العالم مليء بالتحديات.. هكذا يستطيع بايدن مواجهتها

العالم مليء بالتحديات.. هكذا يستطيع بايدن مواجهتها

تحتاج الإدارة المقبلة إلى تحديث السياسة الأميركية لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين.
* * *
يبدو أن الرئيس المنتخب جو بايدن بصدد وضع إطار لسياسته الخارجية حول ثلاثة محاور: إعادة التواصل مع أصدقاء أميركا وحلفائها؛ وتجديد مشاركتنا في المنظمات الدولية؛ والاعتماد بشكل أكبر على أدوات القوة غير العسكرية. وبالنظر إلى التحديات التي تفرضها الصين ودول أخرى، فضلاً عن التهديدات العابرة للحدود التي تتراوح من الأوبئة إلى تغير المناخ، فإن هذه، في رأيي، هي الأولويات الصحيحة. (ولو أن القوة العسكرية غير المسبوقة ستظل، بطبيعة الحال، هي الخلفية لعلاقات أميركا مع العالم).
ومع ذلك، في كل واحدة من هذا الحالات، لن تكون العودة إلى الوضع الذي كان سائداً قبل ترامب كافية لإنجاز هذه المهمة. وسيكون من الضروري، في كل منها، إصلاح النهج الأميركي وتنشيطه وإعادة هيكلته.
سوف يرحب حلفاؤنا في “الناتو”، إضافة إلى اليابان وكوريا الجنوبية ودول أخرى، بإعادة تأكيد أميركا التزاماتها الأمنية وتحولها إلى الحوار المحترِم بعد الأعوام التي ميزتها المواجهة مع ترامب. لكنّ على الإدارة الجديدة أن تصر على قيام حلفائنا بعمل المزيد على العديد من الجبهات. وكان ضغط الرئيس ترامب عليهم لإنفاق المزيد على الدفاع استمرارًا لثيمة عابرة لرئاسات أميركية متعددة. ويجب أن يستمر هذا الضغط.
ولكن، ليس موضوع الإنفاق العسكري وحده هو الذي تحتاج إليه الإدارة الجديدة إلى اتخاذ موقف صارم مع الحلفاء بشأنه. يجب أن تتحمل ألمانيا المسؤولية، ليس عن مستوى الإنفاق العسكري المثير للشفقة فحسب، وإنما أيضًا عن اتجاهها إلى مقايضة المصالح الاقتصادية والأمنية لبولندا وأوكرانيا مقابل الفوائد الاقتصادية لخط أنابيب “نورد ستريم 2” الذي يمتد من روسيا إلى ألمانيا.
كما يجب أن تكون لإقدام تركيا على شراء نظام الدفاع الجوي الروسي، (إس-400)، في تجاهل للتحذيرات الأميركية المتكررة، تكاليف أيضاً. (العقوبات التي فُرضت مؤخرًا هي بداية جيدة). ويجب أيضًا محاسبة أنقرة على أفعالها في ليبيا وشرق البحر المتوسط وسورية، والتي تتعارض مع مصالح الحلفاء الآخرين في “الناتو” وتعقّد جهود تحقيق السلام. لا ينبغي غض النظر عن أفعال الدول الأعضاء التي تتعارض مع مصالح الحلفاء الآخرين.
تحتاج الولايات المتحدة إلى أخذ زمام المبادرة في حلف “الناتو”، من خلال تشكيل “تحالف ديمقراطيات”، لاستنباط عواقب للدول الأعضاء -مثل تركيا والمجر، وبولندا بشكل متزايد- التي تتحرك نحو الاستبداد (أو التي تبنته بالكامل مُسبقاً). ولا يوجد نص في ميثاق “الناتو” يبرر طرد دولة عضو، لكن الدبلوماسية الإبداعية ممكنة، بما في ذلك استخدام تعليق العضوية، أو اتخاذ خطوات عقابية أخرى.
يجب أن يكون احتضان السيد بايدن للمنظمات الدولية التي رفضها السيد ترامب مصحوبًا بجدول أعمال لتحسينها. وعلى الرغم من مشاكلها العديدة، فإن هذه المنظمات تخدم أغراضًا مفيدة، ويمكن أن تكون قنوات فعالة لتعزيز التأثير الأميركي في جميع أنحاء العالم.
في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، كانت لدى الاتحاد السوفياتي استراتيجية مفصلة وطويلة المدى لنشر مسؤوليه في جميع أنحاء الأمم المتحدة والمؤسسات المرتبطة بها. ويبدو أن الصين تنتهج استراتيجية مماثلة اليوم. وعندما نبتعد عن منظمة الصحة العالمية وغيرها من المنظمات المماثلة، فإننا نوفر للصينيين فرصًا للسيطرة عليها واستخدامها لخدمة أغراضهم الخاصة.
يجب أن تصر الإدارة الجديدة على الإصلاح التنظيمي بعيد المدى للمنظمات الدولية (مثل منظمة الصحة العالمية)، باستخدام كل النفوذ الدبلوماسي والاقتصادي الذي يمكننا حشده لتحقيق الإصلاح الفعال حقاً. ولن يكون مجرد الظهور في الصورة مرة أخرى وحده جيدًا بما يكفي.
