أقرّ البرلمان الأوكراني قبل أيام قرار الرئيس فولوديمير زيلنسكي تعيين رستم أميروف (41 عاما) وزيرا للدفاع، في خطوة لافتة بسبب مسؤولية هذا الموقع شديد الأهمية والخطورة في ظل الحرب الدائرة حاليا مع روسيا. وجّه تعيين أميروف الأنظار إلى الأدوار التي يلعبها مسلمون في أوكرانيا، مثل رينات أخميتوف، الذي يعتبر من كبار أغنياء البلاد، وهو من تتار الفولغا في إقليم دونباس، ويملك شركات بارزة في سوق الطاقة والمعادن والتمويل والاتصالات والإعلام، بينها مصنع «أزوف ستال» الذي صار رمزا لصمود وحصار مدينة ماريوبول، ومثل أياروفنا جباروف، وهي ناشطة وصحافية تشغل منصب النائب الأول لوزير الخارجية، ومثل تاميلا تاشيفا التي تشغل منصب الممثل الدائم للرئيس الأوكراني في جمهورية القرم. يقدّم تعيين أميروف مناسبة أيضا لمقارنة أدوار المسلمين على الجبهة الروسية، وعلى رأسهم، طبعا، رمضان قديروف، رئيس جمهورية الشيشان (47 عاما) الذي يعتبر من أقرب الشخصيات السياسية إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويونس بك يفكوروف، رئيس جمهورية إنغوشيتيا السابق، ونائب وزير الدفاع الروسي حاليا، الذي شهدت المنطقة العربية مؤخرا زيارتين له، إلى ليبيا حيث اجتمع بخليفة حفتر، وإلى سوريا حيث اجتمع بوزير دفاع النظام السوري علي محمود عباس. يمكن للمقارنة بين مساري وصول أميروف وقديروف إلى المنصبين البارزين أن تقدم تفسيرا أفضل لأوضاع روسيا وأوكرانيا وكذلك لأوضاع المسلمين فيهما. جاء أميروف، ذو الأصول القرمية التترية المسلمة، والمولود في سمرقند – أوزبكستان، إلى هذه المسؤولية من مسار الأعمال والاستثمار، والذي تحوّل إلى النشاط السياسي الاجتماعي عبر تأسيس منظمات ومؤسسات لخدمة الشعب التتري، ثم انتخب نائبا عن حزب «الصوت» المعارض، لينضم بعدها لمجموعة عمل ضمن مجلس الأمن القومي والدفاع للإعداد لاستراتيجية إنهاء الاحتلال الروسي لشبه جزيرة القرم، كما كان حاضرا ضمن جلسات التفاوض مع موسكو في تركيا وروسيا، لكن العامل الذي أضاف وزنا لتعيينه، ربما، هو كشف عدة فضائح فساد في الوزارة، مما أدى لإقالة عدد كبير من المسؤولين، فيما كان أميروف رئيسا لصندوق ممتلكات الدولة واشتهر بعمله على مكافحة الفساد. أما قديروف فهو من عائلة قام ستالين، الزعيم السوفييتي الراحل، بتهجيرها من الشيشان، وعاد والده، أحمد، مفتيا للبلاد عام 1993، ثم قائدا للجماعات الانفصالية، لكنه نقل بندقيته لصالح روسيا عام 1999، وساهم بتسليم مدينة جوديرمس للقوات الروسية، وهو ما قامت موسكو بتقديره فوصل لرئاسة البلاد عام 2003، لكنه اغتيل في العام التالي، وترقى رمضان، بعدها، من رتبة نائب لرئيس الوزراء إلى رئيس للبلاد عام 2009. على عكس أميروف، فإن تهم الفساد وخروقات حقوق الإنسان تلاحق قديروف، وقد أدى الطريق الدموي لوصوله إلى السلطة إلى تعرضه هو أيضا لمحاولتي اغتيال، ولديه سياق طويل من الفضائح السياسية والاجتماعية، كما أن المعارضة الروسية اتهمته بتنفيذ جرائم منظمة واغتيال صحافيين وناشطين وخصوم سياسيين، بينهم المعارض بوريس نيمتسوف. هناك رابط أيضا بين قديروف ويفكوروف، فبعد تعرض الأخير، حين كان رئيسا لأنغوشيتيا، إلى هجوم بسيارة مفخخة عام 2009، صدر أمر من الكرملين لقديروف بمحاربة المتمردين في تلك الجمهورية الصغيرة، ومن اللافت حينها أنه تنبأ بهجوم روسيا على أوكرانيا التي اتهمها بدعم المتمردين طالبا من الكرملين القيام «باستئصال ذلك المرض»! تشرح وقائع المقارنة بين أمثال أميروف، الذين صعدوا نتيجة كفاءاتهم الشخصية ومساهماتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية في أوكرانيا، وأمثال قديروف الذين صعدوا إلى السلطة عبر مسار دموي يجمع بين الانقلاب على المطالبين باستقلال جمهوريتهم والتبعية للأجهزة الأمنية الروسية، بطريقة غير مباشرة، أسباب الصراع الروسي ـ الأوكراني، لكنها تشرح أيضا الكثير من أوضاع العالم.