أظهرت حرب أوكرانيا مدى ضعف المنشآت العسكرية أمام الهجمات المحتملة على البنية التحتية للطاقة في الدولة المضيفة. لكن لدى واشنطن خيارات متجددة فعالة من حيث التكلفة للتخفيف من هذا الخطر، لا سيما في الشرق الأوسط. * * في الأسابيع الأخيرة، أصبح استهداف شبكة الطاقة في أوكرانيا باستخدام طائرات مسيّرة إيرانية خط العمليات الحاسم في الحملة العسكرية الي تشنها روسيا في تلك البلاد، مما يبرز ضعف البنية التحتية الحيوية والأنظمة الكهربائية. ويدعو “قانون إقرار الدفاع الوطني” للعام 2021 وزارة الدفاع الأميركية إلى “تعزيز تثبيت شبكات مصغرة لضمان أمن الطاقة ومرونتها أثناء تنفيذ المهمات الحساسة والأساسية”. ويعكس ذلك الإدراك المتزايد بأن القواعد الأميركية يجب أن تكون مكتفية ذاتياً بالكامل من أجل أن تتحمل الأحداث المناخية المتطرفة، وتقلبات سوق الطاقة، والتهديدات من هجمات الأعداء -التي تبدو مرجحة بشكل متزايد في النزاعات المستقبلية. واتخذت “استراتيجية الدفاع الوطني” للعام 2022 هذا الإدراك خطوة إلى الأمام وتعهدت بمضاعفة الجهود لزيادة مرونة المنشآت العسكرية. وحتى الآن، لم تحرز وزارة الدفاع الأميركية سوى تقدم طفيف في هذا الجهد. وفي الشرق الأوسط، قد يكون لهذا النقص في التقدم تأثير كبير على القوات الأميركية. وتحتفظ الولايات المتحدة بحوالي 40 و60 ألف فرد من العسكريين المنتشرين عبر ما يقرب من ثماني عشرة قاعدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وتعمل المنشآت العسكرية جزئياً من خلال الطاقة التي توفرها شبكة الدولة المضيفة، ويأتي الباقي من المولدات التي تعمل بالديزل. ويخلق ذلك وضعاً تعتمد فيه القواعد الأميركية كلياً على الدولة المضيفة وإمدادات الطاقة المحلية. ومن شأن تنويع مصادر الطاقة والتحول نحو مصدر طاقة محلي تديره الولايات المتحدة؛ أي اعتماد شبكة مصغرة، أن يسدا هذه الثغرة ويزيدا من الموثوقية والمرونة بشكل عام. ويجب على الكونغرس ووزارة الدفاع الأميركيين أن يعملا معاً لتسريع الجهود الحالية لإنشاء شبكات مصغرة في الخارج، مع تركيز جهودهما الأولية على الشرق الأوسط. الشبكات المصغرة على الأرض تتألف الشبكة المصغرة من مجموعة محلية من مولدات الكهرباء التي تتمتع بالقدرة على العمل بشكل مستقل عن شبكة الكهرباء في الدولة المضيفة. وينتج عن مزيج مولدات الكهرباء وأنظمة التحكم المتقدمة نظام طاقة متكامل منفرد ومستقل. أما مولدات الكهرباء ضمن الشبكة المصغرة فتأتي من مجموعة متنوعة من المصادر، بما فيها مولدات حالات الطوارئ والمولدات الأساسية ومحطات التوليد المشترك للحرارة والطاقة ومصادر الطاقة المتجددة والبطاريات. وتعد الشبكة المصغرة التي تعمل بالطاقة المتجددة كمصدرها الأساسي والشبكة الوطنية ومولدات الطوارئ كمصدرين احتياطيين، مصدرًا مثاليًا للجيش لأنها تقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري وتوفر أسلوباً للتغلب على نقاط ضعف أمن الطاقة. يتوافر الشرق الأوسط على عدد من مصادر الطاقة المحتملة للشبكات المصغرة. وتشكل الطاقة الشمسية الكهروضوئية مصدر الطاقة المتجددة الأكثر كفاءة من حيث التكلفة والموثوقية والوفرة في المنطقة. وتجدر الإشارة، في هذا السياق، إلى أن الحمولة الحرجة القصوى في قاعدة أميركية معيارية متوسطة الحجم مماثلة لتلك المتواجدة