في 22 حزيران/يونيو، استولت وزارة العدل الأمريكية على نطاق 33 موقعاً إلكترونياً تابعاً لقنوات مرتبطة بـ”اتحاد الإذاعة والتلفزيون الإسلامي الإيراني”. وتعتمد طهران بشكل متزايد على آلة الدعاية الإقليمية الواسعة لتحقيق أهدافها المعادية لأمريكا، لكن من الضروري على صانعي السياسات أن يكونوا أكثر دقة وشمولية في الوقت نفسه في كيفية مواجهتهم لهذه الدعاية.
في 22 حزيران/يونيو، استولت وزارة العدل الأمريكية على نطاق 33 موقعاً إلكترونياً تابعاً لقنوات مرتبطة بـ”اتحاد الإذاعة والتلفزيون الإسلامي الإيراني”. وتملك معظم شبكات التلفزيون التي تدير هذه النطاقات [مجالات الإنترنت] منظمات تشكل جزءاً من “محور المقاومة” التابع لطهران والمعادي للولايات المتحدة، وبالتالي لا بدّ من استهدافها. ومع ذلك، شملت حملة المصادرة بعض المواقع غير المرتبطة بالمقاومة، مما أدى إلى اعتماد مقاربة شاملة تهدد بتعزيز رواية الدعاية الإيرانية وتقوّض في الوقت نفسه المصالح الأمريكية في العراق ودول أخرى.
مواقع ألكترونية تابعة للمقاومة مقابل مواقع غير مرتبطة بالمقاومة
من بين المواقع التي تمّ الاستيلاء عليها قناة “العالم” باللغة العربية وقناة “برس تي في” باللغة الإنكليزية، علماً بأن كلا الموقعين خاضعان لإدارة “الخدمة العالمية” لـ “إذاعة جمهورية إيران الإسلامية”. وتملك ميليشيات مدعومة من إيران في المنطقة نطاقات أخرى مثل قناة “المسيرة” (التابعة لحركة الحوثي اليمنية)، و”فلسطين اليوم” (التي تسيطر عليها «حركة الجهاد الإسلامي» الفلسطينية)، وثلاثة مواقع تستخدمها ميليشيا “كتائب حزب الله”.
وتشمل القائمة أسماء غير متوقعة أيضاً – ولا سيما قنوات عراقية لا يعلم أحد أن مالكيها من أعضاء محور المقاومة. ومن أبرز هذه القنوات شبكة “الفرات” التلفزيونية المملوكة لتيار “الحكمة”. وتُعتبر “الحكمة”، التي يرأسها رجل الدين الشيعي العراقي عمّار الحكيم، كياناً معتدلاً يدعم تطبيق سيادة القانون كقوة موازنة أمام الأنشطة غير القانونية المنتشرة التي تنفذها الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران.
وتضمنت اللائحة أيضاً «قناة كربلاء» [التلفزيونية]، وهي قناة [العتبة الحسينية المقدسة] مملوكة لـ “مؤسسة ضريح الإمام الحسين” والتابعة لآية الله علي السيستاني، أعلى سلطة شيعية في العراق. وبرمجتها غير سياسية إلى حد كبير ولا تتماشى بالتأكيد مع محور المقاومة. وتعود بعض القنوات المستهدفة الأخرى إلى رجال دين تربطهم علاقة تكتنفها المشاكل مع الجمهورية الإسلامية (على سبيل المثال، آية الله صادق الشيرازي).
مشكلة القرارات الشاملة
على الرغم من تبعيّة القنوات لأنواع مختلفة من الحركات، إلّا أن تلك التي تم تحديد مواقعها على شبكة الإنترنت تملك عامل مشترك واحد: جميعها منضوية تحت “اتحاد الإذاعة والتلفزيون الإسلامي الإيراني”، الذي تم إدراجه على لائحة العقوبات من قبل “مكتب مراقبة الأصول الأجنبية” التابع لوزارة الخزانة الأمريكية في تشرين الأول/أكتوبر 2020 “لكونه مملوكاً أو خاضعاً لسيطرة” «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي». ومع ذلك، فإن العضوية في “اتحاد الإذاعة والتلفزيون الإسلامي الإيراني” لا تعني أن جميع هذه القنوات تخضع لسيطرة «فيلق القدس».
