رمت الحكومة الإيرانية بكل ثقلها خلف شركاتها المحلية من خلال منحها عقودا ضمن مرحلة جديدة لتطوير مجموعة من الحقول النفطية، واضعة في حسبانها تحقيق هدفها المتعلق بتعزيز إنتاج الخام وجني المزيد من الإيرادات في تحد آخر للعقوبات الأميركية.
طهران- كشفت إيران الأحد عن سلسلة من المشاريع لزيادة إنتاجها النفطي بالتعاون مع الشركات المحلية، وهي المبادرة الثانية للبلاد خلال أيام للاستفادة من الموارد المحلية لتطوير قطاع الطاقة لديها.
وذكرت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية التي تديرها الدولة أن الشركات حصلت على عقود بقيمة 13 مليار دولار لتعزيز الإنتاج من ستة حقول نفط بما يصل إلى 350 ألف برميل يوميا.
وتشمل المشاريع الرئيسية تطوير حقل أزاديجان العملاق، الذي يمتلك احتياطات نفطية تقدر بنحو 32 مليار برميل وأيضا حقل آزار، وكلاهما مشترك مع العراق على طول الحدود الغربية والجنوبية الغربية للبلاد.
وتقول طهران إن لديها القدرة على مضاعفة صادراتها النفطية إذا كان هناك طلب كاف، حتى مع أن التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي للبلاد يمكن أن يمهد الطريق لرفع العقوبات لا يزال بعيد المنال.
وكان محسن خجسته مهر المدير الإداري لشركة النفط الوطنية الإيرانية قد أكد في مايو 2022 أن الشركة ستوقع اتفاقا مع البنوك وشركات الإنتاج المحلية لتطوير المرحلة الثانية من الأجزاء الشمالية والجنوبية من حقل أزاديجان بقيمة 7.5 مليار دولار لتعزيز الإنتاج.
وصرح خجسته مهر في ذلك الوقت أن “إيران ستبذل أقصى جهدها لاستعادة حصتها في سوق النفط الخام وشحن الكميات التي يحتاجها زبائنها”. وفي حين أن إيران لا تنشر أرقام إنتاج النفط أو صادراته، فإن المحللين يقدرون أنها تبيع ما يصل إلى مليون برميل يوميا. وتتوقع خطة الميزانية الحكومية مبيعات يومية تبلغ 1.4 مليون برميل.
ولم يذكر محسن منصوري نائب الرئيس الإيراني حجم عائدات بلاده بدقة حينما صرح لوسائل الإعلام المحلية مطلع فبراير الماضي، لكنه أكد أنها نمت بواقع 20 في المئة على أساس سنوي رغم الحظر الاقتصادي المفروض من واشنطن. وقدرت وكالة الطاقة الدولية إجمالي الإيرادات التي حصلت عليها الحكومة الإيرانية نتيجة مبيعات النفط في عام 2022 بأكثر من 54 مليار دولار.
وتعرضت صادرات النفط الإيرانية لضربة بعد أن تخلى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عن الاتفاق النووي الإيراني في عام 2018 الذي حد من الأنشطة الذرية للبلاد مقابل الإغاثة الاقتصادية، بما في ذلك مبيعاتها النفطية المهمة.
ولكن اتجاه إيران العضو في منظمة أوبك نحو الشركات المحلية اكتسب زخما، عندما غادرت الشركات متعددة الجنسيات سوق الطاقة في البلاد إلى حد كبير في أعقاب انسحاب ترامب من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات.
وحظي هذا التحول بدعم أكبر بعد أن أصبح رجل الدين المتشدد إبراهيم رئيسي، الذي يحمل آراء مناهضة للغرب، رئيسا لإيران في عام 2021. ودعا رئيسي إلى سياسة تركز على الحد من الاعتماد على الكيانات الأجنبية.
ووصفت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الاتفاقيات الجديدة بأنها “أكبر صفقات للنفط منذ عقد من الزمن”، دون تقديم تفاصيل حول كيفية تمويلها. وفي العام 2022، تم تكليف مجموعة من الشركات والبنوك المحلية بتطوير حقل آزادغان باستثمارات تقدر بنحو 7 مليارات دولار.
ورغم الضغوط الأميركية، زاد إنتاج النفط الإيراني، إذ ارتفع إلى أعلى مستوى له منذ خمس سنوات بأكثر من 3 ملايين برميل يوميا في العام الماضي. كما تتجه معظم صادراتها من النفط الخام إلى الصين، وتحاول طهران جعل الإنتاج اليومي يبلغ 3.6 مليون برميل.
وفي الأسبوع الماضي، ذكرت إيران أنها منحت عقودا بقيمة 20 مليار دولار لشركات محلية في سباق مع قطر لزيادة الإنتاج من حقل غاز جنوب بارس البحري في الخليج العربي.
وإلى جانب ذلك، يركز الإيرانيون بكثافة على التكرير من أجل بيع معظمها في الخارج وخاصة أكبر حليفتها الصين، التي تعد من أكبر أسواقها الاستهلاكية. وأصبحت إيران العضو في أوبك العام الماضي أكبر مورد في الشرق الأوسط لهذا الوقود، الذي يستخدم للتدفئة والطهي وكمادة خام لمصانع الكيماويات.
ووفقا لتحليل بيانات تتبع السفن وأبحاث الأسواق من شركة الاستشارات فاكتس غلوبال أنيرجي، ارتفعت صادرات البلاد بنسبة 28 في المئة في 2023 إلى أكثر من 11 مليون طن. وتتوقع الشركة أن تواصل صادرات إيران الارتفاع خلال العام الجاري، بما يتجاوز نحو 12 مليون طن، وهو ما سيحقق لها إيرادات إضافية.
ونقلت وكالة بلومبرغ عن إيمان ناصري المدير العام لشركة أف.جي.إي في الشرق الأوسط قوله إن “هذه الزيادة جاءت مدفوعة بارتفاع الإنتاج من حقل غاز جنوب بارس، فضلا عن زيادة سعة الشحن بين إيران والصين، حيث يتم إرسال كل الوقود تقريبا”.
وتسعى الولايات المتحدة إلى تشديد العقوبات على تجارة الطاقة الإيرانية لتقييد دعمها المالي للميليشيات المتحالفة معها في المنطقة، مثل جماعة الحوثيين في اليمن وحركة حماس في غزة وحزب الله في لبنان. ومع ذلك، فإن اتخاذ إجراءات صارمة تهدد بدفع الأسعار إلى الارتفاع والإضرار بالمستهلكين، وهو ما يمثل مشكلة سياسية في عام الانتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة.
والسبت الماضي أصدر البنك المركزي الإيراني تقريرا أظهر نمو اقتصاد البلاد بنسبة 4.5 في المئة خلال الأرباع الثلاثة الأولى من السنة المالية الحالية التي بدأت في الـ21 من مارس الماضي.
وبحسب التقرير، فإن نمو الناتج المحلي الإجمالي، باستثناء المنتجات النفطية، سجل زيادة بنسبة 3.5 في المئة خلال الفترة المذكورة. وأشار المركزي إلى أن هذه النتائج جاءت بعد نمو بنسبة 4 في المئة خلال العام السابق، مما “يدل على التحسن المستمر في الأنشطة الاقتصادية للبلاد”.
العرب