بعد الترحيب بوزيرة الخزانة الأمريكية جانيت بيلين في بكين، في محاولة متجددة لإصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة، يمكن للصين الآن توجيه اهتمامها إلى علاقات أخرى ذات أهمية اقتصادية وجيوسياسية: أوروبا. ولن يكون بحث هذه العلاقات سهلاً.
كان من المقرر أن يصل جوزيب بوريل، الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية إلى بكين أمس الإثنين، للاجتماع مع وزير الخارجية الصيني تشين جانج، وغيره من كبار المسؤولين. ولكن تم فجأة تأجيل الزيارة، يوم الأربعاء الماضي، دون أي تفسير. وهذه هي المرة الثانية التي يضطر فيها بوريل إلى تأجيل خطط سفره، بعدما ألغى زيارة، في نيسان/أبريل الماضي، لإصابته بفيروس كورونا.
ليس هناك ما يدل كثيراً على أن الصين تقدّر مدى عمق تأثير موقفها الموالي لروسيا على تصورات أوروبا.
وقال ماثيو بروكر، الكاتب والمتخصص في التمويل والسياسة الآسيوية بوكالة بلومبرغ للأنباء، إنه رداً على سؤال عن الإلغاء الذي أعلنه فقط الجانب الأوروبي، قال وانج بين، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية: “نرحب بزيارة الممثل السامي جوزيب بوريل للصين في وقت قريب مناسب للجانبين”. وأضاف أن الصين “تعلق أهمية كبيرة على العلاقات مع الاتحاد الأوروبي”، وستظل على اتصال.
وأضاف بروكر، في تقرير نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء، أنه لا ينبغي أن يخفي ذلك الأسلوب المهذب مدى العقبات أمام تحقيق علاقات أكثر سلاسة بين الجانبين. ففي 30 حزيران/ يونيو الماضي، نشرت هولندا ضوابط جديدة للتصدير من شأنها تقييد تصدير آلات تصنيع الرقائق الإلكترونية للصين، والمطلوبة لإنتاج أشباه الموصلات الأكثر تقدماً. وبعد ثلاثة أيام، فرضت الصين قيوداً على تصدير الجاليوم والجيرمانيوم، وهما من المعادن التي تستخدم في صناعات أشباه الموصلات والسيارات الكهربائية، كتذكير بقدرتها على استخدام القيود التجارية كسلاح.
من ناحية أخرى، ردت الصين بغضب على قرار البرلمان الأوروبي، الشهر الماضي، والذي دعا إلى إطلاق سراح قطب الإعلام جيمي لاي، وإسقاط الاتهامات بحقه، وكذلك بالنسبة لغيره من النشطاء الآخرين دعاة الديمقراطية الذين يخضعون لقانون الأمن القومي في هونغ كونغ.
ولكن من وجهة النطر الأوروبية، هناك أمر مثير للضيق يتجاوز جميع الأمور الأخرى: وهو غزو أوكرانيا. ويقول بروكر إنه بعد مرور عام ونصف العام على بدء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حربه العدوانية غير المشروعة، ليس هناك ما يدل كثيراً على أن الصين تقدر مدى عمق تأثير موقفها الموالي لروسيا على تصورات أوروبا.
واتسم خطاب بكين الرسمي عن هذا الأمر بالصمت. وسوف تظل احتمالات إعادة بناء الثقة وتحسين العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين بصورة حقيقية أمراً مشكوكاً، فيه طالما ظلت بكين تتجاهل ما يبدو أنه سوء فهم عميق.
وبينما تعلن الصين حيادها، رفضت انتقاد الغزو الروسي، أو حتى الاعتراف به، وما زالت تصفه بأنه “أزمة” وليس حرباً، (مما يعكس تأكيد روسيا بأن هذه” عملية عسكرية خاصة”). وتمثل رد الصين على التوترات التي أجّجها هذا الموقف في الحث على اتباع سياسة “استقلال إستراتيجي” بالنسبة لأوروبا. ويعني هذا أن الغزو كان سببه استفزازاً من جانب الولايات المتحدة، ويتعين على أوروبا عدم اتباع واشنطن في دعم أوكرانيا بصورة عمياء.
ويقول بروكر إن هذه إهانة، كما أنها غير دقيقة، فأوروبا ليست بحاجة لأي مساعدة لتدرك عدواناً يحدث في فنائها.
وأدت الشراكة “بلا حدود”، التي أعلنها بوتين والرئيس الصيني شي جين بينج قبل أقل من ثلاثة أسابيع من انطلاق غزو أوكرانيا إلى فتح الأعين الأوروبية على عداء الحزب الشيوعي للنظام العالمي الليبرالي القائم، ورغبته في إعادة تشكيله بطريقة تخدم بدرجة أكثر مصالح الدول الاستبدادية.
تقول الصين على أوروبا عدم اتباع واشنطن في دعم أوكرانيا بصورة عمياء، ويقول بروكر إن هذه إهانة، فأوروبا ليست بحاجة لأي مساعدة لتدرك عدواناً يحدث في فنائها.
وعندما لم يتمكن بوريل من التوجه للصين، في نيسان/أبريل الماضي، نشر الكلمة التي كان سيلقيها هناك، والتي جاء فيها: “لست هنا لإلقاء دروس أو تقديم النصح للصين، فأنا احترم كثيراً استقلالها وسيادتها. ومع ذلك، أود أن أقول هذا بدافع الصداقة: سيكون من الصعب للغاية ، إن لم يكن من المستحيل، أن يبقى الاتحاد الأوروبي على علاقات تتسم بالثقة مع الصين، وهو ما أود أن أراه، إذا لم تسهم بكين في البحث عن حل سياسي قائم على أساس انسحاب روسيا من الأراضي الأوكرانية. إن الحيادية في ظل انتهاك القانون الدولي أمر غير معقول. نحن لا نطلب من أحد أن يتبنى موقفنا. ببساطة، نحن نطلب الاعتراف بأنه في هذه الحالة هناك انتهاك صارخ للقانون الدولي”.
وقال بروكر، في ختام تقريره، إن أوروبا تنتظر، وتساءل: هل تسمع الصين ذلك؟
(د ب أ)