لقد عمدت إيران إلى إنشاء “اتحاد الإذاعة والتلفزيون الإسلامي الإيراني” وفق إطار “اتحادي” لأنها أرادت ربط نفسها بعدد كبير من الوسائل الإعلامية الإقليمية دون أن تتحمل بالضرورة المسؤولية المالية أو التشغيلية المرافقة لها. وبالتالي، في حين أن جميع مديري “اتحاد الإذاعة والتلفزيون الإسلامي الإيراني” والعديد من الشبكات المنضوية تحته مرتبطون بـ «فيلق القدس»، إلّا أنّ بعض الشبكات إما غير سياسية تماماً أو تتبنى وجهات نظر بعيدة كل البعد عن محور المقاومة.
وهذا التمييز واضح في الطريقة التي يعامل بها “اتحاد الإذاعة والتلفزيون الإسلامي الإيراني” بعض الشبكات المنضوية تحته بشكل مختلف عن الأخرى. فغالباً ما يجلس المسؤولون من منافذ المقاومة في لجان النقابات ويتلقون التدريب والدعم المالي/الفني والخدمات الأخرى. وأولئك الذين ليس لديهم انتماءات لـ «فيلق القدس» يتلقون الحد الأدنى من الدعم إن وُجد.
وبالتالي، أحدث نهج واشنطن الشامل صدمة للقنوات غير المرتبطة بالمقاومة وأعطى المحور الإيراني “المزيد من الذخيرة” لروايته الطويلة الأمد، وهي: أن الولايات المتحدة ليست عدوة للجمهورية الإسلامية وحلفائها فحسب، بل للإسلام أيضاً، لا سيما الإسلام الشيعي. ووفقاً لهذه الحجة، فإن استهداف محطات مثل «قناة كربلاء» هو “دليل” على أن أمريكا معادية لجميع الشيعة.
وانتشرت هذه الرواية بعد دقائق فقط من نشر أخبار عمليات الاستيلاء على مجالات الإنترنت – أولاً على وسائل التواصل الاجتماعي، ثم على وسائل الإعلام التقليدية. وبعد ذلك أصدر قادة مليشيات “المقاومة” العراقية بيانات أكّدوا فيها فكرة استهداف الإسلام الشيعي. وفي 24 حزيران/يونيو، كتب زعيم ميليشيات «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي: “قرار الاستيلاء على قنوات ليس لها علاقة بمحور المقاومة إنما كل ذنبها أنها تدعو إلى الأخلاق والفضيلة والشعائر الحسينية هي مؤشر خطير يكشف حقيقة العداء المتجذر … الموجود في عقول وأصحاب هذا المشروع … إن مجرد الانتماء لهذا الدين والعمل على نشر قيمه يعتبر جريمة من قبلهم”.
وتضر هذه الرواية بالمصالح الأمريكية في العراق والمنطقة الأوسع نطاقاً، حيث تُصوِّر الحكومة الأمريكية على أنها قوة إمبريالية غير متسامحة لن تتوقف عن القيام بأي شئ لتغيير هوية الشعب وتنفيذ طموحاتها الاستعمارية. إن التصدي لمثل هذه الشكوك هو بالتحديد سبب أهمية قيام واشنطن ببناء علاقات إيجابية مع الجماعات الشيعية التي لا تسعى إلى تحقيق أهداف معادية لأمريكا، ثم تجنب تقويض تلك العلاقات.
توصيات في مجال السياسة العامة
لتقليل الضرر الناجم عن الاستيلاء على مجالات الإنترنت غير التابعة لـ «فيلق القدس»، على الولايات المتحدة الوصول إلى شبكات التلفزيون والمنظمات الأم المتضررة. والهدف هو شرح سبب استهدافها – ليس لبرامجها الفردية، ولكن فقط لعضويتها في “اتحاد الإذاعة والتلفزيون الإسلامي الإيراني” – وتحديد المخاطر التي تواجهها إذا استمرت في الارتباط بـ “الاتحاد” أو المنظمات الأخرى التابعة لـ «فيلق القدس». ومن جانبها، على الحكومة العراقية الاتصال بالحكومة الأمريكية للحصول على المشورة بشأن الكيفية التي يمكن فيها لهذه الكيانات إعادة إنشاء مجالات الإنترنت التي لن تخضع للإستيلاء.
