نشرت مجلة “بوليتيكو” الأمريكية، مقالا بعنوان “على الغرب تعلم كيفية التعايش مع أردوغان”، للمحللة السياسية الإيطالية نتالي طوشي، مديرة المعهد الأوروبي للشؤون الدولية، تناولت فيه نتائج الانتخابات التركية، التي أوشك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على حسمها من الجولة الأولى بعد حصوله على 49.5% من أصوات الناخبين، على عكس توقعات معارضيه في الداخل والخارج.
واعتبرت أن نسبة التصويت في الانتخابات التركية التي بلغت 89% في بلد يقارب 90 مليون نسمة وهي نتيجة انتخابية تضع معظم الديمقراطيات الليبرالية في العار.
نسبة التصويت في الانتخابات التركية التي بلغت 89% في بلد يقارب 90 مليون نسمة هي نتيجة انتخابية تضع معظم الديمقراطيات الليبرالية في العار
ومع ترجيح كفة أردوغان للفوز برئاسة تركيا في الجولة الثانية للانتخابات، أكدت الكاتبة على أن الاتحاد الأوروبي سيجد نفسه في نهاية المطاف بعد الجولة الثانية مضطرا لتعلم كيفية التعامل مع أردوغان الذي يقترب من دخول عهده الثالث على رأس السلطة في تركيا.
وأكدت الكاتبة على أن الجولة الأولى من الانتخابات جاءت نزيهة ولم يتمكن أي من المنافسين من حسمها، على الرغم من الاتهامات الموجهة للنظام التركي بانتهاك حقوق الإنسان وغيرها.
وشددت طوشي على أن نتائج الانتخابات كشفت عن العديد من المفارقات، من بينها أنه بالرغم أن تركيا لا تعد ديمقراطية ليبرالية فإن مجتمعها أظهر مرونة ديمقراطية مثيرة للإعجاب.
ولفتت إلى أن يصعب تصور إجراء جولة إعادة في انتخابات روسية تحت حكم فلاديمير بوتين، أو في الصين تحت حكم شي جين بينج، أو مصر تحت حكم عبد الفتاح السيسي، وبغض النظر عن نتيجة الجولة الثانية، فإن نتائج الجولة الأولى تستحق التأمل.
ورجحت طوشي أن يحقق الرئيس أردوغان فوزا واضحا خلال جولة الإعادة على زعيم المعارضة كمال كيليتشدار أوغلو استنادا إلى الصفقات الانتخابية التي التوصل خلال الأسبوعين المقبلين.
وذكرت الكاتبة أن نتائج الجولة الأولى من الانتخابات التركية التي جاءت على عكس توقعات المعارضة تشير إلى أن تركيا بلد ينقسم جغرافيا أكثر فأكثر، ويشهد وتيرة متزايدة للنزعة القومية، إلى جانب حرب ثقافية عميقة الجذور، وحضور وجاذبية لما وصفته بالاستبداد الشعبوي.
وأشارت إلى أنه على عكس ما كان يأمل الغرب، فإن إعادة انتخاب الأتراك لرجب طيب أردوغان ربما يكون النتيجة المناسبة لأوروبا، إذ سيتمكن التكتل الأوروبي بموجب ذلك من مواصلة توجيه انتقاداته للنظام في أنقرة دون أن يملك عليه أي تأثير، وفي نفس الوقت مواصلة التعامل مع أردوغان الذي ينتهج بشكل واضح البرغماتية السياسية.
واستشهدت الكاتبة باستمرار اتفاقية الهجرة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، والتي بموجبها تحد الأخيرة من عدد المهاجرين الوافدين إليه من الجانب الشمالي الشرقي للبحر الأبيض المتوسط.
ولفتت إلى أنه مهما بلغ انتقاد أردوغان بسبب موقفه المحايد من غزو روسيا لأوكرانيا، إلا أنه نتج عن ذلك بعض الفوائد مثل الوساطة التركية في صفقة الحبوب.
واعتبرت أنه يمكن القول إنه لو كان منافس أردوغان كيليتشدار أوغلو في السلطة حينها لكان اتخذ موقفا مختلفا تماما.
ورأت أنه بينما من المحتمل أن يضع كيليتشدار أوغلو حال فوزه الديمقراطية التركية في مسارها الصحيح، أوالذي يرضي الغرب، فإن ذلك سوف يتطلب في المقابل انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي. وبالتالي، فإن انتصار المعارضة على أردوغان سيضطر الاتحاد الأوروبي إلى النظر في المرآة وكشف التناقضات الكثيرة فيما يتعلق بتركيا.
وبحسب الكاتبة فإن نتائج الانتخابات التركية حتى في حالة فوز أردوغان تشير إلى أن تركيا وأردوغان ليسا مترادفين.
نتائج الانتخابات كشفت عن العديد من المفارقات، من بينها أنه بالرغم أن تركيا لا تعد ديمقراطية ليبرالية فإن مجتمعها أظهر مرونة ديمقراطية مثيرة للإعجاب
ورأت أن هذا يعني بالنسبة لأوروبا الامتناع عن زيادة الانتقادات الموجهة للديمقراطية التركية لأن ذلك سوف يؤدي إلى نتائج عكسية في مجتمع تتزايد فيه النزعة القومية.
وختمت بالقول إنه بدلا من ذلك، يتطلب الأمر من أوروبا البحث عن طرق بديلة للتفاعل مع المجتمع التركي خارج إطار قائده، فالاستمرار في علاقة التعامل الحصرية مع تركيا من خلال أردوغان لا يعطي العدالة للبلد، ولا لديناميتها أو إمكاناتها للتغيير، ولكن من الأفضل إجراء حوار صادق مع تركيا بشأن ما يحتاجه الطرفان وما يمكن أن يقدموه.
القدس العربي