يجب أن نبدأ بالاعتياد على عبارة “حماس لبنان”. في نهاية 2021 انفجر مخزن سلاح في مخيم برج البراجنة للاجئين قرب صور، وقتل ناشط حماس مجهول يدعى حمزة شاهين. وسرعان ما كشف صحافيون لبنانيون ما كان معروفاً وإن لم يكن مكشوفاً: حماس تستعد للانتشار في لبنان. “تتكرر قصة الفلسطينيين في لبنان مرة أخرى”، هكذا قال العديد من اللبنانيين، الذين يتذكرون بذكريات قاسية عهد عرفات و”فتح لاند” في لبنان في السبعينيات والثمانينيات.
وبالفعل، فإن المبادرة التي اتخذها “حزب الله” وحماس بشكل مشترك ابتداء من العام 2018، لدمج التنظيم السني الأصولي في المنظومة اللبنانية الشيعية، آخذة في التجسد. وأدت سلسلة من الاضطرابات إلى دمج الحركتين المختلفتين، كما يقول المثل العربي: “كراهية إسرائيل تغطي على كل الجرائم”.
تركيا، التي استضافت مسؤول حماس عن النشاط في الضفة الغربية صالح العاروري وقيادته، ألمحت له بالخروج من الدولة عقب ضغوط من إسرائيل، في إطار التقارب الأخير بين الدولتين. وكفت قطر عن استضافة قادة حماس منذ حصار 2017 وعندها جاء الإيرانيون مع مبادرة جديدة: فتح جبهة مناهضة لإسرائيل في لبنان تدمج بين “حزب الله” وحماس والجهاد الإسلامي، بتوجه وتمويل إيراني وبرقابة دائمة لنصر الله وتنظيمه.
مسؤولو التنظيم (العاروري، وخليل الحية، وزاهر جبارين) الذين هم في بلاد الأرز منذ زمن بعيد، عملوا على أن يرابط بضع مئات من النشطاء في عدة مواقع على طول الشاطئ اللبناني بين صور وصيدا، ممن يحاولون التغطية على أعمالهم العسكرية بنوع من “المبادرات المدنية”. في فترة “حارس الأسوار” مثلاً، عملت غرفة حربية مشتركة كانت أيضاً مسؤولة عن إطلاق صواريخ موجودة بوفرة لدى التنظيمات نحو إسرائيل. في نهاية رمضان، ستجرى المسيرة التقليدية لـ “حزب الله” في بيروت التي سيشارك فيها أيضاً مئات الفلسطينيين. من الآن فصاعداً لا تقل “منظمات فلسطينية في لبنان” بل “حماس لبنان”.
العملية التي جرت في مفترق مجدو قبل نحو شهر شكلت مؤشراً أولياً على نتائج هذا التعاون: زرع العبوة هو العملية الأولى للتنظيم في أراضي الخط الأخضر. فإخراج أحد النشطاء من لبنان تم بعلم “حزب الله” له الذي حرص على أن يوفر له مرشداً يدله على الطريق. لماذا الآن؟ التقدير أن إخفاقات حماس في جبهتي نابلس وجنين دفعت العاروري لإيجاد حل وصياغة معادلة جديدة بين إسرائيل ومنظمات الإرهاب في “السامرة”.
اختيرت للمهمة عبوة بصيغة “حزب الله” تتميز في عدد المصابين الكبير. لماذا في مفترق مجدو؟ يبدو أن المخرب الذي حمل العبوة خاف من أن يمسك به، في ضوء المصاعب في التسلل إلى الضفة والتفتيشات الدقيقة التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي، ففضل تفجيرها على مسافة بضعة كيلومترات عن الهدف الأصلي. فقد ورد في الاتفاق بين التنظيمات: “حماس تكون مسؤولة عن إطلاق الصواريخ التي تكون بعضها دقيقة، وحوامات ومسيرات في كل مواجهة قريبة”. نشطاء مثل حسن فرحات، ونديم دوابشة، وأحمد حمدان، وسمير بندي يفترض أن يشكلوا تهديداً دائماً على إسرائيل، بخاصة كرد على نار إسرائيلية أو لخلق استفزازات في مجال المسجد الأقصى. بالمقابل، توجه انتقادات شديدة على نصر الله الذي، بينما ينهار لبنان اقتصادياً واجتماعياً، ينشغل بنزاع زائد مع إسرائيل ويخلق تهديداً جديداً على الدولة. لهذا السبب يوجد أمام الزعيم الشيعي عنوان لتوجيه سهام الاتهام إليه: حماس لبنان.
القدس العربي