يلعب العراق اليوم دوراً كبيراً في القضايا الإقليمية والدولية بحيث نجح في تعزيزها بما يخدم مصالحه المشتركة وتطوير علاقاته السياسية والاقتصادية والابتعاد عن سياسة المحاور وبناء علاقات خارجية متوازنة مع محيطه العربي والإقليمي والدولي.
وسبق أن تعهد رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني بتعزيز علاقات بلاده الخارجية على أساس مبدأ الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وعدم الدخول في سياسة المحاور.
وذكر السوداني في منهاج حكومته أن “البرنامج يتضمن 23 محوراً أبرزها تعزيز علاقات العراق مع الدول على أساس مبدأ الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، بخاصة مع دول الجوار ودول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية وعدم السماح بأن يكون العراق ممراً أو مقراً للاعتداء على الدول الأخرى والطلب من الدول الأخرى المعاملة بالمثل”.
وتعهد السوداني بعدم الدخول في سياسة المحاور واتباع سياسة الصداقة والتعاون مع الجميع وحل المشكلات بين الحكومة الاتحادية وحكومة كردستان وفقاً للدستور العراقي، بخاصة ما يتعلق بقانون النفط والغاز.
في المقابل شدد نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية فؤاد حسين على عدم استخدام الأراضي العراقية مقراً أو ممراً لتهديد أمن دول الجوار، مؤكداً أهمية الارتكان إلى الحوار واستدامته لمواجهة التحديات، لا سيما الأمنية منها، بما يحفظ سيادة العراق ويعزز أمن المنطقة واستقرارها.
وأكد حسين خلال لقائه وفداً أميركياً على هامش اجتماعات “حوار المنامة” أن العراق ماض باتجاه الانفتاح على جميع الدول، تحديداً دول مجلس التعاون الخليجي وإبرام علاقات متوازنة مبنية على تحقيق المصالح المشتركة وحفظ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، مضيفاً، “هناك لقاءات وزيارات متبادلة، ووجهنا لهم الدعوة إلى حضور مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة في نسخته الثانية والمزمع عقده في عمان”.
بصمة واضحة
لكن الباحث العراقي صالح لفتة أكد أنه يجب الإشارة إلى أن حكومة مصطفى الكاظمي كانت لها بصمة واضحة في تطوير علاقات العراق الخارجية مع دول الجوار ودول العالم المختلفة والابتعاد عن حال الانكفاء الداخلي وتعزيز مكانة البلاد كطرف محايد وموثوق به للعب دور الوسيط في بعض الملفات وتقريب وجهات النظر بين الأطراف الإقليمية المتخاصمة والتخفيف من حدة الخلافات الظاهرة كما حصل بين إيران والسعودية وجولات المفاوضات التي استضافتها بغداد بين البلدين.
واعتبر لفتة أن “هذا النجاح الذي أنجزته الحكومة السابقة وضع مسؤولية إضافية على حكومة محمد شياع السوداني في الحفاظ على تلك العلاقات الخارجية الناجحة وتطويرها في ما يسهم باستقرار العراق، خصوصاً الدول المجاورة والدول الإقليمية المؤثرة والدول العظمى التي لها تأثير مباشر في أمن واستقرار واقتصاد البلاد كالولايات المتحدة، واستثمار الدعم والتأييد الدولي الواسع في تحسين الأوضاع الاقتصادية”.
وأوضح أن “الابتعاد عن سياسة المحاور وبناء علاقات خارجية متوازنة وجيدة مع الجميع والنأي عن التصريحات المتشنجة، مع إعطاء دول معينة الأولوية في تعميق العلاقات بما ينعكس إيجاباً على كل الملفات ويسهم في زيادة الاستقرار، مع التذكير بأن العلاقات الخارجية الجيدة لا تعني التفريط في حقوق العراق وثرواته على حساب مصالح الآخرين، بل إن الهدف الرئيس لأي مسعى دبلوماسي هو الحفاظ على مصالح العراق مثل ملفات النفط والمياه والحدود”.
كما يعتقد الباحث السياسي علي البيدر بأن “الموقع الجيوسياسي للبلاد جعلها محطة تقاطع الأزمات والأيديولوجيات والإمبراطوريات الكبرى والقوى الإقليمية الساعية إلى استعادة أمجاد سابقة على حساب من حولها، خصوصاً الدول المضطربة”.
وشدد على أن “العراق كدولة لم تستقر حاله نتيجة الصراعات الداخلية والخارجية مما جعل موقفه ضعيفاً، إذ كانت تحركاته الخارجية مبنية على الفعل ورد الفعل من دون أية مبادرات حقيقية قادرة على تبني العراق موقفاً يصب في مصلحته أو يبني علاقة البلاد مع الآخرين على أساس الاحترام المتبادل وحسن الجوار، فهذه العلاقة كانت دائماً ما تكون من أعلى إلى أدنى سواء لمصلحة العراق أو بالضد من ذلك”.
نحو عراق جديد
ويرى البيدر أن “العراق اليوم غير قادر على تبني قرارات جريئة في مجال فرض واقع جديد على المواقف الإقليمية المتعلقة بمصالحه، فكيف بتلك الدولية منها”، مشدداً على أن “الساحة العراقية اليوم تمثل حلبة لتصفية حسابات دولية وإقليمية وسط غياب الدور الذي يفضل مصلحة الدولة على حساب مصالح تلك الدول”.
ويلفت إلى “غياب رجال الدولة داخل المنظومة السياسية وحضور ممثلي المكونات الفئوية الضيقة التي لا تبني الدول بقدر سعيها إلى الحصول على مكاسب خاصة”.
من جانبه أقر الباحث السياسي نبيل جبار التميمي بأن “الحكومة الحالية بقيادة الإطار الشيعي تعلمت من درس الانغلاق السياسي على الدول الإقليمية واستفادت من تجربة الحكومة السابقة (حكومة الكاظمي) في تعاطيها مع السياسة الخارجية للعراق التي كانت أبرز ميزاتها وأكثر سياساتها نجاحاً بعد عقود من الانغلاق السياسي أو محدودية التعاطي مع المحيط الإقليمي، خصوصاً المحيط العربي للعراق الذي جرى التعامل معه بحساسية مفرطة”.
وأضاف التميمي “هذا الأمر انعكس عملياً على خطوات الحكومة الحالية، فزيارة السوداني إلى الأردن كانت المحطة الأولى في زياراته الإقليمية منذ توليه الحكومة قبل أسابيع، تليها زيارات مرتقبة لكل من الكويت ومصر ثم فرنسا، وتأتي هذه الزيارات بلا شك استكمالاً لزيارات الكاظمي إلى تلك الدول، وقد نتطلع في الأشهر المقبلة إلى جولات أخرى لمسؤولين حكوميين إلى بلدان في الخليج العربي مثل السعودية والإمارات وقطر، ودول في أوروبا وربما الولايات المتحدة”.
وقال التميمي “تحاول الحكومة عبر هذه الزيارات المرتقبة إيصال مجموعة من الرسائل إلى الدول الإقليمية والدولية بأنها ما زالت فاعلة وممثلة للكتل والأحزاب السياسية بعدما شاب الفترة الماضية كثير من التشويش والتشويه الإعلامي لأحزاب عدة في العراق، وشكك كثيرون في ديمومة بقائهم في السلطة، كما قد تهدف الزيارات إلى مراجعة الملفات التي تم توقيعها من قبل الحكومة السابقة ووضع تعديلات عليها وإجراء مجموعة من التصحيحات التي تراها الحكومة الحالية ضرورية”.
اندبندت عربي