جاء التحالف الأمريكي ـ البريطاني ـ الأسترالي في مواجهة الصين، وإلغاء صفقة غواصات فرنسية لكانبيرا (واستبدالها بغواصات نووية أمريكية) على شكل مفاجأة كبرى لقيادة إيمانويل ماكرون الفرنسية، الطامح بقوة لدور عالميّ لبلاده، والراغب بتحقيق نتائج تعيده مجددا للرئاسة في الانتخابات العام المقبل.
جرى ذلك في وقت لم يكن العالم قد استوعب بعد تداعيات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، والمفاجأة (للجميع هذه المرة) التي شكلها استيلاء طالبان السريع جدا على السلطة في كابول، وقد استقبل الأوروبيون (كما الجمهور الأمريكي) وكذلك قوى عالمية وإقليمية كبرى، كروسيا والصين والهند هذه المفاجأة بمناشدات إلى طالبان بتشكيل حكومة شاملة، وبمراعاة حقوق المرأة، مع محاولات واضحة، من قبل بكين وموسكو، لمحاولة استغلال الفراغ الذي شكّله الانسحاب.
انعكست السياسات الأمريكية الجديدة في ظل جو بايدن على بعض البلدان العربية، وكان هناك دور فرنسيّ لافت في هذا السياق، فقد شهدنا رعاية فرنسية ـ إيرانية لمؤتمر دوليّ في بغداد، وهو ما اعتبر إعادة للعراق على الخارطة الإقليمية، كما شهدنا رعاية فرنسية ـ إيرانية أخرى ساهمت، بعد انتظار 13 شهرا، في تشكيل حكومة نجيب ميقاتي اللبنانية، وكان لافتا أن الأخير، تحدّث أمس عن جولة خارجية له «لتفعيل التسوية الدولية ـ الإقليمية».
كان هناك حركة أيضا ضمن المحور المصري ـ الأردنيّ الذي أراد، على ما يظهر، الاستثمار في السياسات الأمريكية الجديدة، في تحريك المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، وحركة أخرى باتجاه تمرير الغاز المصري عبر الأردن وسوريا إلى لبنان، مع ما يحمله ذلك من إمكانيات «تطبيع» عربيّ ودولي مع النظام السوري، وهو ما واجهته إيران بإدخال شحنات الوقود إلى لبنان، أيضا عبر سوريا، بحيث بدا الأمر كمنافسة على إظهار من يملك نفوذا أكبر على ملفّي النظامين المتهالكين في سوريا ولبنان.
أعطى موضوع المفاوضات مع طالبان، ومآلات الأوضاع في أفغانستان، مصداقية كبيرة للسياسة القطرية، التي كانت الراعي لتلك المفاوضات، والوسيط الرئيسي في التعامل مع طالبان، ولم تتردد الإمارات كثيرا في محاولة التأثير في الملف الأفغاني، عبر استقبالها الرئيس الأفغاني الهارب أشرف غني، من جهة، وفي إرسالها طائرة مساعدات إلى أفغانستان، من جهة أخرى.
ضمن حركة لاستباق تداعيات الحدث الأفغاني بدا أن أبو ظبي تعيد تقييما شاملا لسياساتها الخارجية، وقد انعكس ذلك بفتح الخطوط السياسية مجددا مع تركيا وقطر.
السعودية، التي فوجئت بسحب بطاريات باتريوت الأمريكية من أراضيها، والسماح بنشر الوثائق السرّية التي تخصها في موضوع هجمات أيلول/سبتمبر 2001، قامت بدورها بإعادة إحصاء خسائرها، وبعد مبادرتها المهمة لتخفيف التوتر الخليجي وفك الحصار عن قطر، بدأت بإعادة ترتيب أوراقها مجددا، لاستيعاب التطورات العالمية والتفاعل معها.
هناك ملفّات عربيّة أخرى ما تزال مفتوحة، ويلفها غموض تداعيات انشغال أمريكا بشؤون الصين، ومنها الملفان الليبي والتونسي، والواضح أن فرنسا وروسيا والصين، تتأهب كل واحدة من جهتها لتمكين أوضاعها وتحضير أوراقها إلى أن تتضح الصورة بشكل أكبر.
القدس العربي