بعد الانتخابات في العراق: مقتدى الصدر على المحك!

بعد الانتخابات في العراق: مقتدى الصدر على المحك!

يعزو مراقبون فوز التيار الصدري في الانتخابات العراقية الأخيرة إلى فهمه “مزاج الشارع العراقي” واستفادته من سلبية الأغلبية الصامتة. ولكن، لماذا خسرت قوى شيعية أخرى؟ وكيف سيكون شكل الحكومة المقبلة؟ وما حظوظ الكاظمي للبقاء في منصبه؟

* *
الانتخابات البرلمانية في العراق انتهت، والنتائج الأولية ظهرت معلنة فوز التيار الصدري، مقابل هزيمة مدوية لقوى شيعية أخرى قريبة من إيران. وتشكك هذه القوى في نزاهة الانتخابات، وتقول فايولا فون كرامون، رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة العملية الانتخابية، إنه “يمكن الطعن بالنتائج، لكنّ ما لاحظناه -من الناحية التقنية- هو أن (العملية) كانت هادئة ومنظمة”. ومن مدينة النجف، يدعو الفائز، مقتدى الصدر، إلى الهدوء.
وكان مقتدى الصدر يعد بالتغيير منذ سنين، ولا تغيير يحدث. وتؤكد القيادات في تياره التي تملك السلاح والمال بقوة أن رئيس الوزراء المقبل سيكون من التيار الصدري نفسه.
مقتدى الصدر، صانع رؤساء الحكومات، هو نفسه زعيم متوج بإرث أبيه الذي قتل مع شقيقين أكبر من مقتدى في تسعينيات القرن الماضي على يد نظام صدام حسين. وعلى الرغم من الفارق الكبير في أسلوب القيادة والكاريزما التي كان يمتلكها والده وثباته على مواقف سياسية في مواجهة نظام صدام، مقارنة بالمواقف المترددة التي تحسب على مقتدى الصدر، فإن التيار يفوز تحت قيادته في كل انتخابات بمقاعد أكثر في البرلمان. وربما يكون ما ساعده هذه المرة على تجاوز تياره عتبة السبعين مقعدا، هي نسبة المقترعين المنخفضة التي بلغت 41 بالمائة، والأغلبية الصامتة التي فقدت الأمل في أي تغيير جذري في العملية السياسية.
هل جاءت النتائج مفاجئة؟
بحسب النتائج الأولية للانتخابات، فإن التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر تقدم على جميع القوائم المتنافسة وحقق 73 مقعدا في البرلمان العراقي الجديد المكون من 329 نائبا، فيما حل تحالف “تقدم” بزعامة محمد الحلبوسي ثانيا، وحصد 41 مقعدا، وجاء “تحالف دولة القانون”، بزعامة نوري المالكي، ثالثا بـ37 مقعدا. وحصد الحزب الديمقراطي الكردستاني 32 مقعدا، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني 15 مقعدا، وحصل تحالف “عزم” بزعامة خميس الخنجر على 20 مقعدا، وتحالف “الفتح” الذي يمثل بعضا منه قوى في الحشد الشعبي، إضافة إلى “منظمة بدر” و”عصائب أهل الحق” على 14 مقعدا.
أما “امتداد”، وهي حركة سياسية جديدة تقول إنها منبثقة عن الحركة الاحتجاجية، فقد حققت خرقاً في البرلمان بحصولها، وفق احتساب أجرته وكالة “فرانس برس”، بناء على النتائج الأولية، على عشرة مقاعد، لا سيما في محافظات جنوبية. وقد اعتبر آخرون من النشطاء هذا “الخرق” بمثابة “هزيمة” للحراك الذي خرج مطالبا بالتغيير.
كما حذر الدكتور حارث حسن، الباحث في مركز مالكوم كير-كارنيغي، القوى المنبثقة عن الحراك من السقوط في الفخ نفسه الذي سقطت فيه حركة التغيير في كردستان العراق، حين كانت تنادي بالإصلاح وتجاوز “هيمنة الأسرتين الحاكمتين، فتنامت شعبيتها بسرعة حتى أنها تجاوزت (حينها) مقاعد الاتحاد الوطني الكردستاني وأصبحت ثاني أكبر حزب في كردستان، ولكن بعد دخولها في معادلة المحاصصة وتوزيع المناصب، وبعد وفاة زعيمها الكاريزمي، انتهت إلى ما انتهت إليه الآن: أكبر الخاسرين في الإقليم”، بحسب ما كتب الباحث على موقعه في “فيسبوك”.
الكل في الحكومة ومعارض!
كان فوز التيار الصدري متوقعا، فهو التيار الوحيد بين كل القوى السياسية في العراق الذي يحصد تصاعديا المزيد من المقاعد في البرلمان، ما يشير “إلى ذكاء التيار في طريقة إدارة الملف الانتخابي”، بحسب المحلل السياسي نزار حيدر. أما احتلال “تحالف دولة القانون” المرتبة الثانية في ترتيب القوى الشيعية، و”الفتح” المرتبة الثالثة، فكان مشكوكا فيه. وكان تحالف “الفتح” يراهن على سمعة “الحشد الشعبي” الذي هزم -جنبا إلى جنب مع القوات الحكومية- تنظيم “داعش” الإرهابي وحرر أراض كان يحتلها التنظيم.
بيد أن توجيه أصابع الاتهام إلى جهات تابعة له مقربة من إيران في اغتيال متظاهرين شباب مطالبين بمكافحة الفساد والحصول على وظائف، في تشرين الأول (أكتوبر) 2019، أفقد التحالف زخما كبيراً، إضافة إلى أن المرحلة الجديدة مختلفة تماما عن مرحلة حمل السلاح والكفاح ضد التنظيمات الإرهابية. ويذكر أن جزءا كبيرا من الحشد الشعبي غير قريب من إيران ويستمع إلى صوت المرجعية الدينية الشيعية في العراق ولم يدخل العملية السياسية من بوابة حمل السلاح.
يرى مراقبون أن المرحلة المقبلة ستشهد الكثير من التصعيد بين الأطراف الشيعية، ممثلة بالتيار الصدري، وتحالف “الفتح”، وتحالف “دولة القانون” وقوى أصغر. وسيخضع مقتدى الصدر إلى اختبار صعب، وستكون أمامه احتمالات أسهلها معقد. الاحتمال الأول أن يفي مقتدى الصدر بالوعود التي لا يكف عن إطلاقها، معلنا فيها عن وطنيته وعبوره المحاصصة الطائفية، فيذهب في المرحلة المقبلة إلى دعم تشكيل حكومة بأغلبية وطنية بعيدة عن المحاصصة الطائفية، ويختار شركاء في بناء الحكومة من غير القوى الشيعية، كتحالفي “الفتح” و”دولة القانون”، مفضلا الدخول في ائتلاف حكومي مع قوى سنية وكردية.
أما الاحتمال الثاني، فيتمثل بعدم الخروج عن الإطار الطائفي والعودة إلى إنتاج الحكومات السابقة نفسها مع اختلافات بسيطة، تعتمد على التوزيع الطائفي والإثني. وتجدر الإشارة إلى أن النظام الديمقراطي في العراق هو نظام توافقي، حيث تكون لكل القوى الجالسة في البرلمان مقاعد في الحكومة، وتكون الحكومة صورة مصغرة للبرلمان. وبذلك يكون الكل في الحكومة والمعارضة في الوقت نفسه! لكن الاختلاف هذه المرة في أن الانتخابات أفرزت ثلاث قوى رئيسية، ستغير من الأدوار والحصص في الحكومة وإدارات الدولة، وهي التيار الصدري، وتحالف “تقدم” بقيادة رئيس البرلمان المنحل، محمد الحلبوسي، الفائز الأكبر بين القوى السنية، والحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة البرزاني، ممثلا عن القوى الكردية. وستشكل هذه القوى السياسية العمود الفقري للحكومة القادمة، لكن بقيادة من؟
الكاظمي واحتمال البقاء في المنصب
يلعب مقتدى الصدر دور صانع رؤساء الحكومات، وتؤكد قيادات في تياره أن رئيس الوزراء المقبل سيكون من تيارهم، فهل هذه مجرد تصريحات تهدف إلى رفع سقف المطالب؟
ومن جانبه، يرى المحلل السياسي المقيم في واشنطن، نزار حيدر، أن التيار الصدري لن يرشح اسما لشغل منصب رئيس الوزراء، وإنما سيبقي على اسم مصطفى الكاظمي مرشحا محتملا للمنصب. ويضيف “أن القوى الدولية والإقليمية تؤيد الكاظمي، سواء العواصم الأوروبية، أو واشنطن أو العواصم الخليجية”.
يذكر أن الكاظمي قد طلب من التيار الصدري العودة إلى الترشح في الانتخابات بعد وعد قطعه السيد مقتدى الصدر بعدم الدخول في العملية السياسية. وبعد عودة السيد مقتدى الصدر عن قراره، عاد الكاظمي وشدد على أن “عودة التيار الصدري للمشاركة في الانتخابات هي “خطوة جيدة أضافت زخماً” للاقتراع، وهو ما يفهمه مراقبون على أنه تفاهم متبادل بين الكاظمي ومقتدى الصدر الذي امتدح إدارة الحكومة لملف الانتخابات.
الكاظمي الذي لا ينتمي إلى حزب أوتيار سياسي وجاء بعد الحراك الشعبي في الجنوب الشيعي وبغداد، والذي طالب بمكافحة الفساد، جاء من منصب رئاسة المخابرات إلى رئاسة الوزراء مباشرة، كصانع سلام ومحافظ على الوضع الراهن من الانهيار. ويمكن أن يمثل خيارا قادما، خصوصا وأن القوى السياسية “الأخرى، السنية والكردية، راضية عن أدائه”، بحسب المحلل السياسي حيدر.
إيران وموقفها من النتائج
لم يظهر أي تعليق رسمي من الجانب الإيراني على نتائج الانتخابات حتى الآن. غير أن تحالف “الفتح” القريب من إيران سارع إلى الاعتراض على النتائج بعد الهزيمة والحصول على 14 مقعدا فقط من مجموع مقاعد البرلمان البالغة 329 مقعدا. والتحالف الذي كان يراهن على النصر في مواجهة تنظيم “داعش” الإرهابي ونجح في الحصول على الترتيب الثاني في الانتخابات السابقة، فشل كما يبدو في فهم مزاج الشارع.
ومن جهته، قال أحمد الأسدي، المتحدث باسم تحالف “الفتح”، إن اعتراض التحالف على النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية المبكرة “ليس موجها إلى أي كتلة، ولكن يجب أن تكون النتائج شفافة وواضحة لإقناع الجماهير”. وقال الأسدي للصحفيين: “لن نفرط في صوت واحد من أصوات الحشد، ولن نتراجع وسندافع عن أصوات كل جماهيرنا”.
لكنّ المحلل السياسي نزار حيدر يرى أن إيران لا تملك أي أوراق في هذه المرحلة للتأثير على تشكيل الحكومة واختيار رئاسة الوزراء في العراق، “فهي مشغولة بمشاكلها الداخلية والخارجية قرب حدودها، من أذربيجان إلى تركيا وأفغانستان”.

الغد