لاتزال أبعاد الكارثة الإنسانية التى شهدتها المناطق الشمالية الغربية من سوريا جراء الزلزال المدمر الذى ضربها فى 6 فبراير 2023، تتكشف يوماً بعد يوم، لتعبر عن حجم معاناة السوريين فى ظل تأخر وصول المساعدات الإنسانية وإمدادات الإغاثة إلى مناطقهم المنكوبة نتيجة للتجاذبات السياسية وحساباتها التى تحكم علاقة التفاعل بين النظام السورى والمجتمع الدولى؛ وهى التجاذبات نفسها التى جعلت المنكوبين محاصرين بين معابر قليلة العدد تأثرت بالزلزال وأخرى يتحكم فيها النظام من ناحية، وبين تقاعس وتراخى المنظمات الدولية عن مد يد المعونة الإغاثية سريعاً إلى منكوبى الزلزال فى الشمال السورى من ناحية ثانية.
ولا ينفصل ذلك عن العقوبات الدولية المفروضة على النظام السوري منذ عام 2012، جراء الصراع بينه وبين المعارضة، والعقوبات المفروضة عليه من جانب الولايات المتحدة بموجب قانون قيصر عام 2019، فضلاً عن أن المناطق الشمالية الغربية – التى تعرضت للزلزال- لها خصوصيتها فى سياق الصراع بين النظام السورى والمعارضة؛ حيث تقطن بعض محافظتها المعارضة السورية المسلحة (حالة إدلب)، والبعض الآخر تتقاسم السيطرة فيها كل من قوات المعارضة الموالية لتركيا، والأكراد، وقوات النظام السورى، ودوريات الشرطة العسكرية الروسية (حالة حلب)، والبعض الثالث يمثل الحاضنة الشعبية والاجتماعية للنظام السورى (حالة اللاذقية)، وما يرتبه ذلك من حسابات فى معادلة الصراع السورى الداخلية والإقليمية من ناحية ثالثة.
الحسابات السياسية للنظام، والمجتمع الدولى، والمعارضة فى الشمال الغربى، أصبغت الزلزال ككارثة إنسانية بصبغة سياسية واضحة؛ فالنظام الذى تأخر كثيراً فى تحمل مسئوليته تجاه منكوبى الزلزال يحاول توظيف الحدث الإنسانى سياسياً بما يكسر عزلته الدولية. والمجتمع الدولى وقواه ومنظماته ظل متابعاً لما يجرى من مآسٍ فى شمال غرب سوريا جراء الزلزال لمدة أسبوع كامل دون أن يتخذ الإجراءات المناسبة خشية أن تستغل روسيا – الداعم الدولى لنظام الأسد – الحدث فى مساومات سياسية بخصوص الأزمة الأوكرانية فى أوروبا.
أما المعارضة المسلحة – فى مناطق الزلزال – فكانت هى الأخرى لها حساباتها التى دفعتها لتكون واحدة من الحواجز التى حالت دون دخول المساعدات الإنسانية عبر المعابر التى تمر فى مناطق سيطرتها، وكان ذلك سبباً فى إخضاع تلك المعابر، وعلى رأسها معبر باب الهوى الحدودى مع تركيا، لمساومات روسيا السياسية داخل أروقة مجلس الأمن الدولى على مدار العامين الماضيين، ومعارضتها لإدخال المساعدات الإنسانية عبر أكثر من معبر – إعمالاً لقرار مجلس الأمن الدولى رقم 2156 فى عام 2014 القاضى بفتح 4 معابر فى شمال سوريا – باعتبار أن ذلك يهدد سيادة الدولة السورية على أراضيها لأنه يقلص من فرص استعادتها لهذه المناطق، الأمر الذى أدى إلى تقليص عدد المعابر وفق القرار الأممى رقم 2504 لعام 2020 إلى اثنين فقط هما باب الهوى وباب السلام على الحدود مع تركيا.
ومع استخدام روسيا للفيتو فى مجلس الأمن ضد قرارات تمديد إدخال المساعدات وافق المجلس على القرار رقم 2533 من العام نفسه، والقاضى باعتبار معبر باب الهوى هو الممر الوحيد لإدخال المساعدات الإنسانية لسوريا.
