توصّل مقال للصحافي الإيراني، كاظم زاده، منشور في صحيفة «خراسان» الأصولية، إلى أن «معادلات المنطقة تغيّرت» بحيث تحوّل مشروع التطبيع العربيّ هذه الأيام عن تل أبيب واتجه نحو دمشق. ورأى زاده أن اجتماع جامعة الدول العربية المقبل سيصدر، لأول مرة، حسب قوله، بيانا للدفاع عن وحدة أراضي سوريا، مما يمكن «أن يضع حدا للمغامرات الإسرائيلية في هذا البلد» مؤكدا أن التقارب بين طهران والدول العربية «سينهي مشروع رهاب إيران ويسبب كابوسا للإسرائيليين».
في تحليله للعلاقة بين تحسّن علاقات إيران بالدول العربية والتصعيد المتواصل مع إسرائيل، توصّل بحث عنوانه: «إيران: هجمة مصالحة على الدول العربية وتهديدات متزايدة لإسرائيل» لخلاصة مقاربة من وجهة نظر إسرائيلية (نُشرت ترجمته في «القدس العربي» في 20 من الشهر الجاري) حيث قال إنه ليس مستبعدا أن تستفيد إيران من تبديد التوتر مع جيرانها العرب «كفرصة لزيادة جهودها في تحسين الرد على إسرائيل وتعزيز ردعها الاستراتيجي».
رأى سفير إيران في دمشق، حسين أكبري، في زيارة رئيسه إبراهيم رئيسي إلى سوريا، الأربعاء المقبل، «منعطفا على الصعيد الإقليمي» فرغم العلاقات الاستراتيجية الوثيقة بين البلدين، فإن هذه الزيارة التي يقوم بها رئيس إيراني منذ اندلاع الثورة في سوريا عام 2011، والتي كان لطهران فيها دور مرجّح في بقاء نظام بشار الأسد، عبر التدخّل العسكري المباشر، أو عبر الدعم الذي تلقاه النظام من الميليشيات العديدة الموالية لإيران، من العراق ولبنان وباكستان وأفغانستان.
تجيء هذه الزيارة بعد لقاء علي خامنئي، المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، السبت الماضي، بالرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، الذي يقوم بأول زيارة رسمية له إلى طهران، والذي طالب خامنئي فيها رشيد بطرد القوات الأمريكية من بلاده، وبالتزامن مع زيارة لوزير الخارجية الإيرانية، حسين أمير عبد اللهيان، إلى بيروت، وإعلانه قرب فتح سفارة بلاده مع السعودية، وبالعكس، وكذلك إعلانه عن «تطورات مهمة» في العلاقات بين إيران والأردن ومصر قريبا.
انعكس التطبيع العربي المتزايد مع إيران على الملفّين اليمني والسوري، فشهدنا تقدما ملحوظا في اللقاءات بين الأطراف الإقليمية والمحلية المتنازعة في اليمن، وكان تبادل مئات الأسرى، ووصول وفد سعودي إلى صنعاء، أحد مظاهر هذا التقدّم المهم، وهو ما حصل أيضا، بنجاح أقلّ، في مجال التطبيع مع النظام السوري، وستكون الجولة المقررة، في عمّان، اليوم الاثنين، بين وزراء خارجية السعودية والأردن ومصر والعراق، مع وزير خارجية النظام السوري، أحد آخر تعبيراته.
تتزامن هذه الهجمة الدبلوماسية الإيرانية، مع تصعيد مستمر مع الولايات المتحدة الأمريكية، وكان احتجاز طهران لناقلة نفط تحمل علم جزر مارشال، أحد أشكال هذا التصعيد، في الوقت الذي تستمر فيه المواجهة العسكرية الإيرانية مع إسرائيل، فبالتزامن مع هجمات المستوطنين المتطرفين المدعومين من حكومة بنيامين نتنياهو وبن غفير، شهدنا تطوّرا جديدا تمثل بسقوط صواريخ من لبنان، وإسقاط مسيّرة قادمة من سوريا، إضافة إلى الصواريخ من غزة، وكان الرد على ذلك بقصف في سوريا قتل فيه ضابطان من «الحرس الثوري» وأشارت صحف إيران، حينها، عن فشل إسرائيل في الرد على «توحيد الساحات».
إحدى العناصر التي لا تلتفت إليها وسائل الإعلام عادة كانت زيارة وفد إيراني كبير برئاسة وزير الطرق الإيراني لدمشق، للإعلان عن تفعيل مشروع ربط سكك حديد بين مدينة الشلامجة الإيرانية، في محافظة خوزستان (المعروفة في الأدبيات التاريخية العربية بعربستان) بمدينة البصرة العراقية، ودراسة مد هذه الخطوط عبر الحدود السورية في اتجاه دمشق أو حمص وطرطوس، للوصول إلى البحر المتوسط. بانتظار تحقيق هذا المشروع فإن الوزير أشار إلى أهداف ممكنة التحقيق، ومنها تعزيز السياحة والحج بطاقة 50 ألف مسافر سنويا.
يكشف تحريك هذه المسارات كلّها عن جهد إيراني حثيث في استثمار إمكانياتها المتعددة، تقابله محاولات عربية، وسعودية، بشكل رئيسي، لزحزحة الأوضاع الإقليمية الراكدة، ورغم أن النتائج المتحصّلة، حتى الآن، تبدو جيدة نسبيا في اليمن، ومتباطئة في سوريا ولبنان، فإن تحرّك ديناميّات التطبيع والحرب سيفتح احتمالات جديدة لا يمكن التغاضي عن تأثيراتها، الإقليمية، والعالمية.
القدس العربي