هل يهدئ اتفاق السعودية وإيران التوترات في لبنان

هل يهدئ اتفاق السعودية وإيران التوترات في لبنان

شكل إعلان السعودية وإيران عن استئناف علاقاتهما الدبلوماسية بوساطة صينية مفاجأة لدول عديدة تدور فيها منافسة وصراع مباشر وغير مباشر بين البلدين، من بينها لبنان.

ويعول لبنانيون على أن يدفع الاتفاق عجلة الحوار في بلادهم، لاسيما بعد فشل البرلمان 11 مرة منذ سبتمبر الماضي في انتخاب خلف لرئيس الجمهورية السابق ميشال عون الذي انتهت ولايته في أكتوبر 2022.

ويتفق محللون على أن انعكاسات الاتفاق السعودي – الإيراني لن تكون مباشرة وفورية على لبنان، إنما ستساعده في التخفيف من التوتر بين القوى السياسية، والتعاطي مع الملفات المختلفة بسلاسة وهدوء.

والجمعة أعلنت السعودية وإيران عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، وإعادة فتح سفارتيهما في غضون شهرين، وذلك عقب مباحثات برعاية صينية في العاصمة بكين، بحسب بيان مشترك للبلدان الثلاثة.

ومنذ عقود تدعم القوتان الإقليميتان أطرافا لبنانية متخاصمة، لكن دور السعودية الحليفة التقليدية لسنّة لبنان تراجع تدريجيا خلال السنوات الماضية على خلفية تعاظم دور حزب الله الجماعة الشيعية المدعومة من إيران.

وقال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إن “الارتياح الذي قد ينجم عن هذا المسار لا بد أن ينعكس إيجابا على كل المنطقة، ومن ضمنها لبنان”.

كما رحّب وزير الخارجية والمغتربين اللبناني عبدالله بوحبيب بالاتفاق، مثمّنا “جهودا ومساعي حميدة” لدول حاولت رأب الصدع، وعلى رأسها العراق وسلطنة عمان، وصولا إلى الصين “التي تكللت بهذا الاتفاق المهم”.

ودعا رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري إلى “الاستفادة من الاتفاق للدفع باتجاه التوافق والحوار بين القوى السياسية (في لبنان)، لإنهاء أزمة الشغور الرئاسي”.

والاثنين التقى بري في قصر الرئاسة الثانية في عين التينة السفير السعودي لدى لبنان وليد البخاري الذي قال ردا على سؤال عما إذا كان هناك أي شيء إيجابي للبنان بخصوص الاتفاق مع إيران “شيء أكيد”.

وفي المقابل علق الأمين العام لجماعة حزب الله حسن نصرالله بأن “التحول المتعلق بالتقارب السعودي – الإيراني جيد، ولن يكون على حساب شعوب المنطقة، وإنّما لمصلحتها”.

ولفت نصرالله في خطاب السبت إلى أنه “في حال سار التقارب السعودي – الإيراني في المسار الطبيعي، فيمكن أن يفتح آفاقا في المنطقة وفي لبنان أيضا”.

متفائل ومشكك

اختلفت قراءة الأحزاب في لبنان لانعكاس اتفاق السعودية وإيران على بلادها، لكنها سابقت المسؤولين في التعبير عن إشادتها به، أو أملها في أن يؤثر على الأوضاع في البلاد.

وموقف حزب القوات اللبنانية المقرب للسعودية عبّر عنه النائب بيار بوعاصي بقوله في تصريحات إذاعية، إن ما تحقق “أكثر من لقاء، وأقل من اتفاق، ولم يربك القوات اللبنانية، وأشك أنه سيريح لبنان”.

وأما رئيس التيار الوطني الحر (حليف حزب الله) جبران باسيل فقد أبدى تفاؤله، وقال “أخيرا حصل ما كان يجب أن يكون: اتفاق السعودية وإيران، وقريبا سوريا، وهو ما سيحدث موجة استقرار في المنطقة تطال لبنان”.

وأضاف باسيل عبر تويتر “اللهمّ نجّنا من مخربيه، لكن ما من حل لأزماتنا سيأتي من الخارج إن لم نبادر في الداخل إلى وضع الحلول دون مكابرة أو تحدٍّ، واستقرار الخارج يساعد، تفاهم الداخل يحل”.

وذهب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عبر حسابه على تويتر إلى أن “التقارب السعودي – الإيراني يساهم في تخفيف التوترات في الشرق العربي”.

يؤكد الكاتب والمحلل السياسي عارف العبد أن “الاتفاق عنصر إيجابي للبنان وسينعكس على الأجواء في كل المنطقة وسيخفف التوتر الذي كان قائما بين الطرفين وسيحل مكانه الهدوء”.

وقال العبد إن “الأجواء السياسية في لبنان تحسنت وتطورت من الناحية الإيجابية، ولكنها بحاجة إلى مزيد من الانتظار، لنرى كيف سينعكس هذا الهدوء على الملف الرئاسي”.

وعن تأثيره على مجريات الانتخابات الرئاسية اللبنانية، بعد فشل البرلمان 11 مرة في التوصل إلى نتيجة بسبب الخلافات بين الأحزاب السياسية المنقسمة، قال العبد إنه “سيؤثر، ولكن ليس بشكل مباشر”.

