برر بعض السوريين والعرب الاحتلال الروسي في سورية، بأوهام “لجم مشاريع إيران” فيها. بعد 6 سنوات من التدخّل العسكري الروسي المباشر، لإنقاذ نظام بشار الأسد، يتكشف بؤس الخيارات الروسية خلال 10 سنوات. فمنذ انتفاضة الشعب السوري في ربيع 2011، وضعت موسكو نفسها في مواجهة إرادة أغلبية الشعب. وأصرت، حفاظاً على مصالح عسكرية واقتصادية، على المشاركة في تزوير حقائق أهداف ثورة السوريين، وهتافاتهم عن وحدة شعبهم ومصيرهم في ظل نظام ديمقراطي تعددي مستقبلي، ناسفة كل ما شبّ عليه السوريون من شعارات “الصداقة” مع “الاتحاد السوفييتي” سابقاً وروسيا لاحقاً. وهو ما وقع فيه أيضاً “حزب الله”، ضارباً شعبيته بينهم بتأييده الديكتاتورية و”الظلم”.
ما يجري في درعا، المحاصرة والمهددة بمصير مدن أخرى، بالتجويع والقصف والتهجير، يكشف للسوريين، “معارضة وموالاة”، مستوى التحالف الروسي مع مليشيات طائفية، والتغطية على مرتزقة “فاغنر”. فنوعية المليشيات المُحاصِرة، “زينبيون” و”فاطميون”، بخلطة أفغانية-باكستانية، وغيرها من أذرع إيران، تؤشر إلى بؤس مشاريع موسكو، وكذبتها عن أن “الحل سوري-سوري”، وإمعانها في اختراع تصنيف احتلالي للسوريين. فإذا كان الحل “سورياً”، ما معنى حصار درعا وتهديدها بمليشيات أجنبية، وبغطاء روسي ومن نظام دمشق، بمقتلة كما جرى في القصير وداريا والقلمون وغيرها؟
في ظل احتلالات متعددة، أدت إليها سياسات “الأسد أو نحرق البلد”، يبدو مريباً استمرار الصمت، سواء رسمياً عربياً أو لدى بعض الأوساط السورية، عن المحتل الروسي، الذي يغطي على كل ما قيل عن مشاريع التغيير الديمغرافي، بوهم إنتاج سورية أخرى، ضد تاريخ ونسيج مجتمعها. فبرعاية التدخل الروسي، الغارق في كل تفاصيل البلد، تتوسع الجرائم، وبينها حرق جثث السوريين بالبنزين، وبتصرفات تتجاوز مستوى الإجرام “الداعشي”، مثلما تُحال سورية كلها إلى دولة فاشلة، أملاً بإعادة إنتاج وتسويق النظام.
في المحصلة، فإن موسكو التي تغيب عنها حيوية النقاش والمراجعات، كالتي تقدم وستقدم عليها القوى الغربية بعد 20 سنة من غزو أفغانستان، تسير بسورية وبثبات نحو نهايات مأساوية كان يمكن تجنبها، بدل الإمعان في التزوير والتعمية على الحقيقة، فتخسر “الشعب الصديق”، مثلما خسر بعض “محور الممانعة” الكثير من التأييد التاريخي بين السوريين. فالاحتلالات مهما بدت قوية ومسيطرة، ومتحالفة مع عصابات محلية ومستوردة، مصيرها الفشل، ولن يفيد عندها كل الأسئلة عن “ماذا لو؟”.
ناصر السهلي
العربي الجديد