وبعد إجراء عمليات السيطرة اللازمة على الأضرار، على واشنطن التخلي عن المقاربات الشاملة لوسائل الإعلام الإقليمية التابعة لإيران في المستقبل، وبدلاً من ذلك التشاور مع الخبراء على أساس كل حالة على حدة لتجنب إلحاق ضرر غير مقصود بالمصالح الأمريكية. وغني عن القول إن المشهد الإعلامي في الشرق الأوسط معقد للغاية، وفقدان الفروق الدقيقة المهمة أمر سهل بشكل خطير.
ولمواجهة آلة الدعاية الإقليمية الإيرانية بشكل أكثر فاعلية، يجب على الحكومة الأمريكية أن تولي اهتماماً وثيقاً لما يحدث مع مجالات الإنترنت بعد إصدار الإدراجات على لوائح الإرهاب، واتخاذ الإجراءات حيثما أمكن لمنع منافذ المقاومة من تجاوز عمليات الاستيلاء على المواقع. على سبيل المثال، سرعان ما قام الموقع الألكتروني لـ “برس تي في” بالبث المباشر مرة أخرى باستخدام مجال الإنترنت الإيراني ir. وفي العراق، تنظر مواقع الميليشيات حالياً في استخدام مجال الإنترنت .iq الخاص ببلادها للتهرب من الاستيلاء عليها، كما نصحت «حركة النجباء» المدعومة من إيران في بيان أصدرته في 23 حزيران/يونيو. على الشركاء الدوليين تشجيع الحكومة العراقية على حرمان شبكات الميليشيات من هذه الخدمة.
وعلى السلطات الحذر من تفاصيل عناوين المواقع الألكترونية الأخرى أيضاً. فبعد الاستيلاء على مجال الإنترنت الخاص بـ «حركة النجباء» في تشرين الأول/أكتوبر 2020، بدأت هذه الميليشيا في استخدام مجال إنترنت آخر هو .com، مع تغيير بسيط في الهجاء. وفي اليمن، تم الاستيلاء على نطاق .net الذي تديره “قناة المسيرة” التي يسيطر عليها الحوثيون، لكن موقع .com التابع للشبكة لا يزال نشطاً وعملياً.
ومع ذلك، حتى إذا أصبحت السلطات أكثر يقظةَ بشأن تجنب عناوين المواقع الألكترونية، فإن الحقيقة هي أن الاستيلاء على مجالات الإنترنت يمكن أن يكون له تأثير محدود فقط في النهاية، لذلك من الضروري اتباع مقاربة أكثر شمولية. وبناءً على توجيهات المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، قامت الجمهورية الإسلامية ووكلائها بتوسيع شبكاتها الإعلامية في المنطقة بشكل كبير في السنوات الأخيرة، بدءاً من القنوات التلفزيونية الفضائية والمحطات الإذاعية إلى المواقع الإلكترونية وشركات الإنتاج الإعلامي ومراكز التدريب الإعلامي وغيرها. كما نمت شبكة وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بها بشكل كبير، مما سمح لمحور المقاومة بدمج وسائل الإعلام التقليدية والجديدة بشكل أفضل في السعي لتحقيق أهداف طهران المزعزعة للاستقرار.
ورداً على ذلك، على واشنطن وشركائها تشكيل فريق متخصص من الخبراء والمحللين القادرين على مراقبة أنشطة كل شبكة إعلامية تابعة للمقاومة، وتقييم تطوراتها الداخلية، وتحديد الشخصيات التي تديرها، واكتشاف الاتجاهات في برامجها ونواياها. فمن خلال اكتساب معرفة شاملة على هذا النطاق فقط، يمكن لواشنطن اتخاذ تدابير فعالة للتصدي لآلة الدعاية الخارجية الإيرانية.
حمدي مالك
معهد واشنطن