في الشرق الأوسط تبلغ 10 ميغاواط، وبالتالي يمكن لتركيب حقل من الألواح الشمسية على مساحة تتراوح بين 16 و24 هكتاراً (بحجم ما يقرب من أربعين ملعباً لكرة القدم الأميركية) مع نظام بطاريات تخزين أن يلبيا بالكامل إجمالي طلب هذه القاعدة من الكهرباء. وتعد الطاقة الشمسية الكهروضوئية جذابة لأنها توفر عوائد على الاستثمار في غضون عامين إلى خمسة عشر عاماً. وبشكل عام، كلما ازداد استخدام الكهرباء في الموقع، وكلما ارتفع سعر الكهرباء التقليدية في المنطقة، تقلصت فترة جني العوائد. وقد انخفضت تكاليف الأنظمة الكهروضوئية بنسبة 70 في المائة تقريباً في الأعوام العشرة الماضية، مما جعلها أكثر جاذبية. وعلاوة على ذلك، لا تتطلب أنظمة الطاقة الشمسية الكهروضوئية عادة الكثير من الصيانة، وفي حين أنها قد تكون هدفاً لضربات العدو، إلا أنه يمكن توزيع حقول الألواح الشمسية وتحصينها للحد من خطر تعرضها للتهديدات. يعد التخلص من النفايات ومعالجتها من القضايا الأساسية للمنشآت العسكرية الأميركية، وبالتالي فهي مصدر محتمل وجذاب آخر للطاقة. ويزود التقدم الذي تم إحرازه في الآونة الأخيرة في مجال تحويل النفايات إلى طاقة، الجيش الأميركي بوسائل متعددة لتوليد الطاقة من النفايات مع الحد الأدنى من التأثير على الصحة والبيئة. والوسيلة الأكثر شيوعاً هي حرق النفايات واستعادة الطاقة. وتتضمن هذه العملية عموماً حرق النفايات لغلي الماء، الذي يعمل على تشغيل مولدات البخار التي تنتج الكهرباء والحرارة. ويمكن أن تساعد هذه الطريقة المنظمة لتوليد الكهرباء على حل مشاكل الأمن والسلامة الناتجة عن نقل النفايات من القاعدة، مع توفير حل للنفايات يكون غير ضار بالأفراد العسكريين. ويشكل المفاعل المصغر النووي خيارًا آخر للطاقة المستقلة للجيش الأميركي. وتستخدم المفاعلات المصغرة كمية ضئيلة من اليورانيوم منخفض التخصيب لغلي الماء وتوليد البخار الذي يساعد على تدوير التوربينات لتوليد الكهرباء. ومن المرجح أن يلبي وضع مفاعل مصغر -بحجم حاوية شحن معيارية- ضمن شبكة مصغرة حاجة قاعدة برمتها من الكهرباء. وقدرت دراسة أجريت حول جدوى الطاقة النووية في المنشآت العسكرية الأميركية أن مفاعلاً صغيراً بقوة أربعين ميغاواط يمكن أن يلبي احتياجات الكهرباء لحوالي 90 في المائة من جميع المنشآت العسكرية. واكتسبت المفاعلات المصغرة زخماً كبيراً في كانون الثاني (يناير) 2021 بعد أن وقع الرئيس الأميركي ترامب الأمر التنفيذي رقم 13972، الذي يعزز استخدام المفاعلات الجزئية الصغيرة لدعم الدفاع الوطني وأمن الطاقة. ونتيجةً لذلك، تعمل وزارة الدفاع الأميركية مع شركات طاقة خاصة من أجل تركيب مفاعلات مصغرة في منشآتها وبدأت برنامجاً تجريبياً في “قاعدة إيلسون الجوية”. ومع ذلك، في حين قد يشكل هذا الحل مصدراً محتملاً للطاقة للشبكات المصغرة في القواعد الأميركية، إلا أنه قد يتعذر تطبيقه في الخارج لأسباب سياسية؛ حيث تكون مخاوف الانتشار النووي ذات أهمية قصوى (على الرغم من أن استخدام اليورانيوم منخفض التخصيب يحد من المخاطر) واحتمال قيام الأعداء بتوجيه ضربة مباشرة حتى في حال تحصين المفاعل المصغر. الشبكات المصغرة في الجيش الأميركي تثابر وزارة الدفاع الأميركية في عملها لضمان أمن الطاقة من خلال الشبكات المصغرة، وأطلقت في العام 2012 عرض البنية التحتية