ألقت التظاهرات التي شهدها العراق خلال الأيام الماضية بثقلها على حياة العراقيين، حيث أسهمت اعتصامات المتظاهرين بقطع الشوارع، مما تسبب بزحمة خانقة في بعض المناطق القريبة من مواقع تظاهر مناصري زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر من جهة، وأنصار “الإطار التنسيقي“، كما يخشى العراقيون أن ينتقل الصراع من التظاهر السلمي إلى استخدام العنف المسلح مما قد يهدد سير الحياة العامة ويعطل عمل المؤسسات وصولاً حتى إلى انهيار الدولة.
تأثيرات في حياة العراقيين
اعتبر الباحث العراقي صالح لفتة، أن “التظاهرات تؤثر في حياة جميع العراقيين، إذ قطعت الشوارع وأوقفت بعض الأعمال وعطلت الحياة السياسية وزادت الإحباط العام بعدم وجود حلول مستقبلية لمشكلات العراق واليأس من الطبقة السياسية قاطبة، وهي تزيد الأوضاع بالنسبة إلى مستقبل البلد قتامةً”.
وزاد لفتة أن “القصد ليس التقليل من أهمية التظاهرات وما نتج منها من تغيير أنظمة وتصحيح مسارات دول والأمثلة كثيرة خصوصاً إذا كانت عفوية ويشترك فيها الملايين من مختلف الاتجاهات والمستويات، لكن في العراق الوضع مختلف، إذ إن التظاهرات تشترك فيها الأحزاب التي تمثل السلطة، بالتالي لن تصل إلى نتيجة مرضية للشعب وإنما تمثل مصالح خاصة ومطالب مرتبطة بجهات معينة، ولا يعلم أحد ما تريده الأحزاب وما تقتنع به، وإلى أي مدى هي مستعدة للذهاب بتحريك قواعدها”.
وأضاف أن “الجماهير وتحركاتها لها أعظم التأثير في صنع القرارات وفي وضع السياسات وفي التأثير في طبيعة النظام القائم لكن تكرار التظاهرات والاحتكام إلى الشارع وجر كل طرف أنصاره للتظاهر في الشارع لأي سبب كان، لن ينتج منه غير الاحتقان والتمزق المجتمعي وتراجع العراق على المستويات كافة ونقص الخدمات المقدمة للناس وعدم إقرار القوانين التي تهم المواطن وتخلخل النظام السياسي القائم”.
الخوف من المستقبل
أما الباحث السياسي، علي البيدر، فرأى أنه “من الناحية المعنوية من الممكن أن تسبب تلك التحركات في الشارع قلقاً لرؤية المجتمع في المستقبل، وهذا ما يجعل الناس يتخوفون”، مبيناً أن “بعض العوائل غادرت العاصمة منذ بدء التظاهرات”.
وتابع البيدر أن “القضية الأخرى هي أنه قد تتسبب تلك التجمعات بتعطيل مصادر دخل شريحة واسعة من العراقيين ذهبوا امتثالاً لأوامر بعض الأطراف وهم لا يمتلكون قوت يومهم خصوصاً أولئك الذين يعملون بالأجر اليومي”.
وزاد أنه “بشكل عام، أدت هذه التحركات إلى شل الحركة وتوقف السوق بسبب قطع الطرق والخوف من المقبل، حيث أصبح بعضهم ينظر إلى تلك التجمعات على اعتبارها بداية لأزمات أكبر، مما جعل كثيرين يؤمنون على ما يمتلكون من أموال مخافة من حدوث ما هو أسوأ”.
وأشار إلى أن “التظاهرات عطلت اكتمال إجراءات تشكيل الحكومة وتأخر إقرار الموازنة وهو ما أسهم في خلو السوق من الأموال”.
حذر وترقب
وحول تأثير التظاهرات على حياة العراقيين أجاب الباحث السياسي والاقتصادي نبيل جبار العلي، بأن “العراقيين يراقبون التظاهرات بكثير من الحذر والترقب، خصوصاً مع تزايد الدعوات السياسية المتكررة للتظاهر، و قد يرى كثير من الناس أن استمرار التظاهر قد يكون مرحلة تحشيد وتهيئة قد تسبق مرحلة استخدام العنف والسلاح”.
أما على الصعيد الاجتماعي، بحسب العلي، فإن “دعوات التظاهر اجتذبت القواعد الحزبية بالدرجة الأولى، ولم تجتذب الرأي العام أو الأغلبية الصامتة إلا بدرجات محدودة ضيقة، على الرغم من محاولة أطراف الصراع كسب ود الطبقات الاجتماعية المختلفة، إلا أنها أبقت حجم إسهام الرأي العام قليلاً وغير منظور.
ويخشى العراقيون أن ينتقل الصراع من التظاهر السلمي إلى استخدام العنف المسلح، ما قد يهدد سير الحياة العامة وتعطيل عمل المؤسسات أو إلى ما هو أبعد المتمثل بانهيار الدولة، خصوصاً وأن أطراف النزاع هم ممن يمتلكون ميليشيات وأجنحة مسلحة”.
وأضاف العلي “قد تكون المخاطر أكبر والمخاوف أوسع في المجتمعات الراعية والحاضنة لعناصر المجاميع المسلحة (المناطق المغلقة ذات الأغلبية الشيعية)، فعادةً ما يكون البيت الواحد والأسرة الواحدة منقسمة الولاء بين أطراف عدة، تمثل اليوم طرفي النزاع، مما قد ينذر بانتقال الصراع إلى صلب الأسر الشيعية في بعض الأحيان”.
الأغلبية الصامتة
أما في المناطق التي تضم أغلبيات سنية أو كردية، فاعتبر العلي أنها “من أقل المتأثرين بالصراع الحالي، أو ممن يراقب الصراع لمعرفة نتائجه على المستقبل السياسي أو مدى تأثير ذلك في القرار السياسي المقبل، وقد يكون الرأي القائل إن لطرفي الصراع الشيعيين تأثير سلبي في التعامل مع بقية المكونات الاجتماعية في العراق (هذا ما يثبته تاريخ سلوكهما السياسي)، وأن الوقوف كعنصر محايد في الصراع يمثل الموقف الأفضل، ويبقى التساؤل حاضراً حول مستقبل المكونات الأخرى في حال انتصر أحد الصفين المتصارعين”.
وأقر المتحدث بأن “الرأي العام والأغلبية الصامتة لم تتعاطف كثيراً مع دعوات التظاهر من طرفي النزاع إلا بشكل محدود، خصوصاً الفئات التي تفاعلت مع تظاهرات أكتوبر (تشرين الأول) 2019، وقد يعود السبب إلى عدم الاطمئنان وغياب الثقة بمشاريع الطرفين المتخاصمين، أو قد يكون لأسباب تتعلق بعدم وضوح الصورة حول المستقبل السياسي في ظل نظام سياسي وأطراف سياسية متناقضة في سلوكياتها ومتزاحمة ومتصارعة على السلطة بالدرجة الأولى”.
على الصعيد الاقتصادي، لفت العلي إلى أن “الأسواق تواجه اليوم حالة من الركود والانكماش بفعل حال عدم الاطمئنان واليقين التي تواجهها الأسواق نتيجة توتر الوضع السياسي، فالأسواق التجارية المتخصصة ببيع السلع الكمالية ظهرت عليها ملامح الركود بالدرجة الأولى، كذلك تقارير أخرى تتحدث عن حالة ركود تشهدها الأسواق، لكن تبقى هذه الحالة مؤقتة ولم تصل إلى مرحلة الظاهرة”.
اندبندت عربي