النظام يوظف تداعيات الزلزل سياسياً
بالرغم من حجم المأساة الإنسانية المؤلمة التى تقف الكلمات عاجزة عن وصفها، تطفو على السطح طموحات النظام الذى يحاول توظيف مأساة الشعب السورى – فى شمال غرب البلاد – لصالح حساباته السياسية فى معادلة التفاعل الخاصة بالأزمة السورية إقليمياً ودولياً؛ مستهدفاً البحث عن مخرج يكسر العزلة المفروضة عليه جراء العقوبات الدولية والأمريكية؛ وهى العزلة التى لم تفلح محاولات التقارب التى أبدتها العديد من الدول العربية مع النظام السورى على مدار العامين الماضيين فى الخروج منها أو دفع النظام لتجاوزها، وإن كانت قد فتحت متنفساً له قلل من حدتها.
ويلاحظ هنا، أن المجتمع الدولى وحتى القوى المناوئة للنظام قد عدلت من مواقفها الجامدة تجاهه منذ عام 2017؛ لا سيما بعد أن أعادت روسيا وإيران إنتاج النظام كشريك فى محاربة الإرهاب، وطرفاً فى معادلة خفض التصعيد فى مناطق المواجهات بينه وبين المعارضة. إلا أن المجتمع الدولى ظل ينظر إليه باعتباره نظاماً يخضع تفاعله الدولى والإقليمى لعدة عقوبات يصعب التغاضى عنها.
ومع كارثة الزلزال، طالبت الأمم المتحدة على لسان أمينها العام ضرورة “تنحية كل الخلافات السياسية لضمان حصول السوريين على الدعم الإنسانى العاجل” فى إشارة إلى ما تمثله العقوبات الدولية من عوائق تمنع وصول المساعدات للمتضررين فى شمال غرب سوريا هذا من جانب.
ومن جانب آخر، سعى النظام خلال الأسبوع الأول بعد الزلزال إلى حصر إدخال المساعدات لتتم من خلاله؛ أى يتولى بنفسه مهمة توزيع المساعدات الإنسانية، بما يعنى دخوله المناطق التى تسيطر عليها المعارضة السورية المسلحة فى إدلب، وهو ما ترفضه المعارضة أيضاً؛ حيث لم تقبل بعض فصائل المعارضة السورية المتشددة والمصنفة إرهابياً – فى إشارة إلى هيئة تحرير الشام – دخول المساعدات لمناطق سيطرتها فى الشمال الغربى من خلال النظام، بغض النظر عن الوضع الكارثى الذى يعيشه سكانها جراء الزلزال.
وكخطوة فى محاولات كسر العزلة فى سياق تداعيات كارثة الزلزل، سعى النظام، وللمرة الأولى، إلى طلب مساعدات عاجلة من قبل الاتحاد الأووربى الذى ترى بعض دوله ضرورة مراعاة الجانب الإنسانى الناتج عن الكارثة، لكنها فى الوقت نفسه طالبت النظام بضمانات كافية تضمن توزيع المساعدات على مستحقيها.
وفى سياق آخر، خرجت تصريحات مسئولى النظام السورى متهمة العقوبات الأمريكية بإعاقة إدخال المساعدات الدولية لسوريا، وتحديداً المعدات الثقيلة المستخدمة فى رفع الأنقاض فى عدة مناطق هى حلب وإدلب واللاذقية وحماه والتى أعلنتها دمشق “مناطق منكوبة” بعد 4 أيام من وقوع الزلزال، ما يفتح باب التكهنات بشأن تأخر النظام فى التفاعل مع الحدث، وهو ما أرجعه البعض لـ”معادلة المساومات” التى يرغب النظام فى الدفع بها فى خضم الأحداث ومفادها “قبول النظام دخول مساعدات الإغاثة الدولية وتسهيل إجراءات وصولها للمناطق التى لا تخضع لسيطرته –مناطق سيطرة المعارضة- مقابل تعليق مؤقت للعقوبات كمرحلة أولى يعقبها إلغاء تدريجى لها”، وذلك على اعتبار أن الزلزال خلّف تداعيات جمة على البنية التحتية يستغرق إصلاحها سنوات.
وبالرغم من عدم وجود تأكيدات بشأن معادلة المساومات تلك، إلا أن تدفق دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية عبر معبر باب الهوى، إلى جانب فتح معبرين آخرين بعد أسبوع من التقاعس، ربما يؤشر إلى وجود مساومات تتم بين النظام والمنظمة الأممية، وبينه وبين القوى الدولية والإقليمية المانحة للمساعدات. فضلاً عن مؤشرات أخرى تمثل بعضها فى الإجراءات التي اتخذها البنك المركزى السورى بشأن سعر الصرف المطبق للعملات الأجنبية. هذا بخلاف ما تداولته وسائل الإعلام السورية بأن المفاوضات بشأن إدخال المساعدات للمناطق المنكوبة وصلت لنقطة تفاهم، كما أكدت على إدخال المساعدات الدولية عبر معبرين آخرين إلى جانب معبر باب الهوى وهما معبرى باب السلام والراعى. يضاف إلى ذلك، فإن الإعلان عن مناطق منكوبة يحمل معنى سياسياً يقوم على طلب العون الدولى واستقدام المساعدات وإتاحة مجال واسع لدور منظمات الإغاثة الدولية والإقليمية فى الإشراف على توزيع المساعدات، وهو ما يعنى ضمنياً كسر العزلة الدولية المفروضة على دمشق من الناحية العملية.
