تعاقبت وسائل إعلام إسرائيلية على تداول معلومات تفيد بأن حكومة بنيامين نتنياهو تعتزم العودة إلى سياسة الاغتيالات التي تستهدف القيادات السياسية والعسكرية للفصائل الفلسطينية وكوادر المقاومة والنشطاء على الأرض، في الضفة الغربية وقطاع غزة على حد سواء. وبدأ افتضاح هذه النوايا من تصريحات وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير الذي حث الأجهزة الأمنية على تنفيذ هذه الاغتيالات، وكذلك تهديدات وزير الطاقة والبنى التحتية يسرائيل كاتس الذي أعلن أنه «لا أحد محصّن» و«ستعود سياسة الاغتيالات إلى الطاولة».
غير أن الإشارة الأوضح أتت من نتنياهو نفسه، الذي طالب وزراء حكومته بالامتناع عن إطلاق التصريحات بخصوص عودة سياسة الاغتيالات، الأمر الذي لم يلجم تدفق المعلومات بهذا الصدد بعد أن كشف المراسل العسكري للقناة 12 الإسرائيلية أن اجتماعات نتنياهو مع كبار مسؤولي المؤسسة الأمنية تضمنت مناقشة هذا الخيار، واعتماده مجدداً كسياسة استراتيجية وليس مجرد إجراء تكتيكي. وإذ يتظاهر عشرات الآلاف من الإسرائيليين احتجاجاً على تقليص صلاحيات المحكمة العليا، فإن في وسع قادة الاحتلال الاستناد إلى فتوى المحكمة ذاتها في سنة 2006، حيث اعتبرت «الاغتيال الاستهدافي» مشروعاً حتى إذا خالف القانون الدولي.
مرجح إلى هذا ألا تكون سلطات الاحتلال قد انتظرت الإذن من نتنياهو واجتماعاته الأمنية كي تمارس الاغتيال السياسي، سواء بطريقة مباشرة كما في تصفية الشهيد تامر الكيلاني القيادي في مجموعة عرين الأسود في نابلس أواخر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي باستخدام دراجة مفخخة، أو بصفة غير مباشرة عبر استخدام مختلف أشكال الإعدامات الميدانية للمقاومين والنشطاء وتشجيع قطعان المستوطنين على ممارسة التصفيات وأعمال القتل.
وإذا كان صحيحاً أن حكومة نتنياهو الراهنة هي الأشد يمينية وتطرفاً وفاشية على امتداد تاريخ الكيان الصهيوني، فالصحيح في المقابل أن إقرار خيار الاغتيالات لن يكون مقتصراً عليها بل هو سياسة قديمة وقائمة انخرطت فيها حكومات الاحتلال كافة، وبالتالي فإن مطالب بن غفير وكاتس بعودة التصفيات ليست سوى استئناف للممارسات التي سبق أن رخّص لها رؤساء حكومات إسرائيلية منذ دافيد بن غوريون وحتى نتنياهو.
ولائحة شهداء فلسطين الذين تولت اغتيالهم أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية ليست واسعة ومتنوعة وضاربة في التاريخ فقط، بل تشمل أيضاً المثقف والسياسي والدبلوماسي والناشط، من غسان كنفاني ووائل زعيتر ومحمود همشري وباسل الكبيسي ومحمد يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر وماجد أبو شرار وخليل الوزير، وصولاً إلى علي حسن سلامة ويحيى عياش وأحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي، والعشرات سواهم.
ورغم أن تلك العمليات الإجرامية ظلت في العموم بمنأى عن المساءلة بالنظر إلى تواطؤ أصدقاء الاحتلال من الدول والمنظمات والكيانات والهيئات الدولية التي تزعم إعلاء راية القانون الدولي، فإنها لم تفلح في كسر روحية المقاومة لدى أجيال متتالية من أبناء الشعب الفلسطيني، في الداخل أو في الشتات. وليس اضطرار المؤسسة الأمنية الإسرائيلية إلى الحديث اليوم عن عودة إلى خيار الاغتيالات سوى إقرار بأن تلك السياسة القائمة فشلت في الماضي، وستفشل اليوم وفي المستقبل.
القدس العربي