تأخذ تظاهرات السويداء، جنوبي سورية، منحى تصاعدياً، لا سيما بعد حادثة إطلاق النار لتفريق المتظاهرين من قبل عناصر مسلحة في مبنى قيادة حزب “البعث”، داخل مدينة السويداء يوم الأربعاء الماضي، ما أدى لإصابة ثلاثة متظاهرين، ثم توجيه شيخ العقل الأول لطائفة الموحدين الدروز في سورية، حكمت الهجري، خطاباً تحذيرياً من التصعيد أمام المتظاهرين، على الرغم من مطالبته بضبط النفس والحكمة. لكنه أكد استمرار التظاهرات، موجهاً رسالة بعدم الرهان على الملل وطول أمد الحراك الحاصل في المحافظة، ذات الغالبية الدرزية.
وواصل المتظاهرون في السويداء حراكهم يوم أمس الجمعة، بتظاهرات في نقاط عدة، كان أكبرها داخل مدينة السويداء، بدأت من أمام مقر قيادة حزب “البعث” في المدينة، برسالة تفيد بعدم الانصياع لحركة إطلاق النار يوم الأربعاء الماضي.
واستخدم المتظاهرون الشعارات نفسها التي يرددونها منذ بداية حراكهم، المطالِبة بإسقاط النظام وإخراج إيران من البلاد، بالإضافة إلى التركيز على شعار “حزب البعث خائن”، وذلك قبل توجه التظاهرة إلى ساحة الكرامة وسط المدينة، مركز التظاهر المعتاد للأهالي.
وتجمّع الآلاف في ساحة المحافظة، في واحدة من أكبر التظاهرات التي شهدها الحراك في السويداء منذ اندلاعه قبل نحو شهر.
وبدت الشعارات خلال التظاهرة أقوى من ذي قبل، عبر المطالبة بإسقاط رئيس النظام بشار الأسد ورحيله عن السلطة، والدعوة لإخراج إيران ومليشياتها خارج البلاد، لا سيما بعدما دعا إلى ذلك الشيخ الهجري في خطابه بعد حادثة إطلاق النار.
قضايا وناس
حالات انتحار مأساوية تهزّ مناطق المعارضة السورية
وقال الناشط المدني سامر أبو دقة، المشارك في تظاهرة الأمس الكبيرة، إن المشهد في الساحة هو رسالة واضحة للنظام ولحزب “البعث” مفادها “سترحلون عاجلاً أو آجلاً، فحاجز الخوف تحطم”.
وأضاف في حديث لـ”العربي الجديد” أنه “يجب على هذا النظام أن يفهم أن خروج الآلاف وبهذا الزخم غير المسبوق، هو تأكيد من معظم المواطنين في السويداء على دعم الشارع ومطالبه بالحرية والانتقال السياسي والتغيير السلمي، في تحدٍ صارخ لكل محاولات النظام بإبعاد قسم من الناس عن المحتجين من خلال التهم الجاهزة، وغير ذلك من محاولات شق الصف”.
تظاهرة غير مسبوقة في السويداء
من جهته، أشار الناشط المدني منيف رشيد، في تصريح لـ”العربي الجديد”، إلى أن “تظاهرة (أمس) الجمعة غير المسبوقة على الإطلاق في محافظة السويداء منذ بداية الثورة السورية عام 2011، تدل على عدم الانصياع لكل التهديدات، والاستمرار في الساحات حتى تحقيق المطلب الأساسي في التغيير السياسي وفق قرار مجلس الأمن الدولي 2254 (في 2015، للانتقال السياسي وإجراء انتخابات ووضع دستور تحت سقف الأمم المتحدة)”.
وأكد أن “التظاهرات سوف تستمر بسلميتها على الرغم من الاستفزازات اليومية والإشاعات، والأبواق الإعلامية التي تتهم المتظاهرين بالعمالة”.
وفيما رأت ناشطة حقوقية في حديث لـ”العربي الجديد” أن يوم الأربعاء الماضي، كان “السقوط الشرعي والضمني للنظام في السويداء”، قالت إن “مفاعيل ما حدث (من إطلاق نار على المتظاهرين) باتت واضحة للجميع ولم يعد للنظام وإعلامه وماكينته الإعلامية أي سيطرة على عقول غالبية مواطني المحافظة”.
