مع تراجع النشاط السياسي العلني لزعيم التيار الصدري، يبدو أن قوى الإطار التنسيقي التي تكافح لتشكيل حكومة بعد انتهاء «الزيارة الأربعينية»، لا تمتلك إمكانية تكليف رئيس وزراء جديد دون الحصول على «كلمة» ضامنة من الصدر.
ولا تجتمع كل أطراف الإطار التنسيقي على هذا الرأي؛ فثمة قوى مثل «دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، تضغط باتجاه قطع الحوار مع الصدر، وإكمال الاستحقاق الدستوري، وتحمل تكاليف معارضته. وتقول بعض المصادر القريبة من مكتب المالكي إنه أمهل الجميع «أسابيع معدودة للحصول على تسوية مع الصدر، وإلا فإنه سيشكل الحكومة».
لكن الصدر المعتكف، والذي لا يزال يرفض الحوار، يستمع عن طريق وسطاء إلى «عروض تتعلق بشكل الحكومة واسم رئيسها»، لكن لا يبدو أنه يمتلك خطة واضحة للتعامل مع الإطار الآن، حيث يقترب هذا الأخير من الإمساك بالسلطة، ويطلب فقط «فترة انتقالية انسيابية» قبل الانتخابات المبكرة الثانية. وهذه المرة، يحاول الطرفان، السني والكردي، لعب دور الوسيط كنوع من الحماية السياسية قبل الانخراط في صفقة تشكيل الحكومة، وهي وساطة ذات دور مركب، بين إظهار الالتزام السياسي مع الصدر كحليف، وبين الإطار الذي يحتاج شريكاً سنياً متحرراً من قيود زعيم التيار الصدري.
وعلى الأرجح، فإن الصدر فقد زمام المبادرة السياسية والميدانية. فكتلة التيار الصدري لن تعود إلى البرلمان، وجمهورها لن يكرر مشهد اقتحام المنطقة الخضراء، بعد تفشي ما بات يسميه ناشطون بـ«الخذلان والإحباط» في أحداث المنطقة الخضراء، التي كلفتهم عشرات القتلى والجرحى.
ويجد الصدر نفسه إزاء وضع معقد واستراتيجية غير واضحة، وهما عاملان يخمدان فاعليته، مقابل قدرة واضحة من الإطار التنسيقي على الصمود والتكتيك. والصدر في هذه المعادلة التي وضعها بنفسه وبتأثير من قراراته السياسية، يهدي الإطار وجميع خصومه حكومة ستتحكم حتى بمسارات الانتخابات التي يطالب هو بها.
ويبقى للصدر أن يلعب ورقة تختمر في أوساط الفعاليات الشعبية، ومن بينها قوى «حراك تشرين»، من خلال إعلان العصيان المدني، الذي لو تحقق فإنه سيشل الحكومة التي يريد الإطار التنسيقي تشكيلها. وهذا على الأقل ما يفكر به الصدريون ويستعد لاحتوائه الإطار والفصائل الموالية.
وقد يستغرق الصدر وقتاً طويلاً في التحضير لعصيان عام، إذ عليه كسب ثقة الشارع وقواه المدنية والاحتجاجية، والتي تجد صعوبة في التحول من موقف المتردد إلى ظهير شعبي يخدم مصالح الصدر.
ومن الواضح أن الإطار التنسيقي يدرك جيداً الأهمية الاستراتيجية لمنع الصدر من استقطاب الشارع نحو فعل احتجاجي متقدم كالعصيان، وهذا ما تفسره موجة الاعتقالات التي طالت ناشطين وداعمين للاحتجاج، من الصدريين والمدنيين، قبل انتهاء الزيارة الأربعينية.
وإلى جانب ذلك، فإن أطرافاً في الإطار تحاول تقديم حل وسط للصدر بالاتفاق على مرشح «مرضي عنه» من قبل التيار، وفي هذا السياق تطرح أسماء مثل مصطفى الكاظمي وقاسم الأعرجي، لكن هذين الترشيحين قد يفتحان باب خلاف عميق داخل الإطار التنسيقي.
الشرق الأوسط