بين تخفيف الواقعة من جانب شرطة أبو ظبي، وتهويل آثارها والتهديد بعمليات أخرى وشيكة وموجعة من جانب جماعة الحوثي اليمنية، يشكل استهداف منطقة مصفح الصناعية ومحيط مطار أبو ظبي تحولاً نوعياً في مشهد النزاع اليمني عموماً، وقواعد الاشتباك بين الحوثيين والإمارات بصفة خاصة. وما يتحول اليوم بين صنعاء وأبو ظبي ليس تطوراً منعزلاً في الزمان والمكان، ومن غير المنطقي أن تكون بعيدة عنه كامل عناصر التورط الإقليمي على الأرض اليمنية، وسائر أوراق الاستقواء والضغط والمساومة التي تقبض عليها إيران من جهة، وتحالف السعودية – الإمارات من جهة مقابلة.
صحيح أن القتلى والجرحى الذين أوقعتهم هجمات المسيّرات على محروقات المصفح ليسوا أقل من أصداء مباشرة للمواجهات العسكرية في منطقة شبوة اليمنية حيث تخوض «ألوية العمالقة» معارك شرسة مع جماعة الحوثي بدعم مباشر من الإمارات، وأن خسائر الحوثيين على أرض المعارك وفي مأرب على وجه الخصوص يمكن أن تنقلب في تقديراتهم إلى انتصارات معنوية عبر مسيّرات تستهدف العمق الإماراتي. ولكن من الصحيح تماماً في الواقع أن أي شدّ وجذب على أرض اليمن لا يجوز استبعاد بواعث انطلاقه من طهران والرياض وأبو ظبي، سواء بسواء.
ومن جانب آخر، إذا كان استهداف الحوثيين للعمق الإماراتي ليس جديداً بمعنى العمليات المنفردة، والسوابق فيه تشير إلى ضربات طالت مطارَي أبو ظبي ودبي وحقل الشيبة ومحطة براكة للطاقة النووية خلال أشهر 2017 و2018 حسب مزاعم الحوثي، فإن إعلان الإمارات تقليص وجودها العسكري في اليمن سنة 2019 كان مناورة خادعة قصيرة العمر لأن استمرار بقاء أبو ظبي في قلب المعادلة الداخلية اليمنية تواصل عبر الميليشيات الموالية في المنطقة الشرقية والجنوبية وفي عدن وموانئ بلحاف والمخا. وهكذا فإن لجوء الحوثي اليوم إلى استهداف الإمارات أشبه بإعادة عقارب الزمن إلى بواكير التدخل الإماراتي في اليمن، وإلى قواعده الأولى.
جانب آخر لا يقل أهمية هو أن الهجمة الحوثية الأخيرة تعكس حالة ارتباك في صفوف الجماعة، تبدأ من الخسائر العسكرية على الأرض، وتمرّ بالتخبط في سياسات إدارة المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثي في الميادين المعيشية والصحية، ولا تنتهي عند الارتباط الوثيق بين اعتماد الجماعة المفرط على طهران والمصاعب الكثيرة التي يواجهها الضامن الإيراني ذاته. وإذا صحّ أن الهجمات هذه يمكن أن تلحق الأذى المعنوي والقليل من الضرر المادي، فإنها في نهاية المطاف يصعب أن تُترجم إلى ورقة سياسية وعسكرية ضاغطة بما يكفي لترجيح الكفة الحوثية.
ولا يُنسى في هذا الصدد أن خيارات إيران في اليمن، مثل خياراتها في العراق وسوريا ولبنان، تظل أسيرة ما تشهده مفاوضات فيينا من جمود أو حلحلة على صعيد التوصل إلى اتفاق جديد بصدد البرنامج النووي الإيراني، ثم رفع ما تستطيع طهران إقناع واشنطن برفعه من عقوبات اقتصادية. وهذا سياق يتجاوز مطارات صنعاء وأبو ظبي ودبي، لأنه بعيد المدى وعابر للقارات.
القدس العربي