ويعد التعاطى الأمريكى مع الكارثة الإنسانية فى شمال غرب سوريا، بالرغم من العقوبات التى تفرضها على دمشق ممثلة فى قانون قيصر، درجة من درجات استثمار النظام السورى كارثة الزلزال بصورة أو أخرى؛ حيث أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية إعفاء المعاملات الخاصة بجهود الإغاثة الإنسانية فى سوريا من العقوبات لمدة 6 شهور فى محاولة من واشنطن لدرء شبهة تعطيل جهود الإغاثة الإنسانية بفعل العقوبات التى تفرضها على النظام فى دمشق. كما أكدت واشنطن أنه حتى ومع وجود العقوبات، فإن المساعدات الإنسانية لم تخضع للقانون المنظم لها؛ حيث يحتوى على نقاط محددة تستثنى المساعدات الإنسانية، أما المجالات التى تشملها العقوبات هى هى المنتجات النفطية والنظام المالى والمعدات العسكرية. لكن مع خطوة الإعفاء من العقوبات لمدة 6 شهور وفقاً لتصريح شمل كافة جهود الإغاثة الإنسانية تكون دمشق قد كسرت، ولو بصورة جزئية، العزلة التى فرضتها عليها العقوبات الأمريكية، ما يعنى فتح أفق جديدة للتواصل بين النظام السورى والعالم.
فى السياق نفسه، كان التواصل العربى مع نظام الأسد، الذى يشهد تحسناً على مدى العاميين الماضيين، بارزاً وحاضراً على مشهد التفاعل مع الكارثة الإنسانية التى خلّفها زلزال شمال غرب سوريا، حيث زارا وزيرا الخارجية الإماراتى والأردني عبد الله بن زايد وأيمن الصفدي دمشق والتقيا برئيسها، كما رفعت تونس من مستوى التمثيل الدبلوماسى مع النظام السورى، هذا فضلاً عن إرسال عدة دول منها الجزائر ومصر والعراق والأردن مساعدات إنسانية عبر دمشق من خلال جسور جوية، بينما فضلت قطر والكويت وسلطنة عمان إرسال مساعداتها الإنسانية للمتضررين فى سوريا عبر تركيا. كذلك كان لبنان حاضراً فى خضم الأحداث رغم ظروفه الاقتصادية الصعبة؛ حيث فتح موانيه أمام حركة المساعدات الإنسانية لسوريا.
وجدير بالذكر أن التقارب بين دمشق وعدد من الأنظمة العربية خلال العامين الماضيين لقى استحسان الولايات المتحدة باعتباره يوفر لدمشق دعماً عربياً إقليمياً يوازن الدعم الإقليمى الذى توفره لها إيران والدعم الدولى الذى تمثله روسيا. ومن أبرز حالات التقارب التى رحبت بها واشنطن بين عدد من الدول العربية ودمشق هو مشروع نقل الغاز المصرى إلى لبنان عبر سوريا برعاية الأردن، خاصة وأن الأخير أعاد خلال العام الماضى فتح المعابر الحدودية بينه وبين سوريا أمام حركة التجارة البينية. ولم تطبق الولايات المتحدة أية عقوبات على الدول المشاركة فى هذا المشروع باعتباره يمثل خرقاً لقانون قيصر المفروض على دمشق منذ عام 2019، فيما فُسر وقتها أن الولايات المتحدة “ربما” تترك باب التقارب مع النظام السورى “موارباً”، خاصة وأن القانون لم يشمل المساعدات الإنسانية التى تقدمها المنظمات الدولية للسوريين سواء فى مناطق سيطرة النظام، أو فى منطقة سيطرة المعارضة فى الشمال.
