان ذبيح الله مجاهد أكد، في تصريحات سابقة له، أن إيران هي البيت الثاني للأفغان. ما يعني أن العلاقات بين “طالبان” وطهران لم تنقطع كلياً، وأن الطرفين لا يرغبان في ذلك.
وأشار المحلل الأمني عبيد الله وزيري إلى أن العلاقة بين “طالبان” وطهران لم تنقطع كلياً، لأن نجاح اتفاقية الدوحة مرهون بنجاح المفاوضات بين الحكومة الأفغانية والحركة، وقد أثبتت المرحلة الأولى من تلك المفاوضات أن أمامها طريقا طويلا. وأوضح أنه لم يظهر بعد ما إذا كانت إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن ستنفذ بنود اتفاق الدوحة، وستسحب القوات الأميركية من أفغانستان كلياً منتصف العام المقبل. كما أن ايران لا ترغب في العودة إلى المربع الأول، حيث كان العداء قائماً بين “طالبان” وبينها إثر مقتل الدبلوماسيين الإيرانيين على يد الحركة في العام 1998.

صبغة الله صابر

العربي الجديد