وأوضح أن “الاتفاق لن يدخل في الأسماء، لكن سيساعد على إنضاج وإتمام الانتخابات الرئاسية، فالأطراف المرتبطة والمتصلة بالسعودية وإيران ستتعاطى مع الأمور المطروحة والقضايا المثارة في لبنان بهدوء يختلف عن السابق”.

وتابع “الدليل على ذلك المواقف التي أطلقها أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في الخطابات الثلاثة الأخيرة حيث لم يذكر السعودية، فيما كان في السابق يشن هجوما يوميا عليها، وكذلك وسائل الإعلام التابعة له”.

اليمن أولا

تتقاطع المصالح السعودية والإيرانية في العديد من دول المنطقة، فإضافة إلى لبنان ثمة منافسة وصراع بين البلدين في اليمن الجار الجنوبي للمملكة، إضافة إلى نفوذ ومصالح أخرى في سوريا.

وعن ذلك يقول العبد “علينا متابعة التطورات في اليمن أكثر منها في لبنان، إذ أن الأوضاع في اليمن هي الأساس في توتر العلاقة بين السعودية وإيران”.

وتقود السعودية تحالفا عربيا داعما للحكومة الشرعية في اليمن منذ 2015، فيما تدعم إيران جماعة الحوثي التي سيطرت على العاصمة صنعاء وعدة محافظات منذ العام 2014.

غير أن المحلل السياسي اللبناني قال إن “لبنان لن يكون بعد اليمن في أجندة الاهتمام السعودي، لأنه أقل أهمية بالنسبة إليها، بل يأتي في المرتبة الثالثة، إذ تسبقه سوريا”.

ومنذ منتصف مارس 2011 اندلعت ثورة شعبية في سوريا تطالب بإقامة دولة ديمقراطية وتداول السلطة، غير أنها تحولت إلى مواجهات مسلحة بين المعارضة والنظام سقط خلالها آلاف من القتلى، بحسب إحصائيات أممية.

ومن جهته، وصف الكاتب والمحلل السياسي قاسم قصير، القريب من حزب الله، الاتفاق بأنه “حدث تاريخي وخطوة مهمة على صعيد العلاقات بين إيران والسعودية، إذ ستكون له أبعاد ودلالات على مستوى المنطقة”.

وقال قصير “الاتفاق قد يجنبنا تصعيدا عسكريا يخشاه كثيرون، إذ يحيّد السعودية عن الحرب ضد إيران، كما أن الأجواء الإيجابية بينهما وحل أزمة اليمن سيدفعانها لبذل جهد أكبر في لبنان وستلاقيها إيران بالمنطقة الوسط”.

وعن تأثير الاتفاق على لبنان، قال قصير “قد لا يكون هناك انعكاس مباشر”، مستدركا “لكن تأزم العلاقات الإيرانية – السعودية في السنوات الماضية انعكس سلبا على الوضع اللبناني”.

وأوضح أن “اللبنانيين انقسموا إلى محورين، أحدهما مؤيد للسعودية والآخر مؤيد لإيران، وعودة العلاقات بين الطرفين تريح الوضع اللبناني وتفتح الباب أمام تسوية ليس بالضرورة أن تكون سريعة”.

وأضاف أن الاتفاق “يساعد على تحسين العلاقات في المنطقة كلها، وهذا ما يمكن ملاحظته من حجم ردود الفعل المرحبة به في الخليج والدول العربية وعلى المستوى الدولي”.

وخلص الكاتب اللبناني إلى أنه “على الأقل لم تعد هناك حجة إلى انقسام اللبنانيين بين محورين بشكل عام”.

الحل لبناني

وقال نادر “لا يمكن القول إنه سيحل كل المشاكل بين إيران والسعودية وخاصة في لبنان”، واستدرك “لكن إذا تم اتخاذ خطوات ملموسة بشأن الاتفاق، ستكون له نتائج إيجابية على لبنان”.

وأرجع ذلك إلى أن “دول الخليج فرضت عقوبات على لبنان بسبب تهديدات حزب الله”، في إشارة إلى خلافات اندلعت عام 2022 على إثر تصريحات لمسؤولين لبنانيين مقربين من حزب الله انتقدت سياسات السعودية.

والسبت قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إن “لبنان يحتاج إلى تقارب لبناني – لبناني، ليس لبنانيا – إيرانيا – سعوديا”.

وأضاف الأمير فيصل “في النهاية والبداية، على لبنان أن ينظر إلى مصلحته، وعلى الساسة، وهذه أقولها دائما، أن يقدموا المصلحة اللبنانية على كل مصلحة، ومتى ما حدث هذا (..) فسيزدهر لبنان بالتأكيد والمملكة ستكون معه”.

ومن جهته، شارك السفير الإيراني في لبنان مجتبى أماني عبر حسابه على تويتر تصريح وزير الخارجية السعودي بشأن لبنان، وكتب “هذه هي رؤية الجمهورية الإسلامية الإيرانية”.

العرب