أدوات وأهداف الاستراتيجية الإيرانية بعد التطبيع العربي

أدوات وأهداف الاستراتيجية الإيرانية بعد التطبيع العربي

يطرح مناخ الانفراج الإقليمي الذي تحاول إيران الاستفادة منه، ويبدو على مستوى رضا المرشد الإيراني علي خامنئي عن السياسة الإقليمية لحكومة إبراهيم رئيسي من جهة، وتحركات وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان أخيراً في المنطقة العربية، تساؤلاً رئيساً حول مدى تغير أو استمرارية السياسة الإقليمية الإيرانية، لتتماشى مع مناخ الانفتاح الإقليمي عليها ويلبي التغيير الذي تنتظره دول المنطقة، لا سيما التي قبلت الانفتاح على إيران أخيراً.

ومن ثم التساؤل الرئيس، هل تتغير السياسة الإقليمية الإيرانية أم تستمر على مستوى الأهداف والرؤى وأدوات تنفيذ السياسة الخارجية الإيرانية في الشرق الأوسط؟

وللإجابة عن هذا التساؤل خلال تلك المرحلة التي يتطلع فيها كثير من الدول الإقليمية إلى مسار التحرك الإيراني ومدى توافقه أو تعارضه مع المناخ الإقليمي الحالي، يمكن النظر إلى تصريحات المرشد الإيراني خلال لقائه، في 20 مايو (أيار)، مع مجموعة من الدبلوماسيين الإيرانيين في وزارة الخارجية الإيرانية، حيث صاغ في خطابه لهم محددات السياسة الخارجية الإيرانية خلال المرحلة المقبلة.

وتنبع أهمية خطابات خامنئي بحكم منصبه، والتي هي، ووفقاً للدستور، بعيدة المدى، وتمتد لكل مستوى تقريباً في مستويات عملية صنع القرار ومؤسساته، وفقد خامنئي خلال خطابه المشار إليه، أنه يجب مراعاة ستة محددات للسياسة الخارجية هي “القدرة على التبيين المقنع لمنطق مقاربات البلاد للقضايا المختلفة، والحضور الفعال والموجه في مختلف الظواهر والأحداث والتوجهات السياسية – الاقتصادية في العالم، وإزالة أو الحد من السياسات والقرارات التي تهدد إيران، وإضعاف المراكز الخطرة، وتقوية الحكومات والمجموعات المتحالفة والمؤيدة لإيران وتوسيع العمق الاستراتيجي للبلاد، والقدرة على تشخيص الطبقات المخفية في القرارات والإجراءات الإقليمية والعالمية”.
ويلاحظ أن كل محدد أو ضابط ذكره خامنئي يوحي باستمرار السياسة الإيرانية في مسارها كما هي مع التمسك بتوظيف الأدوات ذاتها التي اعتادتها، والخطاب يحمل مشاعر الريبة والشك نفسها في المحيط الإقليمي والدولي، وكأن ثمة استهدافاً للنظام الإيراني، وذلك في إشارته إلى تشخيص الطبقات المخفية في القرارات الإقليمية والدولية، وهي المعضلة ذاتها التي يتسم بها الإدراك الإيراني في علاقته بالغرب وجيرانه.

من جهة أخرى، أكد خامنئي استمرار دعم وتقوية الحكومات والجماعات المؤيدة لإيران وتوسيع العمق الاستراتيجي للبلاد، وهنا استخدام كلمة الجماعات والمقصود بها الفاعلين من دول الدول، وهو ما يعني استمرار توظيف العلاقة بين إيران وشبكة من الوكلاء الإقليميين لتحقيق المصالح الإيرانية، بما يطرح تساؤلاً حول هل تستمر في التدخل بالشؤون الداخلية للدول؟ وهل يعني تقوية تلك الجماعات العمل على تقديم المساعدات المالية والعسكرية واللوجيستية لها في مواجهة حكوماتها؟

لم تكن تصريحات خامنئي فقط هي التي تطرح تساؤلات حول مدى تغير أو استمرار سياسة إيران، فمن جهة، منذ أسابيع، كشفت إيران عن تصنيع صاروخ باليستي تفوق سرعته سرعة الصوت (فرط صوتي)، في الوقت الذي تعي فيه إيران أن منظومة الصواريخ الباليستية تشكل أحد مصادر التهديد في الشرق الأوسط. ومن جهة أخرى تصريحات القادة الإيرانيين تصب في الاتجاه ذاته، فقد صرح القائد العام لـ”الحرس الثوري” حسين سلامي، منذ أيام، بأن الفلسفة الأساسية لـ”الثورة الإسلامية” هي أن يرث المستضعفون الأرض، وأن إيران تواجه عالماً من دون حدود في مجال إغاثة ودعم الأمة الإسلامية ومستضعفي العالم، وهو المبرر نفسه للعلاقات الإيرانية بعدد من الجماعات والتنظيمات في الدول العربية.

كما جاءت تصريحات قائد القوات البحرية لـ”الحرس الثوري” حول ضرورة أن على كل سفينة تعبر مضيق هرمز أن تعرف نفسها باللغة الفارسية، وتثار هنا إشكالية مفهوم إيران لأمن الخليج، حيث تشاطئه مع جيرانها من الدول الخليجية العربية واستمرار محاولة استعراض القوة به.

هذه التصريحات والسلوكيات، والتي توضح استمرار ازدواجية التعاطي الإيراني مع الإقليم وحدت ازدواجية الإدراك، ففي حين تريد إيران الانفتاح على القوى الإقليمية وخلق علاقات طبيعية تستفيد منها اقتصادياً، فإن العقلية القائمة على استعراض القوة والشعور بالاضطهاد ما زالت مستمرة، لذا ربما على النظام الإيراني الاستفادة من حالة الانفتاح الإقليمي وفتح قنوات التواصل والمحادثات بينها وبين بعض الدول العربية التي كان لديها قطيعة معها لبناء نظام إقليمي يستند إلى الحوار والتعاون والتوافق حول آليات لتسوية الخلافات بدلاً من العودة للتوترات وعدم الاستقرار.

اندبندت عربي