لم تنقطع التعزيزات عن الجنوب السوري من قبل قوات النظام ومليشيات محلية وطائفية تساندها، في ظل معطيات تشير إلى أنها تتحضّر لشن عملية عسكرية واسعة النطاق على أحياء درعا البلد، مع استمرار الفشل في التوصل إلى حلول في جولات التفاوض، إذ يتمسك النظام بشروط يعتبرها وفد الأهالي المفاوض بمثابة استسلام.
وفي خطوة هي الأولى منذ بدء الأزمة في أحياء درعا البلد، قبل نحو شهرين، ذكرت وكالة “سانا” التابعة للنظام، أن الأخير استقدم تعزيزات عسكرية “بهدف إخراج المجموعات الإرهابية الرافضة لجهود التسوية من درعا البلد وطريق السد، وتسليم كل أنواع الأسلحة التي بحوزتها وتكريس الاستقرار الأمني في المحافظة”. وزعمت، أمس الأول، أن المقاتلين المعارضين في درعا يقيمون تحصينات لـ”شن اعتداءات على المدنيين ونقاط الجيش” وأنهم “يعملون على استعادة الأسلحة الثقيلة المخبأة تحت الأرض، والتي يفترض أنهم سلموها للجيش خلال المرحلة الماضية”.
تضم تعزيزات قوات النظام راجمات صواريخ من نوع “جولان”
وذكرت مصادر محلية، لـ”العربي الجديد”، أن هذه التعزيزات تتبع إلى الفرقتين الرابعة و15، موضحة أنها انتشرت ابتداء من جسر صيدا ونقطة المشفى مروراً بالمعصرة الألمانية، التي اتخذتها مركزاً للتجمع، وصولاً إلى أم المياذن التي أصبحت أشبه بثكنة عسكرية. وتضم التعزيزات عناصر من قوات “الغيث”، التابعة للفرقة الرابعة الموالية لإيران، إضافة إلى راجمات صواريخ من نوع “جولان”.
من جهته، ذكر الناشط الإعلامي أحمد المسالمة، الذي يتابع تطورات الموقف في المحافظة، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “كل شيء وارد في أحياء درعا البلد خلال الأيام القليلة المقبلة، بما فيها الحرب”، مشيراً إلى أن التعزيزات العسكرية من قبل النظام لم تتوقف على مدار الشهرين الماضيين. وأوضح أن لجنة التفاوض عن الأهالي لم تتوصل إلى أي توافق مع النظام حول بنود “خريطة الطريق” الروسية، لافتاً إلى أن إعلام النظام بدأ يروّج ويسوّق للحرب. وبيّن أن “جولات المفاوضات برعاية من الجانب الروسي لم تنته”، مضيفاً: “لكن النظام وروسيا يراوغان لكسب الوقت، كي تصل التعزيزات من قوات النظام وحزب الله وبقية المليشيات الإيرانية الطائفية”. وأشار إلى أنه مع اقتراب الحصار من يومه الستين، فإن آلاف المدنيين يواجهون كارثة إنسانية، حيث لا دواء ولا ماء ولا غذاء.
تقارير عربية
رفض لـ”خريطة استسلام” درعا البلد: بنود تحقق أهداف النظام السوري
وكان الجانب الروسي قدّم، أخيراً، “خريطة حل” للوفد المفاوض عن الأهالي، تنص على تمركز عناصر شرطية تابعة للنظام في مواقع عدة (لم يُحدد عددها) في أحياء درعا البلد، إضافة إلى بندين (سيجري التفاوض على تفاصيلهما خلال الأيام المقبلة) هما تسليم سلاح المعارضة للنظام، وتهجير المعارضين غير الراغبين بالتسوية إلى الشمال السوري، ويُقدر عددهم بنحو 135 شخصاً. ومنح الروس للطرفين مهلة 15 يوماً للتوافق على حل على أساس هذه الخريطة، ولكن لم يتوصل النظام والأهالي لأي اتفاق حتى اللحظة، ما يفتح الباب أمام تصعيد عسكري، يبدو أن النظام يضغط باتجاهه لفرض هيمنة مطلقة على المنطقة، وقتل أو تهجير مقاتلي المعارضة الذين يشكلون خطراً عليه. ويرفض الوفد المفاوض عن الأهالي جل هذه الشروط التي يعتبرها استسلاماً، ويصرّ على عدم توقيع اتفاق “مذل”، يمكن أن يعرض حياة آلاف المدنيين لخطر الإبادة، بينما يتمسك النظام بتسليم السلاح ودخول قواته إلى أحياء درعا البلد وإقامة حواجز وتفتيش المنازل. ويبدو أن النظام يريد، بدفع إيراني، فرض إرادته بالقوة جنوبي سورية، بينما يبحث الروس عن حلول وسط ترضي النظام والأهالي.
وقد حشد النظام أكثر المليشيات التابعة لإيران وحشية، وهو ما ينذر بوقوع مذبحة بحق المدنيين في أحياء درعا البلد، في حال الفشل بالتوصل لحل سياسي قريباً. وذكر “تجمع أحرار حوران”، في بيان، أن “الغيث”، التي يتزعمها العميد غياث دلة والتابعة للفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد وتتبع لطهران، أبرز المليشيات التي تحاصر درعا البلد منذ نحو شهرين. ويعد دلة من أكثر ضباط النظام وحشية في التعامل مع المدنيين وفق مصادر محلية في ريف دمشق، مشيرة إلى أنه ارتكب مجازر في أرياف دمشق وإدلب ودرعا على مدى سنوات الحرب. وبيّن “التجمع” أن المليشيا استقدمت مجموعات محلية من عدة مناطق سورية تابعة لها إلى محافظة درعا خلال الأيام القليلة الماضية، منها مجموعتا “الأغواني” و”مروان كمال الدين”، لافتاً إلى مشاركة مليشيات عراقية في الحصار، منها “أسود العراق”، ولواء “أبو الفضل العباس”، ولواء “الرسول الأعظم”، إضافة إلى مليشيا “الحاج” اللبنانية. ومن المتوقع ألا تكون مهمة هذه المليشيات سهلة في أحياء درعا البلد، في حال عدم مشاركة الطيران الروسي، حيث أثبتت الوقائع أن قوات النظام والمليشيات الإيرانية باتت شبه عاجزة على التحرك على الأرض من دون غطاء ناري روسي.
إبراهيم جباوي: المقاتلون لديهم القوة للوقوف بوجه المليشيات
وكانت قوات النظام حاولت، أواخر الشهر الماضي، اقتحام أحياء درعا البلد، إلا أنها مُنيت بهزيمة على يد مقاتلين معارضين، قتلوا وأسروا عدداً من العناصر، بينهم ضباط. لكن هذه القوات استقدمت تعزيزات كبيرة إلى محافظة درعا لتفادي هزيمة أخرى، مستفيدة من هدوء الجبهات في الشمال الغربي من سورية، حيث لم تتحرك فصائل المعارضة حتى اللحظة في محافظة إدلب لتخفيف الضغط عن أحياء درعا البلد، وتقوية الموقف التفاوضي لوفد الأهالي المنبثق من اللجنة المركزية لعموم محافظة درعا. وأوضح عضو هيئة المفاوضات التابعة للمعارضة العميد إبراهيم جباوي أن المقاتلين المدافعين عن درعا البلد “ليست لديهم إلّا الأسلحة الخفيفة”، بينما قوات النظام لديها أسلحة ثقيلة، وصواريخ متطورة قصيرة المدى، لتعويض غياب الطيران من خلال الغزارة النارية. غير أن جباوي أكد، في حديث مع “العربي الجديد”، أن المقاتلين في أحياء درعا البلد “لديهم الصلابة والقوة للوقوف في وجه المليشيات الطائفية”.
من جانبه، رأى المحلل السياسي رضوان زيادة، في حديث مع “العربي الجديد” أنّ النظام “يخطط لحسم عسكري في الجنوب بدعم روسي مهما كانت التكلفة على المدنيين”، مشيراً إلى أنّ أميركا مشغولة بأفغانستان، مستبعداً أيّ قدرة لدى الأردن “على فعل شيء يوقف العملية”، مضيفاً: “النظام يريد السيطرة على درعا كما يسيطر على دمشق”.
أمين العاصي
العربي الجديد