الباحثة شذى خليل*
للازمة في أوروبا صدى كبير واضطرابات عصفت باقتصاديات اوروبا والعالم اجمع، حيث أصبحت ازمة مزمنة، فمنطقة اليورو تعاني الركود و ارتفاع مستويات الدين الحكومي ومعدلات البطالة في زيادة مستمرة ، و التضخم وصل الى مستوى قياسي بسبب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، والعقوبات الغربية عليها.
هنا يعاني اقتصاد الاتحاد الأوروبي من الركود خلال العام الجاري، و النشاط الاقتصادي تراجعا متزايدا العام المقبل، اذ ان دخول منطقة اليورو في ركود اقتصادي “ضحل” ناتج عن ارتفاع أسعار الطاقة، وفقاً لتوقعات خبراء اقتصاديين في مجموعة ” يو بي إس” (UBS Group AG).
ان الاقتصاد بمنطقة اليورو المؤلفة من 19 دولة سينكمش بنسبة 0.1% في الربع الثالث و 0.2% في الربع الرابع، من السنة ، تم خفض توقعات النمو لعام 2023 إلى 0.8% من 1.2%..
اوضح الاقتصاديون بقيادة راينهارد كلوز: “في ضوء الزيادات الكبيرة بأسعار الطاقة، والتي تنطوي على مزيد من الضغط على استهلاك الافراد او المواطنين والاستثمار الثابت، نتوقع الآن أن تعاني منطقة اليورو من ركود تقني”.
ومن المتوقع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، لكن لن يكون هناك نقص حاد. إذ أصبح توزيع الغاز بموجب الحصص ضرورياً، “فمن المرجح أن يكون الضرر الاقتصادي أسوأ بكثير” حسب المحللين، في حين كان الاقتصاديون في “مورغان ستانلي” أكثر تشاؤماً، وتوقعوا حدوث انكماش أعمق في منطقة اليورو أكثر من السابق، بدءاً من الربع الرابع.
اما المحللون بقيادة ينس إيزنشميت: “فتوقعوا تأثيرا طويل الأمد لأزمة الطاقة في العام المقبل، مع استمرار ارتفاع الأسعار وعدم اليقين بشأن إمدادات الطاقة حتى شتاء 2023-24″.”ليس كل شيء قاتماً، وما زلنا نعتقد أن انتعاشاً سيعقب المرحلة الحالية مدفوعاً بالتعافي في الاستثمار الخاص والعام”.
تراجع اليورو
ان الكلفة الضخمة للحرب الروسية على أوكرانيا تحرج الاقتصادات الأوروبية وتجعلها بمواجهة حقيقية لازمة مزمنة ، حيث يرتفع الدولار إلى أعلى مستوياته منذ العام 2020، بينما يتراجع اليورو إلى قرابة دولار واحد في وقت لا يستطيع فيه البنك المركزي الأوروبي رفع سعر الفائدة المصرفية خوفاً من الوقوع في حفرة التضخم. وحسب بيانات يورو ستات بلغ معدل التضخم في منطقة اليورو 7.5%، وهو أعلى معدل تشهده أوروبا.
وأيضا سيزيد من أعباء مالية ضخمة إلى ميزانيات الدول الأوروبية ويرفع من كلف الاستدانة التي يجب ان تحصل عليها دول المجموعة الأوروبية خلال العام المالي الجاري. وتعاني دول الاتحاد الأوروبي الـ27 ودول منطقة اليورو الـ19 من أزمة ارتفاع الديون السيادية، حيث بلغت ديون الكتلة الأوروبية كنسبة من إجمالي الناتج المحلي نحو 88.1% حسب بيانات يورو ستات.
ويعد هذا وضعا خطرا بالنسبة للاقتصادات الأوروبية التي تلقت أزمات متلاحقة ، التي لم تتعاف بعد من جائحة كورونا وأزمة ديون اليورو التي ضربتها في العقد الماضي وأدت إلى إفلاس اليونان وكادت أن تفلس العديد من البنوك. ولا يستبعد محللون أن يقود ضعف الاقتصادات الأوروبية إلى هروب الاستثمارات من دول الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة بسبب البحث عن العوائد في العملات القوية وعلى رأسها الدولار.
بالإضافة إلى عامل تراجع سعر صرف الدولار، وعدم وضوح التكهنات والتوقعات في المستقبل القريب الذي يتفاعل مع الحرب الروسية الشرسة الرامية لاحتلال أوكرانيا او على الأقل أجزاء منها وطموحات الرئيس فلاديمير بوتين في التوسع الجغرافي في دول أوروبا الشرقية.
