جنين– ما إن ذكر اسم مدينة جنين (شمال الضفة الغربية) حتى استحضرت معه “برقين” تلك القرية الرابضة على يمين المدينة وكأنها أحد جناحيها تخفي وراء هدوئها وجمال طبيعتها عنفوانا ضد الاحتلال الإسرائيلي قل نظيره بين البلدات الفلسطينية، حتى أضحت هدفا لجنوده واقتحاماتهم اليومية.
وأعادت الأحداث الأخيرة، من توغلات واعتقالات واستشهاد 3 شبان في أقل من أسبوع، اسم برقين للصدارة، فتداوله الإعلام الإسرائيلي محرضا ضد القرية ومعتبرا إياها “وكرا للإرهاب” وقاعدة لتشكيل خلايا للمقاومة.
آخر مشاهد الإجرام
ودل مشهد اعتقال أحد المواطنين في برقين، فجر أمس الخميس، على حجم الاستهداف الذي تتعرض له القرية، فنحو 50 آلية عسكرية توغلت إلى داخلها وداهمت منزل الأسير السابق محمد عيد (41 عاما) ودون سابق إنذار حاصرته بالكامل، وأخذت تطلق الرصاص الحي وقنابل الدخان والصوت صوبه محدثة حالة من الرعب لسكانه.
يقول محمود شقيق الأسير محمد، للجزيرة نت، إنه اعتقال عنيف وغريب أيضا، فأكثر من 20 مرة اقتحم الاحتلال منزلهم خلال العقدين الماضيين “ولم يفعل شيئا مما فعله أمس”.
ويضيف أنه كان يتواصل مع شقيقه محمد عبر الهاتف قبيل اعتقاله، وكان يسمع كيف أمطر الجنود المنزل بالرصاص “وكادوا يقتلون العائلة بأكملها، شقيقي وزوجته و4 أبناء”.
وأجرى الاحتلال -حسب محمود- تحقيقا ميدانيا مع الأب ونجله قبل الاعتقال، وكان يتعمد إلحاق الأذى بالمنزل عبر إطلاق كلابه البوليسية بكل غرفة فيه، والعبث بمحتوياته وتفجير بوابته الرئيسية.
وتجلَّت شراسة المداهمة باغتيال الشاب علاء زيود على بعد 50 مترا من المنزل، يتابع محمود وسط حالة من الذهول، فقد أصاب الجنود الشاب برصاصهم ثم هاجموه وهو ملقى أرضا وواصلوا إطلاق النار عليه من مسافة صفر حتى أردوه شهيدا.
هدف عسكري وتحريض
يصف محمد عتيق الصحفي والناشط الميداني مشهد اقتحام القرية واغتيال الشهيد “بالمرعب والانتقامي” ويقول للجزيرة نت إن جيش الاحتلال يتعامل مع برقين بـ “غل وحقد”.
وذكر أنه وفي المداهمة قبل الأخيرة قبل أيام، أعلن جيش الاحتلال أن جنديين من وحداته الخاصة أصيبا برصاص المقاومة في برقين، فاقتحمها مجددا بدافع الانتقام “وهذا ما سيصعد الوضع ويزيد المقاومة في القرية بأسا”.
واللافت، حسب عتيق، أن برقين لم تخرج مقاومين فقط وإنما حمت آخرين قدموا إليها ومطاردين احتموا بها، ومنهم نصر جرار المعروف بمهندس العمليات الاستشهادية بالضفة وابنه أحمد، ويوسف ريحان (أبو جندل) أحد قادة معركة مخيم جنين خلال اجتياحه عام 2002.
وخاضت برقين المقاومة بكل أشكالها ولا سيما الكفاح المسلح باكرا، فاستشهد نحو 30 من أبنائها خلال انتفاضة الأقصى واعتقل العشرات ونفي بعضهم، وهدمت منازل فيها وشرد أصحابها، وخرجت منها العمليات الاستشهادية وأشهرها عملية صفد عام 2002.
وخلال سبتمبر/أيلول الماضي لم تهدأ برقين ولم يصفُ ليلها أو نهارها بفعل اقتحامات الاحتلال وتصعيده ضدها خشية وصول أسرى “نفق الحرية” إليها أو إلى مخيم جنين الذي يتشابك عمليا معها.
وبهذا يرى ياسر مناع، المختص بالشأن الإسرائيلي، أن برقين وبحكم اتصالها الجغرافي بمخيم جنين سهلت عملية تنقل المقاومين واستخدام أسلوب الكر والفر بمقاومة الاحتلال، إضافة إلى أن البلدة كانت مأوى ودرعا حصينا للمطاردين على مدى سنوات طويلة.
ولهذا جعلها الاحتلال هدفا عسكريا له، وحرض عليها أكثر بعد أن زعم أنه عثر على سلاح فيها، وفق مناع.
ضربة “للموقع الإستراتيجي”
ومن الاقتحام المباشر انتقل الاحتلال لتوغل “فرق الموت المتخفية” كما يقول الصحفي في برقين عبد الباسط خلف، ويضيف للجزيرة نت أن الاحتلال، وكما أكدت تصريحات إعلامية لقادته، أراد توجيه “ضربة” لجنين ومخيمها وقراها.
ولتفادي اقتحام جنين ومخيمها صعَّد الاحتلال ضد برقين، فقتل اثنين من أبنائها وثالثا جاءها مدافعا من قرية السيلة المجاورة خلال الأسبوع الماضي، واعترف الاحتلال بإصابة ضابط وجندي بعملية وصفها إعلامه بـ “المعقدة”.
ويقول خلف إن برقين تتأثر بكل ما يحدث في جنين ومخيمها، فخلال اجتياح 2002 وصل الرصاص بيوتها وجثمت الدبابات العسكرية فوق أراضيها وقطعت أوصالها.
وانخرطت برقين، التي يبلغ سكانها حوالي نحو 8 آلاف نسمة، بمقاومة المحتلين منذ ثورة البراق عام 1929، وشاركت في ثورة عز الدين القسام من خلال ابنها حسن الباير الساعد الأيمن للقسام، وارتقى منها نحو 55 شهيدا خلال ثورة 1936، والنكبة في حيفا وقرى جنين، وأثناء النكسة وانتفاضتي الحجارة والأقصى، واعتقل المئات من أبنائها.
وهذا الموقع الإستراتيجي لقرية برقين، لا سيما منطقة الواد التي توصف بأنها الشريان الحيوي مع مخيم جنين، جعلها تتصدر مشهد الإيواء والمساندة لأهالي المخيم خلال اجتياحه عام 2002 ورفدهم بكل احتياجاتهم، على حد قول خضر عدنان القيادي بحركة الجهاد الإسلامي وابن المنطقة.
يقول عدنان للجزيرة نت “يعجز الاحتلال عن الاشتباك داخل المخيم المكتظ والمليء بالسلاح، فيستدرج المقاومين لخارجه وخاصة منطقة برقين ذات المنازل المتباعدة والكثافة السكانية الأقل”.
وبالتالي، يكون الاحتلال قد استعد لكل السيناريوهات وأجرى لها مسحا أمنيا ونشر قناصته وقواته الخاصة “ولاحظنا ذلك في الاقتحام الأخير وارتقاء شهيد” والمطلوب من المقاومة “تغيير تكتيك المواجهة بين الحين والآخر” وفق عدنان.
المصدر : الجزيرة