واجهت حكومة «العزم» كما سمّاها رئيسها نجيب ميقاتي، ومنذ أيامها الأولى، وقائع يمكن أن تضعف من مصداقيتها وتدلّل على مطبّات سياسية كبيرة قد تودي بها، وجاءت باكورة هذه المطبّات من «حزب الله» الذي يُعتبر الطرف الأكبر تأثيرا في السياسة اللبنانية، و«القابلة» التي مكّنت هذه الحكومة من الولادة.
تمثّل ذلك بدخول طابور من صهاريج المازوت التي عبرت الحدود السورية اللبنانية عبر وادي البقاع، بحماية أمنية، لتصل إلى مستودعات وقود الحزب، التي ستقوم بتوزيعها لاحقا على الشركات التي ستتجرأ على تحدّي العقوبات الأمريكية والأوروبية على التنظيم العسكري ـ السياسي الذي يشكّل ذراع السيطرة السياسية الإيرانية في لبنان.
حصول العملية على شكل استعراض سياسيّ كبير، رفعت فيه أعلام الحزب وصور رئيس النظام السوري بشار الأسد، بعد إعلان الحكومة، جاء إعلانا عن القوة الفائضة التي يملكها التنظيم.
لقد كان دور الحزب في الموافقة على تشكيل حكومة ميقاتي (وفي إعاقة تشكيل حكومتي مصطفى أديب وسعد الحريري) معلوماً، ولكنه كان يفضّل، لأسباب عديدة، إبقاء ذلك الدور الرئيسي خفيا بحدود، ليبقى الأمر على أنه صراع بين الرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل، والحريري، فما الذي يدفع الحزب للقيام بهذا الاستعراض السياسي الكبير، رغم ما فيه من إحراج لعون وميقاتي؟
المفارقة الكبيرة هنا أن هذا الاستعراض الذي قام به الحزب علنا، يتناقض مع ما قام به سرا على مدى السنوات الماضية، حين كانت صهاريج مماثلة، وبحماية من الحزب نفسه، تعمل على تهريب الوقود اللبناني المدعوم من الحكومة إلى سوريا، لدعم النظام المتهالك هناك، وإفلاس خزينة الدولة اللبنانية هنا!
لقد حوّل إفلاس الدولة اللبنانية، الذي جرى لعقود من النهب المكثف على يد الطبقة السياسية الحاكمة، الصراع الذي كانت تستخدم فيه الصواريخ والمدافع والبنادق إلى صراع على المازوت والغاز، وفي مواجهة استغلال الحزب للتدهور الاقتصادي لتوظيف الوقود الإيراني في المعادلة السياسية اللبنانية، قام خصومه بدورهم بالتفكير في حلّ معقّد يتمثل في محاولة تمرير الغاز المصري (الذي يؤكد باحثون عديدون أنه غاز إسرائيلي) إلى لبنان عبر الأردن ثم سوريا، في تجاوز لقانون قيصر الشهير، وفي طريقة لإنجاز تطبيع مزدوج، بحسب اتجاهات الأطراف، مع النظام السوري، من جهة الأمريكيين، ومع إسرائيل من جهة نظام الأسد، ومع كل هؤلاء، من جهة المنظومة اللبنانية!
لا تجد الحكومة اللبنانية، في ظل هذا الإفلاس السياسي والاقتصادي والأخلاقي، غطاء تتغطى به، فما عليها سوى أن تتلقى الصفعات، فيما يسخر اللبنانيون من أداء وزرائها، المشغولين بحكايات كليلة ودمنة، وبالأكاذيب حول الصين وفرنسا، وبمطالبة وزير إعلام لصحافيين مثله، بعدم القدوم إلى بلده إذا كانوا من «المبشرين بالجحيم» ناسيا أن رئيس البلاد هو واحد من كثيرين، قالوا إن البلاد تسير إلى الجحيم!
القدس العربية