وهذه التأثيرات الجيوسياسية الكبيرة ترفع من المخاطر التي يتعرض لها المستثمرون الأجانب في أدوات الدين الأوروبية وعلى رأسها السندات السيادية التي تعتمد عليها الحكومات في تمويل الإنفاق بالميزانيات.
ان الحرب الروسية على أوكرانيا رفعت كذلك من ميزانيات الدفاع في دول المجموعة الأوروبية، وتخطط ألمانيا لتحديث جيشها بنحو تريليون دولار.
في ظل كل هذه المخاوف يتوقع الخبير الاستثماري بشركة “آموندي”، فينستا مورتيز، أن “البنك المركزي الأوروبي سيمنح أولوية للحفاظ على كلف الاقتراض المنخفضة لمساعدة الدول بدلاً من رفع الفائدة المصرفية لمكافحة التضخم”. وقال مورتيز في تعليقات نقلتها صحيفة “فايننشيال تايمز” إن مثل هذه السياسة النقدية ربما تدفع سعر صرف اليورو إلى مواصلة التراجع مقابل الدولار خلال الشهور المقبلة”.
و يتوقع الاقتصادي الأماني هولغر شيميدنغ ، أن مخاطر انكماش الاقتصاد الأوروبي في النصف الثاني باتت أكثر احتمالاً”. ويقول شيميدينغ في مذكرته” عمليات الإغلاق الجارية للاقتصاد الصيني والإنفاق الحذر من قبل المستهلكين في أوروبا بسبب ارتفاع فواتير الطاقة والغذاء ستقود بسهولة إلى وقوع الاقتصاد الأوروبي في هاوية الركود”.
ومن المخاوف التي تنذر بـالركود الاقتصادي من غير المستبعد أن يتراجع صرف اليورو مقابل العملة الأميركية إلى أقل من دولار واحد إذا امتد أمد الحرب الأوكرانية إلى السنة المقبله، اذ أن مؤشر الدولار ارتفع في الفترة الماضية إلى أعلى مستوياته منذ ديسمبر/ كانون الأول 2002، مع انخفاض عائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات.
وأيضا من المتوقع أن يرتفع الدولار أكثر ويضغط على سعر صرف اليورو مع تراجع بيانات التضخم. وعادة ما يعني تراجع عائد السندات الأميركية آجل عشر سنوات زيادة مشترياتها من قبل الأجانب والمصارف الاستثمارية الكبرى.
في ذات الشأن، يقول الرئيس التنفيذي لشركة بوش الألمانية، ستيفن هارتنغ، “أوروبا تتجه نحو الركود الكبير”. ويقدر خبراء كلفة الحرب الأوكرانية على أوروبا بأكثر من تريليوني دولار.
جميع المؤشرات تدل على أن الركود سيصل إلى منطقة اليورو، وسط ارتفاعات هائلة في أسعار الوقود، إلى جانب موجة تاريخية أيضا من الجفاف، الذي دفع الحكومة الفرنسية مثلا إلى تقنين الري واستخدامات أخرى غير أساسية.
زادت معاناة الأسر و الشركات ، فالتضخم في أي مكان يلتهم الاحتياطيات المالية بصرف النظر عن نوعية أصحابها.
وفي نفس السياق قالها بوضوح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ، إن زمن الوفرة انتهى، ويجب العيش وفق معطيات جديدة غير مستحبة، لكنها ضرورية، والأمر كذلك في كل دول منطقة اليورو، التي تحاول أن تصمد ليس فقط من أجل دولها وشعوبها، بل من أجل استدامة سمعتها التي باتت محل بعض من شكوك غير متوقعة، خصوصا إذا ما أضفنا الآثار النفسية الضاغطة التي خلفها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “بريكست”.
ختاما ، لن يكون هناك نمو في هذه المنطقة في المستقبل المنظور على الإطلاق، والخوف الأكبر أن تدخل في ركود سيكون مؤلما كثيرا، ولا سيما في فصل الشتاء المقبل، حيث يرتفع الطلب على الطاقة. ومن المشكلات الأخرى التي تواجهها منطقة اليورو، الارتفاع الكبير في تكاليف الخدمات، وفي أسعار السلع الصناعية غير المرتبطة بالطاقة
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية