أثار مقتل المعارض الفلسطيني نزار بنات بعد اعتقاله على أيدي أجهزة أمن فلسطينية ردود فعل كبيرة داخل وخارج فلسطين، وأثار احتجاجات شعبيّة تطالب بمحاسبة المسؤولين عن الجريمة.
يحصل هذا في بلد يعاني من الاحتلال والاستيطان والقمع والتجريف الإسرائيلي، وتكتسب، فكرة العدالة الإنسانية ضمن سياق الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي مركزا أساسيا في صراع النخب السياسية والشعب مما يعطي للقضية الفلسطينية جوهرها العظيم الذي تجتمع حوله أمم الأرض كلّما حصل تصويت عامّ في الأمم المتحدة على عدالة هذه القضية، وعلى حقوق الفلسطينيين في أرضهم.
كما يجري بعد معركة سياسية وعسكرية ناجحة خاضها الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، لصد محاولات القضاء الإسرائيلي إخلاء فلسطينيين من بيوتهم في حي الشيخ جراح في القدس القديمة، ولمنع «مسيرة أعلام» المستوطنين احتفالا باحتلال إسرائيل للقدس، وبعد دخول قطاع غزة على جبهة الصواريخ وتعرّضه نتيجة ذلك لعدوان عسكري إسرائيلي دموي، وصولا إلى مبادرة «حراس الجبل» التي تطور فعاليات المقاومة في شمال الضفة.
يجيء حدث مقتل الناشط بالتزامن أيضا مع فشل مستدام لكل محاولات التصالح بين السلطتين الفلسطينيتين في رام الله وغزة، واستفحال مركزة السلطات الأمنية والمالية في أيدي هاتين الحركتين في المناطق التي تسيطران عليها بشكل يضعف وجود اتجاهات حزبية أو سياسية قادرة على منافستهما، وهو ما أدى إلى ضيق بأي صوت معارض، ومحاولات مستمرة لإسكات المختلفين.
ربطت مصادر اعتقال ومقتل الناشط الفلسطيني بشريط فيديو أطلقه مؤخرا حول اللقاحات الإسرائيلية التي قاربت صلاحيتها على الانتهاء وفشلت محاولة تل أبيب تسليمها للسلطة بعد انتقادات عديدة، ومطالبات بعدها بمحاسبة المسؤولين، باعتبار هذا الاتفاق تسويقا لإسرائيل واستهتارا بصحة المواطنين الفلسطينيين، وفي شريطه ذاك شن الناشط هجوما عنيفا على رئيس الوزراء والنائب العام والقيادة الفلسطينية كلها متهما إياها بالفساد والارتزاق وتهم أخرى قاسية.
يوضّح مقتل الناشط أن بعض المسؤولين السياسيين أو الأمنيين الفلسطينيين قرّروا التعامل بشكل قمعي مع هذه الآراء بحيث انتهى الاعتقال العنيف بوفاته خلال ساعتين فحسب من اعتقاله، وهو ما يجعل الأمر اعتقالا تعسفيا بسبب الرأي، وقد أثبت التشريح الجنائي بعد الوفاة أن مقتل الناشط لم يكن طبيعيا بل نتيجة فعل عنيف.
مقتل بنات، ضمن هذا السياق، هو جريمة سياسية، ولا تظهر ردود فعل السلطة تفهّما لمعنى الغضب الشعبي الفلسطيني نتيجة هذه الجريمة، ولن تفعل خطوات مثل الإعلان عن «لجنة تحقيق» أو إصدار بيانات غير زيادة الغضب الجماهيري، وخصوصا بعد تلاشي الآمال التي وضعها الفلسطينيون على حصول انتخابات جديدة.
إن أي ممارسة سلطوية فلسطينية يشتمّ منها إعلاء شأن القوّة والتجبّر والتسلط تضعف السلطة التي تمارسها وتجعلها محط مقارنات مع الأنظمة العربية المستبدة التي تتحالف مع العدو، إذا اقتضى الأمر، للحفاظ على العروش، وبهذا المعنى، يُفترض أن تمنع طبيعة الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي (لكونه صراعا ضد الاحتلال والاستيطان والاستبداد) السلطات الفلسطينية، من التحوّل إلى نظام عربيّ قامع لمواطنيه، لأن هذه الصيغة، ببساطة، تخلّ بالمعادلة الاستراتيجية التي تحكم الصراع، الذي هو صراع من أجل العدالة وإحقاق الحقوق وإنفاذ القانون، وليس صراعا للتنافس على الظلم وانتهاك الحقوق والقانون.
القدس العربي