للطاقة الذكية لـ”برامج موثوقية الطاقة والأمن” (SPIDERS) لدعم هذه العملية. ومنذ اقتراح فكرة البرامج، أجرت أكثر من 40 قاعدة دراسة أولية بشأن تركيب شبكة مصغرة أو إعداد خطط لتركيبها، أو قامت أساساً بتركيب شبكة مصغرة. وتم إطلاق مشروع رئيسي واحد، في العام 2018، وتنفيذه في “حامية الجيش الأميركي” في “جزيرة كواجالين” في “جزر مارشال”. وهذا المشروع، الذي دمج المولدات والخلايا الكهروضوئية لإنتاج 2.000 كيلوواط/ ساعة من الطاقة، يوفر للقاعدة شبكة مصغرة مستقلة تماماً عن شبكة الطاقة العاملة في الجزيرة. وبعد رؤية نجاح هذا المشروع وغيره، منح الجيش الأميركي الشبكات المصغرة أولوية ضمن استراتيجيته لمواجهة الآثار المستفحلة لتغير المناخ. ويتمثل هدفه الحالي في تركيب شبكة مصغرة في كل منشأة بحلول العام 2035 وتوليد طاقة متجددة كافية وقدرة تخزين للبطاريات لتمكين الجيش الأميركي من تحقيق الاكتفاء الذاتي أثناء تنفيذ مهامه الحساسة والأساسية في منشآته كافة بحلول العام 2040. وبدأ الجيش الأميركي أساساً بدراسة احتمال تركيب الشبكات المصغرة في الشرق الأوسط أيضاً. وأطلق مشروع تجريبي للشبكات المصغرة بقيمة 500 ألف دولار في “معسكر عريفجان” في الكويت، الذي يستخدم ثلاثة أنواع من الخلايا الكهروضوئية الشمسية إلى جانب قدرات تخزين البطارية المتقدمة التي يتم التحكم فيها. وبالمثل، طور الجيش الأميركي مشروع شبكة مصغرة لـ”معسكر بورينج” بالكويت؛ حيث قام بتركيب أنظمة الخلايا الكهروضوئية وأنظمة تخزين البطاريات بهدف تقليل استهلاك وقود المولدات. ووفر هذان المشروعان شبكة مصغرة لقسم من قواعد الجيش الأميركي، كما مهد الطريق أمام الموافقة على طلبه بالحصول على 27 مليون دولار في العام المالي 2023 لتركيب شبكة مصغرة أكبر حجماً ونظام توليد الطاقة في “معسكر عريفجان”. ويقول منتقدو اقتراح تركيب شبكات مصغرة في المنشآت العسكرية، إنه يجب إنفاق الميزانية المخصصة للجيش الأميركي على أولويات أخرى لتحديث قواته ومواكبة الصين. غير أن التوفير الكبير الذي يمكن تحقيقه على المدى الطويل في تكاليف نقل وكفاءة الطاقة تفوق تكاليف تركيب الشبكات على المدى القصير. وعلاوة على ذلك، بإمكان الولايات المتحدة أن تنظر في مشاريع تقاسم التكاليف المحتملة مع الدول المضيفة. وتتم مشاركة العديد من المنشآت العسكرية في الشرق الأوسط؛ حيث تشغل القوات الأميركية وقوات الدولة المضيفة أقساماً من القاعدة. ومن شأن إنشاء شبكة مصغرة لجميع هذه القوات أن يعزز قدرات الأمن القومي لكل دولة. الخاتمة يسلط الصراع الدائر في أوكرانيا الضوء على الضعف الناجم عن الاعتماد على مصادر الطاقة غير المتجددة لضمان الأمن القومي. فروسيا تستخدم الطاقة كسلاح لتثبيط عزيمة “الاتحاد الأوروبي” وشركائه. وإذا كانت القواعد الأميركية في جميع أنحاء العالم غير قادرة على الحصول على الكهرباء، فلن تتمكن من المساهمة في الدفاع عن المصالح القومية الأميركية أو سلامة وأمن الحلفاء والشركاء. ويبدو أن أفضل طريقة للتغلب على هذا الضعف الصارخ والارتقاء بتقنيات الطاقة المبتكرة هي إنشاء شبكات مصغرة بسرعة في القواعد الأميركية في الخارج. وبالنظر إلى العوامل البيئية والأمنية المحلية التي تتميز بها منطقة الشرق الأوسط، فهي الموقع منطقية لزياة التركيز على الشبكات المصغرة.
الغد