أعلنت المفوضية العليا للانتخابات في العراق، مساء أول من أمس السبت، انتهاء مهلة تسجيل الكيانات والأحزاب السياسية الجديدة على 438 طلباً مقدماً من الأحزاب والحركات والتجمعات السياسية، تم منح 230 منها الموافقة والبقية قيد التدقيق، وذلك تمهيداً لخوض الانتخابات المبكرة في البلاد، والتي ما زالت المفاوضات جارية برعاية الأمم المتحدة بشأن تثبيت الموعد الرسمي لها، علماً أنه تمّ تحديد تاريخ 6 يونيو/حزيران المقبل موعداً أولياً لها. وعلى الرغم من ولادة عدة أحزاب جديدة من رحم ساحات التظاهرات، مثل تجمّع “البيت الوطني” بقيادة الناشط حسين الغرابي، وحركة “امتداد” للناشط علاء الركابي، إلا أن الأسبوعين الماضيين شهدا تسجيل كيانات وحركات جديدة، مدعومة من شخصيات سياسية وأحزاب دينية نافذة في البلاد، بأسماء مدنية وثورية لمتظاهري أكتوبر/تشرين الأول 2019 في العراق، في خطوة اعتُبرت محاولة لخداع الشارع والناخبين والتشويش على الكتل الجديدة.
بعض الكتل تريد أن يكون الموعد قريباً من أجواء شهر محرّم
وبحسب آخر التسريبات السياسية، فإن اتفاقاً مبدئياً حصل على تأجيل الانتخابات المبكرة من 6 يونيو المقبل إلى أواخر شهر سبتمبر/أيلول المقبل، لكن المفاوضات والمشاورات ما زالت قائمة بين الحكومة ورئاسة البرلمان والمفوضية العليا للانتخابات، بشأن الصيغة القانونية للإعلان وكذلك الجدول الزمني لعمل البرلمان الذي يجب أن يحل نفسه قبل الانتخابات في فترة لا تقل عن 60 يوماً. وعصر أمس، تم الكشف عن تقديم مفوضية الانتخابات طلباً إلى رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لتأجيل الانتخابات المبكرة حتى 16 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
وأبدى مراقبون خشيتهم من أن يؤدي اتخاذ أي قرار بشأن موعد الانتخابات من دون توافق مع تحالفي “الفتح” و”دولة القانون”، إلى عرقلتهما قانون المحكمة الاتحادية في البرلمان ومنع تمريره، بما يفضي إلى استحالة إجراء الانتخابات.
وكشفت مصادر سياسية في بغداد لـ”العربي الجديد”، أن موعد 6 يونيو “لم يعد قائماً كتوقيتٍ لإجراء الانتخابات”. وهو ما أكده نائب رئيس الوزراء السابق بهاء الأعرجي، أمس الأحد، في تغريدة له على “تويتر”، موضحاً أن “ما تمخّض عن الاجتماعات الأخيرة هو تأكيد عدم إجراء انتخابات مبكرة في يونيو”. وأشار إلى أن “ما يؤخر إعلان موعدها الجديد هو إرادة تحميل مفوضية الانتخابات هذا التأجيل”، لافتاً إلى أن “بعض الكتل تريد أن يكون الموعد قريباً من أجواء شهر محرّم (من الأسبوع الأول من شهر أغسطس/آب إلى الأسبوع الأول من شهر سبتمبر المقبلين)، كي تستفيد من التحشيد العاطفي. وفي كل الأحوال سيُعلن عن الموعد قريباً”.
