يقوم أنتوني بلينكن بجولات دبلوماسية مكوكية في الشرق الأوسط وأمامه ثلاثة أهداف يريد تحقيقها تتعلق بإسرائيل وغزة، لكن المشكلة هي في أن أياً منها ليس على طريق الإنجاز.
والأولى هي إقناع إسرائيل بالموافقة على هدنة موقتة في القتال تسمح بدخول مزيد من المساعدات، وربما إخراج رهائن. والضغط يتزايد من أجل التوصل إلى شكل من أشكال وقف إطلاق النار مع استمرار أعداد القتلى بالارتفاع في غزة – فيما تواصل إسرائيل قصفها الجوي وعملياتها البرية المرافقة له. فاقت هذه الحصيلة 10 آلاف قتيل وفقاً لوزارة الصحة في غزة التي تديرها “حماس”. أعلن البنتاغون، الإثنين، أن حصيلة الوفيات بين المدنيين بالآلاف دون أن يقدم رقماً محدداً.
خلال اجتماع بلينكن بوزير الخارجية التركي هاكان فيدان قيل لوزير الخارجية الأميركي إنه من الضروري إعلان وقف فوري لإطلاق النار. لم يحدث أي لقاء مباشر مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي انتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشدة وشذ عن حلفائه الآخرين في الناتو بعدم إعرابه عن دعمه الكامل لحق إسرائيل بالدفاع عن نفسها.
أوضح نتنياهو مرات عدة خلال الأيام الأخيرة، أقلها في العلن، عن عدم استعداده البحث في وقف لإطلاق النار- سواء كان موقتاً أم غيره – قبل إطلاق سراح 240 رهينة أو أكثر أخذوا خلال هجوم “حماس” على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول). وبالنظر إلى عدد الإسرائيليين الذين قتلوا خلال ذلك الهجوم الإرهابي (1400)، وخطاب القضاء على “حماس” الذي شكل أحد الثوابت خلال عملية القصف التي تلت ذلك، لا يبدو أن الأمل كبير في أن يقنع بلينكن نتنياهو بتغيير رأيه، أقله حتى الآن.
والثانية هي محاولة دفع الدول العربية في المنطقة إلى التفكير في ما يمكن فعله لإحقاق السلام على المدى الأبعد، ما بعد الحرب الراهنة، لكن قياساً إلى عقود من المحادثات والحروب المتعددة التي إما دارت داخل غزة أو في سمائها، دون أن تفضي أي واحدة من بينها إلى اتفاق دائم، يظهر أن ذلك المسعى خائب في هذه اللحظة تحديداً، ولا سيما أن الأولوية الواضحة لدول مثل تركيا والأردن هي وضع حد لسفك الدماء الجاري حالياً. قد يشعر بلينكن بأن الخوض في القضايا الأكبر جزء مهم من تحريك الحوار، لكنه لن يتعدى ذلك إجمالاً.
أما الثالثة فهي الحيلولة دون امتداد رقعة الصراع. تحدثت الولايات المتحدة بوضوح عن الخطر الذي تراه من إيران التي تدعم “حماس” و”حزب الله” في لبنان. وجاء نشر حاملتي طائرات أميركيتين في شرق البحر المتوسط باعتباره رسالة دعم لإسرائيل وتحذير لإيران، وعزز ذلك نشر غواصة نووية في الشرق الأوسط وصلت إلى المنطقة خلال عطلة نهاية الأسبوع.
بدا جلياً خلال الأيام القليلة الماضية بأنه لا رغبة بتوسيع الحرب. على رغم الخطابات النارية التي توجهها إيران لإسرائيل والولايات المتحدة، أدلى الأمين العام لـ”حزب الله” بخطاب في نهاية الأسبوع الماضي قال فيه إن الحزب لم يكن على علم مسبق بالهجوم الذي شنته “حماس” على إسرائيل، ولم يعلن الحرب الشاملة على إسرائيل على رغم الاشتباكات المتكررة على الحدود بين الدولتين منذ بداية قصف غزة.
هذا لا يعني انعدام الخطر. والإثنين الماضي أطلقت رشقة صاروخية أخرى من لبنان باتجاه إسرائيل، وتبنى العملية الجناح العسكري لحركة “حماس”، كما خرج الجيش الإسرائيلي لاحقاً ليقول إنه يضرب أهدافاً تابعة لـ”حزب الله”. لا بد أن بلينكن يعي جيداً خطر التصعيد في حال أقدم أي من الطرفين على خطوة خاطئة.
وصرح بلينكن بعد اجتماعاته في أنقرة “كل هذه المواضيع قيد البحث… لا نتفق على كل شيء بالطبع، لكن بيننا توافقاً في الآراء على بعض الأمور الحيوية التي نواصل العمل عليها معاً”.
وذكر المساعدات والضحايا المدنيين، فقال “نعمل مع الإسرائيليين في شأن الخطوات التي يمكنهم أخذها لتقليص أعداد الضحايا المدنيين… ونعمل أيضاً بشدة كما ذكرت سابقاً على إدخال مزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة”. وأضاف في موضوع الرهائن “نركز جداً على الرهائن الموجودين بيد (حماس) بما فيهم الأميركيين، ونبذل قصارى جهدنا في سبيل إعادتهم إلى ديارهم”.
لكن المقطع الأول من التصريح أعلاه هو الدلالة على المكان الذي وصلنا إليه. كل الأمور قيد البحث – مجهود لا تلوح له نهاية في الأفق حالياً، على ما يبدو.
ما المرحلة التالية إذاً؟ فيما يبدو بأن إسرائيل لن تغير موقفها قيد أنملة من فكرة الهدنة الإنسانية في الوقت الحالي، ليس أمام بلينكن والولايات المتحدة سوى الاستمرار بالكلام ومحاولة الحفاظ على ضغوطهم الخاصة، كما التحرك من أجل تيسير عمل دول مثل قطر تسعى إلى تحرير الرهائن، لكن حتى الدوحة قالت إن تحرير الرهائن صعب من دون “فترة هدوء” في غزة.
قد يعتقد كثير أن كلام واشنطن لا وزن له. وحده الوقت كفيل بتبيان صحة ذلك من عدمها.