نقطة الجمود البارزة فى خطوات التطبيع العربى مع النظام السورى كانت مع السعودية؛ والتى تباينات مواقفها تجاه دمشق على مدار العاميين الماضيين، فمن المعروف أن الإمارات حاولت تقريب وجهات النظر بين الرياض ودمشق، وكانت محصلة هذه المحاولات وجود بعض المؤشرات الإيجابية التى قد تمهد لمزيد من تهيئة الأجواء على المستويات العليا للدولتين.
وفى كارثة الزلزال، قدمت الرياض مساعداتها لسوريا عبر مسارين: الأول، مساعدات تصل تركيا ومن خلالها يتم إدخالها للشمال السورى المنكوب. والثانى، تمثل فى جسر جوى من الطيران المدنى السعودى نقل مواد الإغاثة الإنسانية والمساعدات الطبية إلى داخل المناطق التى يسيطر عليها النظام فى حلب واللاذقية، ما اعتبره البعض إضافة إلى نتائج التقارب بين الرياض ودمشق مؤخراً، وأبرزها زيارة مدير الاستخبارات السورية للرياض فى عام 2022.
مشاركة الرياض فى جهود الإغاثة بشمال سوريا -وفقاً لمحللين- ربما تسرع من خطوات التقارب بينها وبين دمشق خلال الفترة المقبلة، لا سيما وأن التداعيات الكارثية للزلزال تبدو آثارها ممتدة على مدار سنوات قادمة ستحتاج فيها المناطق المنكوبة للكثير من المساعدات الإنسانية. لكن يلاحظ أن مستوى هذا التقارب لن يصل إلى حد التطبيع الكامل للعلاقات مع النظام السورى على الأقل فى المدى القريب، نظراً لارتباطه بعامل إقليمى مهم يتمثل فى درجة التعاون الاستراتيجى القوية بين النظام السورى وبين إيران. فبالرغم من المباحثات التى جرت بين مسئولين سعوديين وإيرانيين برعاية العراق فى بغداد خلال العام الماضى، إلا أنها لم تسفر عن حلحلة كاملة لحالة الجمود فى العلاقات بين البلدين، نتيجة تعدد ملفات الاشتباك الإقليمى بين الرياض وطهران وأبرزها؛ ملف اليمن، والبرنامج النووى الإيرانى.
هذا إلى جانب أن التقارب العربى مع النظام فى دمشق لم يسفر حتى اللحظة عن مؤشرات تقول بأنه قد يؤدى إلى تقليص دور إيران فى سوريا. فثمة من يرى أن التقارب العربى مع دمشق ربما يوازن دور إيران فى سوريا، لكنه لن يمكنها من “الفكاك” الكامل من النفوذ الإيرانى، بل إن هذا التقارب ترحب به إيران لأنه فى النهاية يعزز من مكانة حليفها النظام السورى، ويساعده على تجاوز الآثار الاقتصادية الناتجة عن سنوات الصراع المسلح مع المعارضة. ومن ثم تظل عملية الانفتاح السعودى على دمشق فى ظل الظروف الراهنة محصورة فى الأبعاد الإنسانية فقط، خاصة بعد الزيارة التى قام بها قائد فيلق القدس بالحرس الثورى الإيرانى إسماعيل قاآنى لمدينة حلب السورية فى اليوم الثالث لوقوع الزلزال تحت مسمى الإشراف على فريق الإغاثة الإيرانى، فبهذه الزيارة تعمدت إيران توصيل رسائل سياسية لعدة أطراف إقليمية وتحديداً السعودية وتركيا تقول بأنها دائماً رقم مهم فى معادلة النفوذ الإقليمى فى سوريا حتى داخل المناطق التى تشكل “اشتباكاً إقليمياً” كمنطقة حلب!!.
أما روسيا التى ترتبط بعلاقات تحالف وثيقة مع النظام السورى، فتعتبر تحالفها الإستراتيجى مع دمشق ورقتها الرابحة فى سياق تفاعلاتها مع الولايات المتحدة والغرب بشأن ملف الأزمة السورية من ناحية، وأداة ضغط على الغرب والولايات المتحدة فى أوكرانيا من ناحية ثانية. ويعد التعاطى الروسى مع تمديد تفويض استخدام معبر الهوى لإيصال المساعدات الإنسانية لشمال سوريا على مدى العام الماضى دليلاً على ذلك. وترى روسيا فى أزمة الزلزال وتداعياته الجمة على الوضع الإنسانى فى سوريا فرصة –مؤجلة – يمكن استخدامها ضد الغرب فى تفاعلهما بخصوص أوكرانيا من ناحية، وفرصة سانحة لتثبيت حليفها النظام السورى فى معادلة فرض السيادة على المعابر باعتبارها ممرات للمساعدات الإنسانية من ناحية ثانية.