وتكشف الإعلانات الأخيرة للكيانات السياسية التي تمت المصادقة عليها في مفوضية الانتخابات، أنها أقرب ما تكون لعملية سطو من الأحزاب الرئيسية على الأسماء والمصطلحات التي ولدت بعد التظاهرات العراقية. في السياق، اختارت الأحزاب الدينية أسماءً جديدة لقوائمها الانتخابية في مفوضية الانتخابات، وشكّلت حركات وتكتلات سياسية رديفة لها، بقيادة نواب وأعضاء من الخط الثاني فيها بعناوين مدنية. وأبرز تلك الحركات، هي حركة “بداية” للسياسي المقرب من عمار الحكيم، عضو مجلس محافظة بغداد السابق محمد الربيعي، و”تجمّع تشرين”، الذي ضم شخصيات عملت سابقاً مع رئيس ائتلاف “دولة القانون” نوري المالكي، وحركة “وعي” برئاسة أحد أبرز مساعدي عمار الحكيم، وهو صلاح العرباوي، وحركة “اقتدار وطن” بزعامة الوزير السابق عبد الحسين عبطان. كما شكّلت “تيار الفراتين” بزعامة القيادي في حزب “الدعوة الإسلامية” محمد شياع السوداني، وتيار “المرحلة” المدعوم من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، و”تصحيح”، وهو الاسم الانتخابي الجديد للمجلس الإسلامي الأعلى بزعامة همام حمودي، و”حقوقيون” لزعيم “الحشد الشعبي” فالح الفياض، و”إنجاز” لوزير الداخلية الأسبق القيادي في المجلس الأعلى بيان باقر صولاغ.
كان على المتظاهرين والناشطين تشكيل كيان انتخابي موحّد
وحول ذلك، قال النائب في البرلمان العراقي باسم خشان، لـ”العربي الجديد”، إن “الأحزاب السياسية الحاكمة، اتفقت على التشويش على الناخب العراقي، من خلال قوائم انتخابية تحمل أسماء التظاهرات والشعارات التي رفعتها، وتدعي أنها ممثل لهذه الثورة الشعبية. وتريد تشتيت أصوات الناخبين والتأثير على حملات الحركات الصادقة الجديدة والشبابية التي ولدت من ساحات التظاهر، من خلال ضياع أصواتهم بين تلك القوائم، حتى تبقى هذه الأحزاب مهيمنة على البرلمان والحكومة المقبلة”.
وأضاف أن “القوى السياسية المتنفذة، ستخوض الانتخابات بعناوينها المعروفة لدى الجميع، والتي سوف تعلن عن دعمها بشكل رسمي، وسوف توجه قواعدها الشعبية بالتصويت لهذه القوائم حصراً. لكنها في المقابل، أسست قوائم ظل لها بهدف تشتيت أصوات الناخبين المطالبين بالإصلاح والتغيير، بتشويش الناخب بكثرة القوائم الممثلة لثورة وثوار تشرين”. وأكد أن “توجه المتظاهرين نحو العمل السياسي والانتخابي أمر مهم جداً في المرحلة المقبلة، للتصدي للقوى السياسية المتهمة بعمليات الفساد وغيرها من القضايا الخارجة عن القانون، خصوصاً أن المتظاهرين فيهم من الأشخاص المؤهلين لقيادة المرحلة المقبلة، من خلال دورهم في البرلمان أو في الحكومة”.
في المقابل، قال المحلل السياسي العراقي أحمد الشريفي، في حديث لـ”العربي الجديد”، إنه “كان على المتظاهرين والناشطين تشكيل كيان انتخابي موحّد، ليكون الممثل الحقيقي لهم في كل محافظات العراق، لضمان عدم تشتت الأصوات والتشويش على الناخب”. وشدّد على أن “خوض متظاهري تشرين الانتخابات المقبلة بقوائم انتخابية متعددة، سيقلل من احتمالية حصولهم على المقاعد البرلمانية، لأن قانون الانتخابات الجديد يعتمد فوز المرشح الحاصل على أعلى الأصوات ضمن دائرته الانتخابية”.
وأضاف الشريفي أن “القوى السياسية المتحكمة في المشهد السياسي حالياً، استغلت قضية تشتت قوائم ممثلي تظاهرات تشرين، من خلال تشكيل قوائم انتخابية جديدة لهم، تحمل اسم ثورة تشرين، وتدعي تمثيلها للثورة والمتظاهرين، لكن هدف ذلك تشتيت أصوات الناخبين المؤيدين للثورة”. وتابع: “أمام ممثلي ثورة تشرين الحقيقيين فرصة حالياً في تشكيل تحالف موحد، قبل إغلاق مفوضية الانتخابات موعد إعلان التحالفات الانتخابية والسياسية. أما بخلاف ذلك، فسيكون حصول القوائم الممثلة بشكل حقيقي للثورة والمتظاهرين شبه معدوم، بل شبه مستحيل، في ظل التشويش على الناخب من قبل قوى سياسية متنفذة تملك خبرة طويلة في العملية الانتخابية”.
عادل النواب
العربي الجديد