اعتاد مسؤولو حكومة الاحتلال الإسرائيلي على الاستخفاف بالتهديدات الإيرانية، نظراً لتاريخ طويل من التهديد والوعيد الإيرانيين اللذين لم يخرجا إلى حيز التنفيذ إلا في مرّات قليلة، رغم الضربات الكثيرة التي وجّهتها إسرائيل ضدّ أهداف إيرانية، سواء كان ذلك في سورية أو حتى في إيران نفسها. لكن الصورة تبدو هذه المرة مختلفة، وكذلك حالة التأهّب، ليس لثقة إسرائيل في أن إيران ستنتقم فعلاً لاغتيال القائد في الحرس الثوري الإيراني العميد محمد رضا زاهدي، ومسؤولين إيرانيين آخرين في العاصمة السورية دمشق، وإنما لأن عملية “طوفان الأقصى”، التي نفّذتها حركة حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، علّمتها درساً بعدم استبعاد أي سيناريو، عندما يتعلّق الأمر بالأمن والحرب.
وفي هذا الإطار، يمكن تصنيف المشاورات المكثّفة في الأروقة الإسرائيلية في الساعات الأخيرة، بما في ذلك عقد اجتماع هاتفي لمجلس إدارة الحرب (كابنيت الحرب)، يوم أمس الأربعاء، ونية عقد المجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية مساء اليوم الخميس، فضلاً عن رفع حالة التأهب، كما عمل الجيش الإسرائيلي على تعزيز قواته مع التشديد على سلاح الجو. وليس بمنأى عن كل ذلك، تنظيم وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت، أمس الأربعاء، تدريباً لفحص جهوزية الجيش والجبهة الداخلية المدنية، في حيفا، قال في نهايته إن قواته “تعزز جهوزيتها في الوقت الحالي، وإلى جانب ذلك توسّع عملياتها ضد حزب الله وضد جهات أخرى تهددنا”.
وتتفاوت التقديرات الإسرائيلية إزاء إن كانت إيران سترد فعلاً، وكيف ستقوم بذلك في حال ردت، بشكل مباشر أم من خلال وكلائها في سورية ولبنان واليمن والعراق وسائر المنطقة، وإن كانت ستستهدف إسرائيل مباشرة أم سفاراتها وبعثاتها في الخارج. وفي صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أشار مراسل ومحلل الشؤون العسكرية والأمنية يوسي يشواع، اليوم الخميس، إلى وجود تقديرات مختلفة داخل الحكومة الإسرائيلية، وأنه على الرغم من عدم تنفيذ إيران تهديدات سابقة، إلا أن مسؤولاً إسرائيلياً قال إنه “لا يمكن الاستخفاف بالتهديدات” حتى وإن لم يتمكن ذات المسؤول من تقدير كيف ستختار إيران ردّها.
وأشار الكاتب إلى وجود عدّة خيارات أمام إيران لتوجيه ضربة لإسرائيل، إما من خلال استهدافها بصواريخ تُطلق من إيران، أو من خلال وكلائها في المنطقة، بالإضافة إلى خيار استهداف مسؤولين إسرائيليين كبار أو البعثات والسفارات الإسرائيلية في الخارج.
وفي صحيفة “هآرتس”، كتب المحلل العسكري عاموس هارئيل، أنه وفقاً لجميع المؤشرات والتحذيرات التي تبثها إيران، فإنهم في النظام الإيراني عازمون على الردّ، مضيفاً أن هناك جاهزية عالية جداً في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. وأشار بدوره إلى سيناريوهات محتملة في حال جاء الردّ، وهي هجوم مباشر بواسطة مسيّرات وصواريخ تُطلق من إيران نفسها باتجاه مواقع إسرائيلية، أو تكثيف إطلاق الصواريخ من لبنان أو سورية من خلال الوكلاء، أمثال حزب الله والمليشيات التابعة لإيران في المنطقة، أو باستهداف إحدى سفارات إسرائيل في الخارج، “وإيران لديها تاريخ غني في هذا المجال”.
في ذات الوقت، تساءل الكاتب إن كان لدى إيران الإمكانية لتجهيز قدرات عملياتية خلال وقت قصير، أو إمكانية العمل في الوقت الراهن، مضيفاً أن عملية ضد أهداف إسرائيلية في دولة ثالثة، قد تعقّد علاقة إيران بنفس الدولة، خاصة أن النظام الإيراني أعلن مسبقاً عن رغبته في الانتقام.
ومن جهة أخرى، يرى الكاتب أن ثمة شكوكا حول إن كانت إيران تريد الاختباء خلف وكلائها بعد أن تم توجيه ضربة لأحد كبار المسؤولين فيها، وليس إلى حزب الله أو إحدى المليشيات التي تعمل في المنطقة.
أخبار
الاحتلال الإسرائيلي يمنع مغادرة الجنود وحداتهم تحسباً لرد إيراني
وفي حديث لإذاعة “103” العبرية، اعتبر الجنرال في الاحتياط، نوعام تيفون، والذي سبق أن كان قائداً لفرقة الضفة الغربية والجيش الشمالي، أنه “في أعقاب السابع من أكتوبر، فإن الدرس الأول (الذي تعلمته إسرائيل) ينص على الاستعداد بكامل الجدية لكل تهديد، ويجب تقدير كيف يمكن أن يكون الردّ الإيراني”.
وطرح بدوره ثلاثة سيناريوهات يلتقي فيها مع المحللين أعلاه، مضيفاً أن إسرائيل عليها الاستعداد لثلاثة تهديدات: الأول تهديد باليستي، من خلال الصواريخ والقذائف الصاروخية من كل مكان يمكنهم (الإيرانيون وموالوهم) إطلاقها منها، بما في ذلك إيران نفسها”، لافتاً في ذات الوقت إلى أن إسرائيل تمتلك منظومة دفاع جوية متقدّمة.
أما الخيار الثاني الذي يجب الاستعداد له، برأي تيفون، فهو “عملية برية، وهنا أيضاً يجب الاستعداد بمنتهى الجدية”. فيما يتعلق السيناريو الثالث باحتمال تنفيذ عمليات ضدّ أهداف إسرائيلية في الخارج؛ وهذا الخيار ينبغي على جهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الموساد” في أرجاء العالم أن يستعد له وبشتى الطرق وعلى نحو جاد، على حدّ تعبيره.
مع هذا، استبعد تيفون أن تكون إسرائيل على أبواب حرب إقليمية، معتبراً أنها تحقق انتصاراً تكتيكياً في الشمال (على حزب الله في لبنان)، لكنها تخسر استراتيجياً، “لأن الشمال خالٍ من السكان، في حين أن حكومتنا غير قادرة على القيام بمهامها”. وأضاف أن على إسرائيل الامتناع عن حرب شاملة على جبهتين، كما استبعد أن تكون إيران معنية بفتح حرب شاملة، خاصة في الوقت الراهن، في ظل الوجود الأميركي المكثّف في المنطقة، ولكن بشأن التهديد بالانتقام يجب أخذ الأمور على محمل الجد.