كما أعادت التداعيات الإنسانية لزلزال شمال غرب سوريا الزخم لحالة التقارب التى تمت بين النظام وتركيا خلال العام الماضى، فتركيا المثخنة بالزلزل نفسه داخل حدودها الجنوبية سبق وأن قطعت مسافات إيجابية فى مسار التقارب مع النظام السورى، الأمر الذى دفع البعض للاعتقاد بأن الدولتين قد تتجهان إلى إعادة فتح بعض المعابر الحدودية بينهما غير معبر باب الهوى. فمن المحتمل أن تقوم أنقرة بفتح معبر “كسب” ويقع فى اللاذقية أى ضمن المناطق التى يسيطر عليها النظام وليس المعارضة، ما يؤشر إلى أن هدف فتح معابر أخرى هو هدف سياسى أكثر منه إنسانى.
هل كسر الزلزال حقاً عزلة الأسد؟
المعطيات السابقة تشير إلى أن النظام السورى يعمل فعلياً على توظيف كارثة الزلزال المدمر وتداعياته الإنسانية الكارثية لمصلحة كسر عزلته الدولية. لكن السؤال .. هل سينجح النظام فعلياً فى تحقيق هدفه؟.
التطورات السابقة تقول بأن العديد من الدول العربية وتركيا قد خطت خطوات فاعلة نحو التقارب مع النظام قبل كارثة الزلزال، وبالتالى فإن الكارثة بأبعادها الإنسانية ستعمق من حالة التقارب هذه، باستثناء السعودية التى لاتزال تتحسب لخطوات التقارب بينها وبين دمشق وفقاً للحسابات السابق ذكرها.
لكن على المستوى الدولى، فمن الصعوبة القول بأن كارثة الزلزال من شأنها أن تعيد دمج النظام السورى فى المجتمع الدولى؛ فالولايات المتحدة وإن كانت قد “علقت” العمل بعقوبات قانون قيصر لمدة 6 شهور، فالدافع الرئيسى لذلك هو المساهمة فى تسهيل عملية تقديم المساعدات الإنسانية، بدليل أنها لم تتعامل مباشرة مع النظام السورى وحكومته فى هذا الشأن، ولكنها فضلت تقديم مساعداتها للمناطق الخاضعة للنظام عبر آليات المنظمات الدولية العاملة فى هذا المجال، وتحديداً التابعة للأمم المتحدة. هذا بخلاف أن عقوبات قانون قيصر لا تخضع له المساعدات الإنسانية فى الأساس، لكن القانون نفسه سيمثل حجر عثرة أمام جهود إعادة الإعمار فى الشمال السورى خلال المرحلة المقبلة، وهو ما سيتطلب من الولايات المتحدة تحديد المجالات التى سيتم تطبيق العقوبات بشأنها، لأنه من المتوقع أن تتأثر قطاعات البناء والطاقة والبنية التحتية خلال مرحلة إعادة الإعمار بالعقوبات.
فضلاً عن ذلك، فإن دولاً مثل فرنسا وبريطانيا أعلنت أن كارثة الزلزال تفرض على الجميع تقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين، لكن هذا لا يعنى وجود تغييرات “حدية” فى المواقف من نظام الأسد.
وحتى على مستوى التطبيع العربى مع نظام الأسد، فيطغى عليه الحدث الآنى بأبعاده الإنسانية، ومن ثم فإن وتيرة التقارب العربى مع نظام الأسد إذا استمرت بعد هدوء كارثة الزلزال بصورة تتجاوز حتمية تقديم المساعدات الإنسانية، فمن الممكن القول حينها أننا أمام عودة محتملة للنظام السورى إلى عمقه الإقليمى العربى.
وأخيراً، فإن الكارثة الإنسانية التى خلّفها الزلزال المدمر على واقع حياة المنكوبين السوريين تدفع الجميع- دولاً ومنظمات- إلى تقديم المساعدات الإنسانية، لكن لا يعنى ذلك أن بعضاً من هذه الدول بصدد التطبيع مع النظام السورى بما يخرجه من عزلته الدولية ويرفع العقوبات عنه ولو تدريجياً، وإن وجب القول أن كارثة الزلزال سيكون لها تداعياتها الإقليمية التى ستفرض على الجميع بصورة أو بأخرى “ضرورة” إعادة رسم السياسات الدولية والإقليمية المتعلقة بسوريا خلال المرحلة المقبلة.
مركز الأهرام