وأقرب إلى الوطن، حيث تلتزم الإدارة الجديدة بالاعتماد بشكل أكبر على الأدوات غير العسكرية، مثل الدبلوماسية التقليدية والمساعدة الإنمائية والدبلوماسية العامة لحماية مصالح أميركا وتعزيز أهدافنا، فإنها تحتاج إلى الاعتراف بأن هذه الأدوات بشكل عام أصبحت في حاجة ماسة إلى الاستثمار والتحديث. ويحتاج جهاز الأمن القومي لدينا -المصمم في العام 1947- إلى إعادة هيكلة بحيث يتناسب مع القرن الحادي والعشرين.
تتطلب المنافسة متعددة الأبعاد مع الصين والتحديات العابرة للحدود مشاركة رسمية لوكالات محلية لم تكن تعد في السابق جزءًا من جهاز الأمن القومي، واعتماد مقاربات جديدة لتحقيق استراتيجيات وعمليات أميركية حقيقية قائمة على مبدأ “الحكومة بأكملها”.
إن وزارة الخارجية، أداة القوة الرئيسية من غير المؤسسات الدفاعية لدينا، في حاجة ماسة إلى الإصلاح، كما يشهد العديد من كبار ضباط الخدمة الخارجية العاملين والمتقاعدين. وفي مقابل التغيير الهيكلي والثقافي الهادف، يجب على وزارة الخارجية الحصول على الموارد الإضافية المهمة التي تحتاجها لأداء مهماتها بنجاح.
في الأعوام الأخيرة، تركزت أدواتنا الاقتصادية الدولية بشكل أساسي على التدابير العقابية، مثل فرض العقوبات والتعريفات الجمركية. ونحن بحاجة إلى أن نكون أكثر إبداعًا في إيجاد الحوافز الاقتصادية الإيجابية لإقناع البلدان الأخرى بالعمل -أو عدم العمل- وفقًا لمصالحنا. لا يوجد بلد آخر يقترب، حتى مجرد اقتراب، من الولايات المتحدة في تقديم المساعدة الإنسانية بعد وقوع الكوارث، لكن جميع النجاحات الرئيسية الكبرى للمساعدة في الأعوام الأخيرة -مثل خطة الرئيس جورج دبليو بوش الطارئة لإغاثة جهود مكافحة مرض “الإيدز” أو إنشاء “مؤسسة تحدي الألفية”- كانت قد نُفِّذت خارج الهيكل البيروقراطي العادي أو العمليات العادية.
بينما لا تستطيع الولايات المتحدة التنافس بشكل مباشر مع مشاريع “مبادرة الحزام والطريق” الصينية ومساعداتها التنموية، فإننا يجب أن نبحث عن طرق للاستفادة من قوة قطاعنا الخاص. يمكن للشركات الأميركية أن تتشارك مع حكومة الولايات المتحدة في العمل في دول حول العالم، والتي تقدم آفاق استثمار جيدة وفرصًا لتعزيز المصالح الأميركية. وكان إنشاء “المؤسسة الأميركية لتمويل التنمية الدولية” في العام 2018 بداية جيدة. وتُعد مبادرة “تزويد أفريقيا بالطاقة” التي أطلقها الرئيس باراك أوباما في العام 2013، والتي أُقِرّت بالإجماع في مجلسي الكونغرس وتهدف إلى توفير إمكانية وصول عالمي إلى الكهرباء لإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، مثالاً على الشراكة الناجحة بين القطاع الخاص والحكومة.
أخيرًا، تبدو الاتصالات الإستراتيجية الأميركية -قدرتنا على نشر رسالتنا والتأثير على الحكومات والشعوب- غير كافية وعفا عليها الزمن بطريقة تدعو إلى الشفقة.
في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تعهد الرئيس الصيني، هو جينتاو، بتخصيص حوالي 7 مليارات دولار لتوسيع وسائل الإعلام الدولية للصين والتأثير على القدرات بشكل كبير. وعلى النقيض من ذلك، في العام 1998، ألغى الكونغرس الأميركي وكالة المعلومات الأميركية. وفي وقت لاحق، تم الإلقاء بفرع “الدبلوماسية العامة” في ركن من أركان وزارة الخارجية، كمنظمة لا تتبع مباشرة لوزير الخارجية.
كما لا يوجد تنسيق لتبادل الرسائل عبر أجزاء الحكومة، والجهود المبذولة للاستفادة بشكل أفضل من وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من التقنيات الجديدة كانت بطيئة ومفككة. وبالتأكيد، يمكن للدولة التي اخترعت التسويق والعلاقات العامة والإنترنت، أن تعرف كيفية استعادة التفوق والريادة في مجال الاتصالات الاستراتيجية.
ما تزال المخاوف ماثلة في الخارج حول ما إذا كانت إعادة الانخراط الأميركية (والموثوقية الأميركية) ستستمران إلى ما بعد هذه الإدارة الجديدة -وحول وجهات نظر الرئيس الجديد بشأن استخدام القوة العسكرية. ومع ذلك، ثمة ارتياح كبير بين معظم حلفائنا وأصدقائنا لأن السيد بايدن فاز في الانتخابات.
وهذا يوفر للرئيس الجديد نفوذاً كبيراً وقدرة على التحرك لتنشيط وتقوية التحالفات والمؤسسات الدولية، وليُظهر في الداخل أيضاً أن القيام بذلك يعزز المصالح الأميركية حول العالم ويحسّن رفاهية مواطنينا. وسيكون هذا إرثًا دائمًا ومقيماً لإدارة بايدن.

روبرت جيتس

الغد