يقول ناشطون إن النظام قد يحاول افتعال أحداث أمنية بناء على السياق القديم للوضع السوري
وأعربت عن اعتقادها أن “النظام ربما يحاول افتعال أحداث أمنية بناء على السياق القديم للوضع السوري على مدى عقد”. ونبّهت أبناء المحافظة إلى ضرورة “إبقاء أعينهم مفتوحة لأي حركات غادرة عبر مليشيات النظام”، مشيرة إلى أنها “لا تقول ذلك في سبيل التخويف، ولكن لدواعي الحذر”.
الحراك في السويداء لا ينفصل عن الحراك في كل سورية
وتلا المتظاهرون أمس، بياناً صيغ بالتوافق بين منظمي الحراك والرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز في سورية، أشاروا فيه إلى أن “سورية التي كانت عز الشرق وخزان ثرواته، أصبحت وطناً للجائعين المحرومين من أبسط حقوق الحياة”.
وأضاف البيان أن “دولة المخابرات حوّلت مجتمعها إلى أشلاء، لقد جعلوا فلاحها يزرع ولا يأكل، عاملها يصنع ولا يلبس، موظفها يَخدم ولا يُخدم، وجنديها يدافِع ولا يدافَع عنه”.
بيان منظمي الحراك: لم يعد مقبولاً أن يملي علينا حزب سياساته وأن يرثنا أحد كأننا بعض من أملاك أسرته
وأشار إلى تشريد المجتمع السوري، ووجود عدد كبير منه في مخيمات النزوح، منوهاً إلى أن النظام يريد “دولة بلا شعب”. وتوجه للأخير بالقول: “بئس الحكم والحكومات أنتم”.
وأكد البيان أن حراك السويداء لا ينفك عن الحراك في سورية ككل، داعياً إلى وحدة الصف للوصول إلى “بناء الدولة الديمقراطية” لكل السوريين. وقال المتظاهرون في البيان إنه “لم يعد مقبولاً أن يملي علينا حزب سياساته”، بالإشارة إلى حزب البعث، “أو أن يرثنا أحد كأننا بعض من أملاك أسرته وخاصيته”.
وشهدت تظاهرة الأمس في ساحة الكرامة، قيام أحد المواطنين بتقديم وليمة المنسف العربي، الذي أطلق عليه (قِرى الكرامة)، حيث يعد المنسف من أهم العادات والتقاليد الاجتماعية في جبل العرب ودليلا على الكرم والفرح، ويدل ذلك على زيادة التكاتف الشعبي مع الحراك في ظل استمراره وتصاعده.
تحذيرات دولية وأممية من استخدام العنف ضد المتظاهرين
وفي موازاة ذلك تصاعدت التحذيرات الدولية من التعامل بعنف مع تظاهرات السويداء من قبل النظام السوري، بعد إطلاق النار على المتظاهرين. وقالت السفارة الأميركية في دمشق (سابقاً)، في بيان على منصة “إكس” (تويتر سابقاً) مساء أمس الأول: “نحن قلقون بشأن التقارير حول استخدام النظام للقوة في السويداء”.
وأضافت: “ندعم حق الشعب السوري في التظاهر بسلام من أجل الكرامة والحرية والأمان والعدالة”، لافتة إلى أن “الحل السياسي وفقاً للقرار الأممي رقم 2254 هو الحل الوحيد الممكن لهذا النزاع”.
طلاب وشباب
جيل مُهدّد بالأمية في مناطق شمال غرب سورية بسبب الفقر
من جهتها، أعربت المبعوثة الفرنسية الخاصة إلى سورية، بريجيت كرمي، على “إكس” مساء أمس الأول، عن قلقها البالغ إزاء “التصاعد المقلق للعنف في منطقة السويداء جنوبي سورية”، مضيفة أنه “بعد ثلاثة أسابيع من حراك شعبي مستمر، الأخبار التي تصل إلينا اليوم من السويداء مقلقة للغاية، ويجب على النظام الامتناع عن استخدام القوة ضد المتظاهرين السلميين”.
وبالتزامن قال المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسن، في تغريدة على “إكس”، إنه يتابع الأوضاع في السويداء بقلق ويؤكد على “ضرورة حماية المدنيين واحترام حقوق الاحتجاج السلمي”.
وفي خطوة فُهمت من قبل المحتجين على أنها تهديدية، حلّقت، ظهر أمس الأول، طائرات حربية تابعة للنظام في سماء محافظة السويداء، في حدث نادر. واعتبر ناشطون في المحافظة، أن ذلك يحمل رسائل ترهيب لأهالي المحافظة الذين يواصلون انتفاضتهم ضد النظام منذ نحو شهر، وسط إصرار على استمرارها حتى تحقيق أهدافها في التغيير السياسي.